جميل جدا أن يقتنع السادة الوزراء والمسؤولين في الدولة العراقية من النزول إلى حقل المعرفة,والانخراط في عملية إعادة بناء وترميم الثقافة العراقية الجديدة,على الرغم من التأخير والانعزال والانزواء بين جدران وأسوار المنطقة الخضراء,إلا إن الحقيقة أثبتت لهم مؤخرا,
إن ميدان بناء الإنسان والمجتمع يبدأ بنخبه المفكرة السياسية والثقافية,من خلال الحوار الهادئ المتبادل بين المسؤول وممثلي الشارع الثقافي
(الممثل بالإعلام المرئي والمسموع-الصحف والجرائد والمجلات-المواقع الالكترونية الرصينة والمهمة,)الخ.
ترى هل استمع أو قرأ أو حتى اطلع السيد الأديب ,وبقية أعضاء الحكومة حول الأفكار والمقترحات والإشارات والصرخات الإنسانية والأخلاقية,
التي بادر إليها المثقفين العراقيين بمختلف توجهاتهم, منذ انهيار النظام البائد وحتى وقتنا العصيب الحالي, لقد جاءت هذه الالتفاتة متأخرة كثيرا؟
نحن نعلم إن عملية إعادة صياغة المشروع الوطني(دولة المواطنة)مسؤولية معقدة ومتشابكة ,وفقا للرؤى المختلفة الممثلة بثلاثي أو رباعي القرار السياسي العراقي(دولة القانون –التحالف الوطني-القائمة العراقية-التحالف الكردستاني),
ولكن وقفة قصيرة مع ماطرحه السيد الأديب من مواضيع مهمة ,تمس جوهر الحقيقة المرة المتعبة للعملية السياسية
(بشقيه الأحزاب والكتل السياسية-والبيئة الاجتماعية المحطمة) ,بحيث يمكن تحديد الأسباب التي أدت إلى كل ما طرح في خارطة طريق وزير التعليم العالي والبحث العلمي الحالي,
(مع إننا لا نملك أدلة واضحة حول دور ورؤية السيد الأديب ,القيادي في حزب الدعوة جناح إيران, في مرحلة الإعداد لكتابة الدستور العراقي وتوزيع المناصب والمحاصصة الحكومية-ودمج المليشيات الذي يقال إنه كان مسؤولا عن دمج أفراد حزب الدعوة في المؤسسات والأجهزة الأمنية),
مع إن المحاور التي طرحت في خارطته كثيرة,سنبدأ بمحور التربية والتعليم,
لقد كانت وزارة التربية السابقة وحتى الحالية من افشل الوزارات(وقد سمعت شتائم وعتاب المعلمين والمشرفين والمشرفين التربويين بحق الوزارة السابقة),
وهي حصة محسوبة على حزب الدعوة تنظيم العراق(مع إنهم بطبيعة الحال يمثلون حزب الدعوة على اعتبار إن انشقاقهم لم يكن بعيدا ,والتناغم كان موجودا بين الاثنين),
احد مدراء التربية المعين كحصة للحزب من قبل احد مجالس المحافظات, يرد على منتقديه(لفشله في إدارة مديريته)المنادين بتغييره,انه ضمن الراتب التقاعدي(وهو في عمر التقاعد بالطبع بعد سنين الهجرة الطويلة),
ولا اهتم لما يحصل بعد ذلك(شي يريد يصير خل يصير),لم تجري أو تُدخل وزارة التربية أي تغيير في برامج التربية والتعليم,ولم تحاول أن تبحث في سبل تطوير الكادر التدريسي,واستخدام الأساليب الحديثة في التعامل مع شعب جريح,
والحد من انتشار ظاهرة التسيب والهروب من المدارس(وبالتأكيد الأسباب كثيرة ومنها تكرير نمط التعامل التربوي الفاشل المستورد من تجربة البعث المتعمد بتخويف أجيال الثورة كما كانوا يطلقونها على الطلبة),
