19 ديسمبر، 2024 3:07 ص

خالف تذكر … أو … خالف تعرف

خالف تذكر … أو … خالف تعرف

قال إعرابي : إذا لم يكن لك في الخير إسم ، فارفع لك في الشر علما .

ويحكى أن المعذل هجا إمام البصريين المبرد فقال :

ســـألنا عــن ثمالــة كل حـــــــي … فقال القائلون ومـن ثمالـة

فقلت : محمد بن يزيد منهم … فقالوا : زدتنا بهم جهالة

فقال لــي المبرد خـل قومـــي … فقومي معشر فيهم نذالة

وقد ذكر أن المبرد افتعلها ليشهر نسبه .

وكتب ( طه حسين ) نقدا لاذعا في الأديب الكبير ( المنفلوطي ) فقال:

( أيها الكاتب المجيد أسعد الله صباحك ، وأحسن مفداك ومراحك ، وقوم المزور من شأنك ، والمعوج من لسانك ، وألهمك الصواب في الإعراب ، والإحسان في البيان ، فما أعلمك في كل ذلك إلا دعيا ، بحثت عن معناك فلم أجدك إلا غثا ، وعن لفظك فلم أجده إلا رثا ، وعن أسلوبك فلم ألفه إلا مبتذلا ، وعن صيتك فلم أجده إلا منتحلا ، وعن مقرظيك فإذا هم بين ظالم ومظلوم ، ولائم وملوم ، فسألت الله أن يثأر منك العرب )) .

وبعد ذلك بأربعين سنة سأله صحفي عن سر هذه الحملة الشنيعة على المنفلوطي ، فأجابه وهو يبتسم ) : كنت شابا يريد الشهرة على حساب كاتب كبير معروف( .

خالف تعرف ، مثل شعبي شهير يتردد على ألسنة الكثير من الناس ، وخاصة عندما يريد شخص أن يميز نفسه بشئ مختلف عن غيره ، أو يكون له رأي مخالف في مسألة مطروحة على مائدة النقاش ، فيقال له ( خالف تعرف ) ، ولكن هذا المثل محرف من مقولة ( خالف تذكر ) ، وأول من قالها هو الشاعر العربي ( الحطيئة ) الذي كان مشهورا بهجائه ، حيث أتى الكوفة ، والتقى أحد رجالها المعروفين ، وبعد تبادل التعارف بالأسماء المخالفة لحقيقتها ، ومن ثم معرفته والترحيب به ، قال له الرجل : أنت أشهر الشعراء ، فقال الحطيئة : خالف تذكر ، بل أشهر مني الشاعر الذي يقول :

سَئِمـتُ تَكاليـفَ الحَيــــاةِ وَمَـن يَــــعِش … ثَمـــانينَ حَـــولاً لا أَبـا لَكَ يَســأَمِ

وَأَعــلَمُ عِلـــمَ اليَــــومِ وَالأَمــسِ قَبــــلَهُ … وَلَكِنَّني عَـن عِـلمِ ما في غَـدٍ عَمي

وَمَن يَجعَلِ المَعروفَ مِن دونِ عِرضِهِ … يَـفِرهُ وَمَــن لا يَتَّـقِ الشَتمَ يُشتـَمِ

وَمَـــن يَـــكُ ذا فَضـلٍ فَيَبخَـل بِفَضــــلِهِ … عَلى قَومِــهِ يُستَغـنَ عَنـهُ وَيُذمـَمِ

وَمَـــــن هابَ أَسبـابَ المَنِيَّةِ يَلقَــــــــــها … وَلَو رامَ أَسبـابَ السَمــاءِ بِسُلـــَّمِ

وَمــــنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ فِـــي غَيـــــْرِ … أَهْلِـهِ يَكُنْ حَمْدُهُ ذَماً عَلَيْهِ وَيَندَمِ

وَمَـــن يَغتَرِب يَحسِــــب عَدُوّاً صَديقَهُ … وَمَــــــــن لا يُكَرِّم نَفسَهُ لا يُكَرَّمِ

وَمَهمـــا تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِـــــن خَليقَةٍ … وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ

