الذين يبحثون عن الكسب المادي المريح غير المشروع لم يتركوا مجالاً لم يدخلوه ، ودائما ما تدفعهم ابتكاراتهم لاستخدام جميع الوسائل من أجل تحقيق أهدافهم . خصوصا حين يجدون الأجواء العامة ملائمة جداً لتفعيل أنشطتهم ومدّ أذرعهم بمختلف الاتجاهات . ومن هذه الاتجاهات الجديدة استغلال المتسولين استغلالا بشعا وتجنيدهم في مناطق معينة ضمن خارطة يتم الاتفاق عليها بين المافيات المتحكمة بالشارع العراقي . وربّما يتصورُ البعض أن هذا الأمر مجرّد ضربٍ من الخيال أو مبالغ بهِ ولا يمت للحقيقة بشيء ، ولكنني أقولها بمنتهى الصدق أن ما يجري على أرض الواقع وصلَ الى الحدّ الذي لا يمكن السكوت عليه ، فقد راقبت هذا الأمر منذ فترة طويلة – من باب الاستطلاع – وتأكدتُ بنفسي عن وجود هذه الظاهرة الجديدة التي ربّما لا يعرفها الآخرون . ولوْ فرضا طلبنا من أحد المتسولين أو احدى المتسولات تغيير مكانهما بمكان آخر فسوف نكتشفُ الحقيقة من الجواب البسيط ( لا أستطيع تغيير مكاني ) . كما يمكن للمتابع أن يصبرَ قليلا وينتظر حلول الليل ليرى بأم عينه كيف يتم اعادة المتسولين الى قواعدهم من أجل أخذ ما حصلوا عليه من الأموال واعطائهم أجورهم . ونجدُ أن تلك المافيات جندّتْ أطفالا وأحداثاً ونساءَ وقامت بتدريبهم وتوزيعهم في مناطق متفرقة في العاصمة بغداد ( وربّما في المدن الأخرى ) . وأخشى أن تتطورَ هذه الظاهرة الى ما هوَ أخطرُ من ذلك بعمل عاهات جسدية مقصودة لبعض المتسولين المساكين لكسب عطف وشفقة الناس وزيادة المردود المادي . والطامة الكبرى أن أجهزة الحكومة الرقابية بعيدة كلّ البعدِ عن تلك الظاهرة ممّا فسح المجال بشكل واسع للمستفيدين منها . وان لم تتحرك الأجهزة الرقابية بالسرعة الممكنة وبالجديّة التامة لمعالجة هذا الموضوع علاجاً جذريا شاملاً فسوفَ يكون لتلك الظاهرة خطرٌ حقيقي يهدّدُ المجتمع العراقي ويهدّدُ سلامة أطفاله وأبنائه ونسائه . كما أن تحكمَ المافيات بهذا الشأن ضيق الخناق على المحتاجين من الناس ، وان اختلاط الحابل بالنايل ينعكسُ سلباً على المتسولين الذين هم فعلاً بأمس الحاجة الى المادة ولقمة العيش .