ثم تم إضافة عطلة إلى يوم الجمعة, مع إن الدوام أصلا يعتبر من اقصر الفترات بساعات قليلة مقارنة في بقية مدارس الدول المجاورة(انظر مقال وزارة تربية الأجيال),
أما معضلة اندماج أبناء العوائل والأسر العائدة من دول المهجر في المدارس العراقية ,فهذه لها باب واسع من الهموم والآلام
(تعاملت الوزارة بقسوة مع الطلبة العائدين من دول الربيع العربي-فذيلت قناة العراقية خبرا مؤلما ورد فيه تم قبول الطلبة العائدين مجانا…ماذا يعني مجانا في وطننا),واحد أهم أسباب عودتهم ثانية إلى بلاد الغربة,وعزوف بقية المغتربين من العودة إلى الوطن
(كيف والمعلمين لازالوا يتلفظون بعبارات إجرامية-أقص لسانه ألما يسكت-أطق رأسه بالحائط-أشبعه كتل-إضافة إلى السباب والشتائم),
بل علق احد أساتذة الجامعات عبر قناة العراقية حول رأيه بتطبيق الزي الموحد فقال مسألة انضباطية,
(في وزارتكم تبحثون عن وسائل تربط حرية الشباب الجامعي-وفي المدارس الابتدائية في الخارج يسمحون للطفل أن يجلس بثلاثة طرق أو أكثر على الأرض حول طاولة مشتركة بحرية مطلقة-بينما أشبعت أجيالنا ضربا فقط حول كيفية الجلوس أو مجرد الالتفاتة أو الابتسامة)………………..
أما بخصوص البعثات الدراسية (عشرة الآلاف بعثة تقريبا)وهي تعد بحق خطة ثورية في مجال التعليم العالي الخارجي(على قدر أهميتها العلمية والمعرفية, فهي أيضا بوابة للاحتكاك بالثقافات الخارجية),
لكنها مكلفة وسوف تدمر الجامعات العراقية وتقلل من شأنها,وإبقاءها في خانة الجامعات المشكوك بمهنيتها وقدراتها العلمية,فهي تحتاج إلى هذه الأموال ل� الأموال لتصرف في خطط تنموية طموحة تنهض بواقعها العلمي والمهني ,ورفع سمعتها عالميا,
(بينما عمالسابق إلى نمطين الأول استقدام الأساتذة الأكفاء الأجانب من الخارج للتدريس في الجامعات العراقية-مع بقاء حزمة معقولة من البعثات الدراسية ,التي كانت اغلبها مغلقة على أعوانه وأنصاره,ثم انهار التعليم بعد سلسلة الحروب والحصار الاقتصادي الدولي),
لهذا تحتاج خطتكم للبعثات الدراسية الكثير من التروي وإعادة النظر فيها (لأننا لن نصبح ماليزيا أو هون كونك لأسباب اجتماعية موروثة).
القطاع الصحي هو احد القطاعات التنموية المباشرة,والتي يمكن لها أن تلعب دورا مهما في تثقيف المجتمع صحيا وإنسانيا,وهي احد أهم أعمدة الخدمات العامة المقدمة للمواطنين,وهي من الوزارات الحيوية الشبه مجانية في الدول الغربية المتطورة,لأنها تعطي انطباعا خاصا حول طبيعة علاقة الدولة بالمجتمع,بينما نرى الأطباء حديثي التخرج لا يتمتع بعضهم بأدنى حدود اللياقة والأدب والأخلاق في التعامل مع المرضى
(أوقات يمضيها على عجل ثم يدخل سوق العيادات الرائجة),
صحيح هي موروثات مستقطبة ومتواصلة مع الطبيعة والبيئة الصحية المتخلفة, التي تركها النظام البائد عرضة للانهيار(كبقية القطاعات التعليم-خدمات البلدية-الكهرباء,الخ.),
إلا إن مرور أكثر من سبع سنوات دون تقدم,لا اعتقد إن الأمر سياسي, وإنما هي سوء إدارة وتخطيط, مع قلة خبرة وكفاءة المتصدين لمثل هكذا مواقع,كلها عوامل رئيسية مؤثرة أهملتها الحكومة بقصد أو دونه.
(ماعلاقة تغيير النمط الإداري الكلاسيكي الرتيب وتحديثه بالتوافق أو المحاصصة السياسية, على العكس تحسين النظم الإدارية سوف تخدم الجميع دون استثناء,استأذنا الأديب في وزارتكم يحتاج المراجع يومان كاملان لانجاز معاملة معينة-مع الملاحظة إن دوام وزارتكم ينتهي فعليا الساعة الثانية عشر ظهرا)
كثر الحديث في البرلمان والحكومة العراقية حول ضرورة التحول نحو الاقتصاد الحر(استقطاب وتشجيع الاستثمارات الخارجية مع دعم القطاع الخاص)بشروط البنك الدولي, وصندوق النقد الدولي(المؤسستين الرأسماليتين والامبرياليتين المشهورتين عالميا),وقد طبقت هذه السياسة الفاشلة,
فرجع العراق وخطة أعماره إلى الوراء بعقود,لان الأموال التي هدرتها حكومة التوافق السياسي تكفي لبناء دولة جديدة(انظر مقال برج خليفة- كانت تكلفته مليار ونصف),
والسبب ليست حاجتنا للانتقال إلى مصاف الدول المتقدمة,بالعكس فهذه الدول لم تبنى بالاستثمارات فقط, وإنما بخطط تطوير متدرجة,حيث لازالت اغلب هذه الدول تؤمن بالاستثمار المشترك بين القطاعين العام والخاص وفق نسب محددة لبعض المجالات(أسهم الاشتراك),
وهي تقدم خدمات الضمان الصحي والاجتماعي للطبقات الفقيرة بشكل مجاني(الفقيرة يعني إنها متوسطة بالمعيار الشرقي لميزان دخل الأسرة), وتجربة دولة الإمارات واضحة اغلب الاستثمارات هي مشتركة, وبعضها حكومية خالصة,
ولكن لماذا يردد السياسيين هذه النغمة المزعجة ,رغم إن الشعب العراقي لم يستعد حقوقه المادية والمعنوية المسلوبة منذ عقود,
(بطالة مقنعة-الدول فقط هي مصدر الوظائف-حكومة استهلاكية),السبب بسيط جدا وبحساب عربي-عراقي,يمكن فهم أسباب نجاح البعث في تطوير العراق في فترة السبعينيات من القرن الماضي,وتأخر النظام الحالي عن تحقيق انجازات كبيرة,
لان فشل خطط الأعمار وزيادة الهدر الحكومي للأموال, مع الفساد المالي والإداري,أرهقت موازنة الدولة,وخلقت انطباعا عاما لدى المواطنين حول ضعف الأداء الحكومي,وسوء إدارته لملفات الاعمار(فظهرت فوضى التصريحات المنادية بفدرالية الأقاليم),بغض النظر عن الجهة التي تتحمل أعباء تلك المسؤولية,
(رواتب الرئاسات الثلاث بمنافعهم الاجتماعية مع السفرات والمؤتمرات والمعارض والبعثات الغير مجدية وفق قائمة التحول لخارطة الطريق التي ينادي بها السيد الأديب ,والمعروفة للشارع العراقي-وتشريع قوانين الرواتب التقاعدية الخيالية لأعضاء مجالس الرئاسات الثلاث),
هذا فضلا عن إن انتقال الدول إلى نمط الاقتصاد الحر والمفتوح,وتحويل بعض المرافق والمؤسسات الحكومية إلى قطاع الاستثمار الداخلي أو الخارجي,تحتاج إلى رفع سقف الدخل اليومي للطبقات الفقيرة ,مع تأمين كافة الخدمات المجانية الضرورية لهم(الصحة-التعليم-الضمان الاجتماعي),
نظرة واقعية بعيدة عن تدخل العوامل الخارجية الضاغطة لجر العراق وشعبه لشباك الشركات الرأسمالية العابرة للسيادة الوطنية(انظروا ماذا فعلوا بالشعب الكويتي الذي يعاني من الفساد المالي),
نرى من خلالها أسباب تفشي ظاهرة البطالة(وانتشار ظاهرة الغنى الفاحش-مع الفساد المالي والوظيفي), وتعذر إيجاد حلول ناجعة لها,
فمجرد إعادة حسابات الأعمال والمشاريع الخدمية المنفذة,
(على سبيل المثال لا الحصر,تعبيد الطرق والأرصفة فقط),سوف نجد إن الأرباح التي استحوذ عليها بعض المقاولين (مع تردي نوعية العمل وفشله مما يعني إنها عملية عقيمة ومضيعة للوقت والأموال),
قادرة أن تشغل ألاف العاطلين عن العمل, لو كانت الحكومة هي من رعت هذه المشاريع(استيراد بعض المكائن وبناء معامل الإسفلت مع عقود توظيف حكومية),
وهكذا لبقية المجالات المنجزة بطريقة نفعية خالصة,الغير مطابقة لأية مواصفات(لا محلية سابقة ولا عالمية أو إقليمية أو حتى عربية حالية),ولكن بدء الحديث عن أعباء الشعب المظلوم,
بعد أن ضمنت هذه الأحزاب بقياداتها وأفرادها ومحسوبيتها الأخرى المورد المادي الكافي لمرحلة مابعد الحكم, صار الحديث عن الاستثمارات الرأسمالية (الذي ثارت ضده أوربا وأمريكا مؤخرا ),ونحن دولة ذات موارد طبيعية هائلة.
