أول ما وفدت نظرية أو عبارة «التفكير خارج الصندوق» إلى مجتمعنا تم الاحتفاء بها في الطروحات حول التنمية والتطوير ومواجهة المعوقات والتحديات، وصارت مثل الحلية الإدارية، يتجمل بها الكثير، ومنهم الإداري المسؤول عند الظهور، قبلها كانت عبارة «لا تعد اختراع العجلة من جديد» هي الأعلى تداولاً واستخداماً، في إشارة إلى وجوب البدء من حيث انتهى الآخرون، وليس البداية من نقطة بداياتهم، خصوصاً كلما كانت النتائج الإيجابية لخططهم ظاهرة.
وفي وجه من الوجوه هناك تطابق بين العبارتين أو المصطلحين، مع حاجة إلى مزيد من التأمل، في المقابل كانت عبارات مثل «الشق أكبر من الرقعة» و «ما حولك أحد»، «لقد أسمعت لو ناديت حياً» هي العبارات المحلية الأكثر تداولاً. وتقال أحياناً عند الرد على طروحات «عدم إعادة اختراع العجلة» وتالياً إلى حد أقل يرد بها على التفكير خارج الصندوق.
طبعاً نحن لم نعد اختراع العجلة ولم نحاول حتى، بل إننا أخذنا العجلة الموجودة والمتوافرة المخترعة من غيرنا، ثم ركبناها لنمر بكل المطبات التي مروا هم بها منذ زمن بعيد – على رغم أن خريطة مسارهم معلنة – ثم ذهبنا إلى ورش الصيانة نفسها لإصلاح الأعطال المتكررة.
أما الأخذ بفكرة ونظرية التفكير خارج الصندوق فمسألة أعمق وأدهى. بعد أن استقر «التفكير خارج الصندوق» كجزء من تطلعات المشهد «التنموي»، تم إنشاء العديد من الصناديق التي توالدت في شكل عجيب، وتقريباً أصبح لمعظم الأجهزة الحكومية صناديق، كلها طبعاً صناديق مالية. أصابتني وقتها حال التباس، فهل لهذا التوجه الإداري علاقة بالتفكير خارج الصندوق؟! قادني التأمل إلى نتيجة لا أعلم مدى صحتها، يكون لديك صندوق قديم وآخر جديد تفكر في الآخر دائماً حينما تدير الأول.
الآن بدأنا نلمس نتائج التفكير خارج «صندوقنا» أو الصندوق الذي تعودنا التفكير بحدود أضلاعه، ولم نخرج من التفكير داخله إلى الفضاء الرحب والمساحات الحرة لنعيد صناعة صندوقنا الخاص، بل أدخلنا أنفسنا في صناديق أخرى لا نعلم الكثير عن مجاهلها مع توقعات – من تجارب آخرين – بأنها مجاهل عميقة وغامضة.
نقلا عن الحياة