18 ديسمبر، 2024 6:10 م

خارطة طريق للسلام العراقيّ المفقود!

خارطة طريق للسلام العراقيّ المفقود!

لا يمكن تصوّر استمرار الحياة وتطوّرها دون أن تكون هنالك أرضيّة صالحة للعيش خالية من الدم والحرب، أو حتّى من التهديد بالحرب، وبعبارة أدقّ يجب أن يكون السلام هو الأرضيّة الصلبة لبناء الدولة والعيش الرغيد.
إنّ تعزيز ثقافة السلام ليست مهمّة سهلة لأنّها تتعلّق بوعي الإنسان بأهمّيّة الحوار والعمل لتفكيك الخلافات والنزاعات وترميم الأضرار الناجمة عن مؤامرات القوى التي نشرت، وما تزال، الموت والتعاسة والخراب في مفاصل الحياة.
والسلام هو رسالة السماء، ومظلّة الناس في الأرض، وكلّ الفلاسفة والحكماء الأنقياء دعوا للسلام، وحاربوا العنف والكراهية والدماء والقنابل، ولهذا فإنّ السلام يجمع كافّة الناس ومن كلّ الطوائف والمذاهب والقوميّات والمدارس على صعيد واحد خيْمته التكاتف والمحبّة والورود والسنابل.
وفي ضوء استمرار الحالة العراقيّة القاتمة والخالية من الأمان والطمأنينة والسلام، والتي تغذّيها غالبيّة القوى التي لا تريد أن يصل العراق إلى مرحلة السلام الدائم، والقائم على المحبّة وحقوق الإنسان وكرامته، وعليه، وفي ضوء هذا الواقع المليء بالرعب والاضطرابات، ليس من الهيّن الحديث عن السلام!
يحقّ للعراقيّين أن يبحثوا عن السلام، وعن أسس التعايش السلميّ بينهم لأنّهم يحبّون الحياة ومتمسّكون بها.
ومن هنا فهم يعرفون جيداً القوى الخبيثة التي تنخر أسس التعايش بينهم، وتسعى لبقاء العراق في المنطقة المظلمة دون الوصول إلى المرحلة النقيّة الخالية من الحاقدين على الوطن والمواطن!
وفي ذات الوقت فإنّ العراقيّين مستغربون من استمرار وتنامي دور القوى الشرّيرة التي هضمت حقوق الملايين في ميادين التأثير السياسيّ دون تطبيق العدالة بحقّهم!
إنّ من الأهمّيّة في هذا الملفّ الشائك أن نتعرّف على السلام المطلوب، وأبعاده، وما هي القضايّا المفصليّة التي يجب أن يتفاهم عليها العراقيّون، وعلى ماذا يمكن أن يتّفقوا؟
التجربة المريرة أكّدت أنّ غالبيّة القوى الشرّيرة والحاكمة تسعى لتوظيف الحالة غير الصحّيّة القائمة لمصلحتها الحزبيّة والشخصيّة، وهنا يمكن اقتراح خارطة طريق، بخطوط عريضة، للتأسيس لمرحلة السلام العراقيّ المرتقب، وذلك عبر تطبيق الآتي:
تنفيذ سياسة زرع الثقة والطمأنينة، وهي من أهمّ السياسات المُهملة، ولهذا من أراد أن يقود البلاد للسلام عليه أن يطبّق سياسة زرع الثقة في البيت والشارع والمدرسة والدوائر الرسميّة وصندوق الاقتراع وفي كلّ مكان، وإلا فإنّ سياسة الترهيب والتخويف مستمرّة في هدم الإنسان والدولة معاً!
العمل على بسط سلطة القانون على الجميع لأنّ القوانين وضعت لسدّ حاجة الناس، ولتنظيم حياتهم ونشر الطمأنينة والسلام بينهم.
لجم القوى الشرّيرة، وتطبيق القانون عليها بلا رحمة حتّى نؤسّس لمرحلة السلام المستدام وليس السلام الهشّ الذي تتحكم به القوى الحاقدة، والتي تدّعي أنّها تحافظ على السلم المجتمعيّ وأفعالها خلاف ذلك.
ضرورة أن تضمن القوى الخيّرة العدالة لكلّ المواطنين، وتحسم ملفّات التّهم الكيديّة والصراعات السياسيّة عبر الأجنحة المسلّحة، أو الأسلحة القضائيّة.
إصدار قانون العفو العامّ عن كافّة السجناء عدا الذين تورّطوا فعلاً بدماء العراقيّين، والقضاء على سائر أنواع التعذيب الجسديّ والحروب النفسيّة.
مُواجهة عموم صور التعصّب المذهبيّ والفكريّ والسياسيّ.
محاربة سياسة التهميش السياسيّ، والسعي لتوزيع الحقوق على العراقيّين بعدالة وطيب نفس وبعيداً عن لغة البطش والسلاح والترهيب، وعبر انتخابات حرّة ونزيهة.
نشر ثقافة التسامح ومحاسبة كافّة وسائل الإعلام التي تنشر الكراهية والخراب بين الناس.
التسامح لا يعني هضم حقوق الآخرين وطيء الماضي وبداية صفحة جديدة مع مَنْ تلطّخت أيديهم بدماء العراقيّين، وفي أفضل الأحوال يمكن القبول بتلك المرحلة على أن يتنحّى هؤلاء عن كلّ المناصب المهمّة في إدارة الدولة ويكون الحكم النهائيّ بمصيرهم للقضاء المُحايد.
تشجيع إعمار المدن، ودعْم المشاريع الاقتصاديّة والتنمويّة.
تنظيم رحلات مجّانيّة لعودة مهجري الخارج مع تعويضهم الوظيفيّ والماليّ عن سنوات التهجير القسريّ.
هذه الخطوات الفاعلة وغيرها ضروريّة جداً لترتيب أرضيّة صالحة للتسامح والسلام المجتمعيّ.
يفترض أن نتصدّى جميعا لكلّ من يسعى لنشر الحرب، ولنعمل من أجل حياة بلا حروب، وبلا كراهية، وبلا أناس لا يحبون الحياة، ونسعى لتطبيق السلام في كلّ تفاصيل حياتنا لنحيا حياة مليئة بالطمأنينة، والسعادة بعيداً عن مظاهر الحروب والترهيب والدماء!
فمَنْ سيزرع السلام (المفقود) في بلاد الرافدين؟
dr_jasemj67@