المسألة ليست في إقبال الشباب على الوظائف الحكومية,بل في قلة الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين وسوء التنظيم الإداري,
أين هي الدوائر الحكومية التي وفرت خدمة مقبولة للمراجعين(أنا شخصيا تحدثت لعدد من مدراء الدوائر الكل يقول لدينا نقص بالكادر الوظيفي),
العراقيون في دار الغربة لايعرفون شيء اسمه مراجعة الدوائر الحكومية,
(إلا ما ندر حيث أصبحت المراجعات عبر الشبكة الالكترونية,وبقية الخدمات تنجز بواسطة البريد العادي ),
أما في العراق فمراجعة أي دائرة حكومية تعني قمة الإزعاج, تجد في اغلبها الأبواب مغلقة والمنفذ المحترم للمراجعة هو الشباك!
نحن نحترم وجهة نظر السيد الأديب حول أطروحة التغيير الشامل للمجتمع العراقي,من خلال بناء دولة ديمقراطية صحيحة,تبدأ من بيت المشكلة الرئيسية المتمثلة بالدستور وسياسة التوافق الفاشلة,
ولكن هل هي وجهة نظر شخصية أم حزبية(أم انشقاقية عن النهج التقليدي لفكر الدعوة)؟
,وأين كانت لغة التنظير المنفتح على الأخر,عن فكر قادة الأحزاب المهيمنة على القرار السياسي الحالي؟
ورد في خارطة طريق الأديب مسألة الطبيعة والتركيبة العشائرية في العراق,التي لم تنضج بعد لتمارس دورها في صناعة القرار,
ونسي السيد الوزير إن قوانين الانتخابات العامة التي أعقبت مجلس الحكم البريمري, هو من أعاد سلطة العشائر إلى الوجود وأقحمها في السياسية,
(مجالس الإسناد وحملات المصالحة مع العشائر),وذلك بسبب التوجه لاعتبار المحافظات كلها دائرة انتخابية واحدة,مما سمح بصعود شخصيات قبلية-عشائرية ليس لها علاقة بالعمل البرلماني,
إضافة إلى إنه افشل النظام الديمقراطي الحديث, الذي يعتبر احد مبادئه التمثيل الشعبي-ألمناطقي,
كيف يمكن لمرشح من قضاء معين إن يمثل قضاء أو مدينة أخرى,فضلا عن إن نصف أعضاء البرلمان الحالي, إن لم يكن أكثر, لايمثلون إلا أنفسهم وعشائرهم وأتباعهم(حماياتهم وأسرهم),
حتى باتت مجالس المحافظات تعج بالممثلين القاطنين الاقضية والنواحي(ومن إحدى النوادر الحقيقية إن احد مجالس المحافظات طرح مسألة تغيير مركز المحافظة ونقله إلى إحدى أقضيتها لتفوق نسبة الأعضاء العائدين لهذا القضاء,والحديث يطول……………….
هناك أسئلة كثيرة تنتظر أجوبة أصحاب الضمائر الحية,نتمنى أن تفتح صفحة جديدة بين الجميع ,حول جدلية بناء دولة المواطنة الحقيقية, في عراق مابعد الدكتاتورية .