26 نوفمبر، 2024 10:14 ص
Search
Close this search box.

خارج الخط الأحمر – 1

خارج الخط الأحمر – 1

آدم ليس أول البشر ــ الجنة في الأرض-حقيقة الملائكة والشيطان وإبليس والجان-القدس والأقصى والإسراء
قبل الخوض في هذه المواضيع المتنوعة وغيرها لا بد من مقدمة ضرورية عن السبب الذي أدى الى الغموض في فهم الإسلام كعقيدة وتاريخ، فمن الواضح أن المسلمين انقسموا الى معسكرين (شيعة وسنة) والتزم السنة جانب السلطان بينما كان الشيعة عبر تاريخهم في الجانب الآخر، وهو عامل ساهم في أن تكون نصوص الشيعة بعيدة عن تأثير السلطات التي لا بد أنها تحاول تكريس النص لصالح سياساتها، ومن ذلك نرى تقلب السلطات في عقيدتها، ومن أوضح الأمثلة التي ربما لا يعرفها الكثير من القراء أن العثمانيين كانوا أساساً من الشيعة وعندما خطرت عندهم فكرة أن يكونوا الاستمرار بالخلافة الاسلامية اصطدموا مع فهم قديم عند الشيعة وهو أن السلطان لا بد أن يكون من قريش وتحديداً من بني هاشم من نسل علي بن أبي طالب، عندها بدأوا رحلة البحث عن مذهب يتيح لهم أن يكونوا خلفاء لرسول الله فوجدوا أن المذاهب السنية هي الأخرى لا تجيز لغير القرشي تولي الخلافة،
باستثناء مذهب أبي حنيفة النعمان الذي لا تنحصر الخلافة عنده بهذا الشرط، فأصبح مذهبه هو المذهب الرسمي للدولة العثمانية ولكل البلاد التي احتلوها، وأطلقوا عليه لقب (الإمام الأعظم)، ومن الأمثلة ثورة المسودة التي أوصلت بني العباس الى الخلافة الاسلامية، فقد كان بنو العباس من الشيعة وكانت الثورة ثورة شيعية، ولكن وجد بنو العباس أن الشيعة لا تعدل ببني علي أحداً عندها قاموا برفع عقيرة بعض علماء السنة لمحاولة طمس التوجهات الشيعية ونكلوا بأئمة الشيعة ما بين سجن وقتل بالسم، الخلاصة أن السياسة لعبت دورها الخطير في رفع مذهب وطمس مذهب وبالتالي رفع نص وطمس نص، وقاموا كذلك بتحويل مسار نص أو تفسيره بما يتناسب وتوجهاتهم وسياساتهم، ومن أوضح مصاديق هذا التعريف قصة الاسراء والمعراج والمسجد الأقصى، فمن البديهي عند المسلمين أن الإسراء حصل بانتقال النبي بدنياً من مكة الى فلسطين حيث المسجد الأقصى، ومن هناك انتقل الى السماء ليرى من آيات ربه الكبرى التي أشار لها القرآن العظيم، ولكن النص الشيعي عن أهل البيت يرفض بشكل قاطع هذه الأسطورة، ولنعرف أصل الحكاية وكيف تم تحريف التفسير لهذا الحدث، نعرف جميعاً أن سورة الإسراء نزلت في الطور المكي قبل الهجرة، ونعلم بالضرورة أيضاً أنه لم يكن هناك مسجد آخر غير المسجد الحرام على وجه الأرض، وفي تلك الفترة كانت فلسطين تقع تحت وطأة الاحتلال البيزنطي، ولم يكن هناك أي مسجد لا أقصى ولا غيره، وعندما وصلت السلطة الى عمر بن الخطاب وتحت تأثير مباشر من كعب الأحبار اليهودي بعد فتح الشام، حيث قام كعب بتفسيره الخاص الذي مهد الطريق لإسرائيل الحالية منذ ذلك الوقت، دخل عمر بن الخطاب الى الشام وتحديداً الى مدينة (إيلياء) وهي التسمية التي كانت تطلق على (القدس) الحالية عند الفتح الإسلامي وما قبله ولم تسم يوماً بالقدس، و(إيلياء Iliya) تسمية مأخوذة من اسمها الروماني “كولونيا آيليا كابيتولينا”، وكان بصحبة الخليفة كعب الأحبار الذي أقنع الخليفة أن بيت المقدس هي هذه المدينة وأن المسجد الأقصى هو هيكل سليمان المفقود، وكما يروي الطبري فإن الخليفة استعان بكعب لمعرفة موقع المسجد حتى وصلوا الى كناسة على موقع مرتفع (والكناسة عبارة عن مزبلة أي مايلقي فيها الناس كناستهم التي يكنسونها)، فقال له هذا هو الموضع، فتم بناء مسجد صغير من القصب، وتطور الأمر في زمن معاوية الذي بدأ باطلاق لقب (الأرض المقدسة) على الشام، ولكن الطريف أن ما يعرف اليوم بالمسجد الأقصى لم يبن إلا في عصر الوليد بن عبد الملك أي بعد نزول السورة بحوالي مائة عام، وبدأت قصة قدسية الشام تأخذ بعدها في عصر عبد الملك بن مروان، حيث نعرف أن مكة كانت لزمن تحت سيطرة عبد الله بن الزبير، وكان المسلمون كالمعتاد يحجون من مختلف أنحاء البلدان الى مكة مما يجعلهم تحت تأثير ابن الزبير مما قد يؤثر على سلطة عبد الملك، فبدأت الماكنة الاعلامية الأموية بوضع أحاديث كثيرة عن فضل الشام وأن من يحج الى المقدس كمن حج الى بيت الله في مكة، واستمر الحال الى ماهو عليه الآن ولكن أئمة أهل البيت رفضوا بشكل تام هذه القدسية، وكان تفسيرهم الصحيح هو الواقعي المطابق للنص القرآني، فعندما نقرأ الآيات الخاصة بالاسراء نقرأ ما يلي {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} الإسراء 1. نرى أن الإسراء حصل من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى حيث أراه الله تعالى من الآيات، أي أن الآيات كانت عند المسجد الأقصى، ومن الواضح أن الموقع الذي نعرفه اليوم لم تكن حوله آيات بل مزبلة حسب الواضح من الطبري وغيره، أما تفسير أهل البيت أن الإسراء برمته كان عبارة عن رؤيا وأن الرحلة التي يتحدث عنها القرآن روحية وليست بدنية، وأن المسجد الأقصى هو موضع معنوي في السماء المعنوية وليس المادية، وتوجد في القرآن أكثر من إشارة الى ذلك منها قوله تعالى {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} النجم 8 ـ 9، ولا يحتمل بحال أن يكون هذا الدنو مادياً وإنما معنوياً من دون شك، لتنزيه الله تعالى عن المكان، وسوف نأتي على كافة نصوص أئمة أهل البيت بهذا الخصوص في حينه بإذن الله تعالى. أما سبب انحصار تفسير الأئمة بالشيعة فهو كما قلنا القمع الذي تعرضت له الشيعة ولا زالت تتعرض له حتى هذا اليوم حيث نراهم يقتلون يومياً من باكستان الى العراق من دون سبب سوى كونهم من الشيعة، ولم يقتصر القمع على القتل بل ارتفع ليشمل القمع الفكري ومنع مصادر الشيعة أن تكون بين أيدي المسلمين كما يحصل في معظم البلدان العربية ومنها مصر (مع شديد الأسف)، ونرى الأصوات لا زالت حتى هذه الساعة تنادى بحضر التشيع وإيقاف المد الشيعي، خاصة من أذيال آل سعود في مصر المتمثل بحزب النور السلفي والجبهة السلفية، وتدل هذه الخشية على أن هناك فكراً تخاف منه السلفية ولو كانوا منصفين لواجهوا الفكرة بالفكرة والكتاب بالكتاب، ومن هنا نشأ جهل أفراد المجتمع المسلم بنصوص أهل البيت وعلومهم، أما التشيع فهو من القوة بحيث نرى أن كتب السنة تملأ مكتبات بلدان الشيعة ولا يخلو بيت من بيوت الشيعة من كتب السنة، مع ذلك لا يخافون من التحول الفكري، ومن ضرورات التاريخ نعلم أن الدول الشيعية عبر التاريخ لم تكن تقمع الآخر فكرياً ومن أوضح الأمثلة الدولتان الفاطمية والبويهية اللتان أسستا أكبر مكتبات العالم الإسلامي في التاريخ، ولم تكن كتب السنة أقل من كتب الشيعة في هذه المكتبات، وكانوا متسامحين منفتحين من ناحية حرية العقيدة ولا ينكر ذلك حتى أكبر المتعصبين من مؤلفي ومؤرخي السنة، وهذا لا يعني أن الدولتين خاليتان من النقائص والأخطاء أو أن ملوكها كانوا النموذج الاوفى، إلا أنهما من دون شك أفضل بكثير من غيرهما، ولكن الغريب أن الدول السنية أول عمل تقوم به هو قمع الشيعة وقتلهم وإحراق المكتبات العظيمة التي بذلوا عشرات الأعوام من الأموال والجهود لنسخ هذه الكتب وإتاحتها للقارئ العربي وغيره، ولا زال الأمر على ما هو عليه في الأقطار العربية و لا نجد غير التعريض بالشيعة ووصهم بالكفر، ووصل الأمر الى سفك دمائهم ظلماً وعدواناً، ولم تكن مجزرة أبو النمرس في مصر أول مذبحة تحصل للشيعة ((وحدث في عام 353 هـ / 963 م أن أُخذ رجل من كبار الشيعة فعذب وضرب ضرباً مبرحاً حتى مات تحت وطأة العذاب في السجن، وحمل ليلاً ودفن لئلا يشعر به العامة. فمضى جمع من الناس السنيين لينبشوا قبره، وأرسلت الحكومة المصرية طائفة من الجند لتمنعهم من ذلك. المصدر : المقريزي، الخطط، 4 : 156)). ويروي المقريزي في نفس الجزء فظائع الاعتداءات ضد الشيعة التي من دون شك كانت بتحريض من علماء السوء المتعصبين الذين وقفوا عاجزين من مواجهة الفكر بالفكر فلجأوا الى سلاح التكفير بالتالي القتل على يد الغوغاء.
لا أريد الإطالة في إحصاء المذابح التي حصلت للشيعة التي قال عنها المفكر الكبير (محمد أركون) : لقد تعامل التاريخ السني مع المذابح التي حصلت ضد الشيعة بصمت.
ولكن اليوم ليس كالأمس، وأنا أرى الشباب المسلم لا يقتنع بالفتوى كما بالأمس، والذي دفعني الى مشاطرة القراء هو مئات الأسئلة التي وصلت الى الشبكة عن بعض المفاهيم التي تلوتها في بعض المقالات، وآن الأوان لنصرف النظر عن المواضيع السياسية لنتجه الى القضايا الفكرية والإشكالات التي ترد على القرآن والإسلام والتاريخ، كما في المنظومة الفكرية لأئمة أهل البيت حيث تعجز الفتوى اليوم عن الوقوف بوجه الأسئلة العميقة للشباب المتنور المفكر، وحيث نرى علائم التقدم وتطوير الفكر الإسلامي، وألتقيكم في المقال اللاحق مع مفاجئات أخرى عن أئمة أهل البيت لم تخطر على بال أحدكم والسلام عليكم.

أحدث المقالات