ومع إحترام الفارق بالقياس بين المتقدمين والمتأخرين من المثقفين ، فقد سئمنا أقاويل المرشحين والناخبين ( المقاطعين ) ، الذين يبحثون عن الوجاهة في غير مكانها وزمانها ، وقد ساقتهم عقد النقص لديهم ، إلى إعلان الرغبة في الإستحواذ على مراكز الرأي والسلطة والقرار ، تحت مظلة الإدعاءات الفارغة ، التي لا أمل منها في الإتيان بفتيل نفع أو قطمير من خير ، على الرغم من علمهم بضعف وسائل وأساليب الضغط التي يمتلكونها من الناحية التنفيذية ، إلا إن الطبيعة البشرية مجبولة على إستحسان رؤية ما تريد ، بغض النظر عن فقدانها لمقومات القدرة على تحقيق ما تصبوا إليه وتطلب ، وعليه تجدها تتقمص شكل وحجم القوى المؤثرة ، وتنتحل صفاتها ومواصفاتها ، في محاولة لإشباع رغباتها وما تحلم في تحقيقه ، بغفوة يقظتها قبل أحلام منامها ، ولعل من غريب تلك الوسائل الديمقراطية ، أن يعلن بعض الأفراد موقفا غير مناسب ولا منسجم مع مؤهلاتهم غير المؤثرة في المجتمع ، لإقتصار تأثير ذلك على ما تقوم به مجاميع الضغط الإجتماعي أو الإقتصادي أو السياسي الفاعل ، وذلك ما لم نجد له طريقا للتحقق العام ، وإن إجتمع له بعض الأفراد الخاوية عقولهم من كل مفيد ، وبأشكال وصور الدعوة المعارضة غير المنتجة ، التي أصبحت سندا وعونا لمن تختلف معهم وتناوئهم من حيث لا تدري ، وبالضد من توجهات المعارضة المنتجة ، بسبب الغشاوة التي أصابت بصيرتهم قبل أبصارهم؟!.

وعلى من لا يدرك بأن يوم تغيير الوجوه الكالحة عز وفخر ، فعليه أن يتذكر ولا ينسى أبدا ، بأن من لم يشارك في انتخاب الوجوه الصالحة خيانة وغدر ، لأن التغيير الذي ننشده هو ما نعني به الأشخاص والكتل إحلالا وتبديلا ، تمهيدا لإجراءات البناء والإعمار المتزامن مع المساءلة والمحاسبة والعقاب ، فلا تستهينوا بصوت النائب الواحد ، فقد يغير اتجاه أي قرار ، ولا أعتقد في صحة التلاعب بالألفاظ والنوايا ، سبيلا لرسم صورة المستقبل ، فقد سبقتنا دول العالم في كل شيء ، إلا أننا لم نستحي يوما أو نخجل مما نحن عليه من سوء الحال والأحوال ، وانتخابات سنة 2018 ليست نهاية المطاف ، ما دام صراع الأضداد قائم وأدواته فاعلة ، وكم من حزب وكيان سياسي ولد ميتا ، ويظن رعاته أنهم الآخرون الآتون بما لم تستطعه الأوائل ، وعليه نتوجه بخطابنا إلى الراغبين في دوام حياتهم ومجدهم على حساب الشعب ، بأن التبشير بالإقتتال والحرب الأهلية التي تصفون ، لحسم معارك توجهاتكم السياسية بأسلحة ثالوث الدمار الشامل للعراق وأهله (العرقية والطائفية والمذهبية ) ، التي تميزتم في ممارستها وإستخدامها منذ سنة 2003 ولحد الآن ، نقول لكم : دونكم الصحراء فاتخذوها مسرحا وساحة لمصارعكم وقبوركم ، ونشد على أزركم في أن يفني بعضكم بعضا ، حتى لا نسمع لأحدكم بعد الإنتخابات همسا ولا ركزا ، فنحن معاشر أهل العراق أصلاء ومسالمون ، أبتلينا بجهلكم وجاهليتكم ، ولن ندفع ثمن حماقاتكم نيابة عنكم ، فلا بارك الله فيكم ولا في نواياكم ، وسيكون عيدنا بخلاصنا منكم ، يوم تدمرون أنفسكم بأيديكم ، ويسلم الناس من شروركم ، وفي ظل رعاية الله تعالى وعنايته وحفظه ، سنعيش سعداء بدونكم ، فلا حاجة لنا بحكام طواغيت ، ولا محكومين عفاريت ، رفعت الأقلام وجفت الصحف ، ولكم عند الله لظى ( نزاعة للشوى * تدعوا من أدبر وتولى * وجمع فأوعى ) ،

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات