الغيتو المَعزِل يُطلق إشارة إلى منطقة يعيش فيها مجموعة من السكان يُصنفون من قبل مواطنيهم حسب خلفية انتمائهم لعرقية معينة أو لثقافة أو لدين معين ، كما درج إطلاقه على وصف الأحياء الفقيرة الموجودة في المناطق المدنية الحديثة، حسب الموسوعة الحرة .
أفكارنا السطحية ، وسائلنا القديمة ، أساليبنا الفجة ، إداراتنا النزقة، حواراتنا المتشنجة ، فعالياتنا الإجتماعية التي ترفض العصرنة وتشدنا بقوة إلى العيش في الماضي السحيق، كلها غيتوات معاصرة ، مغلقة بوجه محاولات التحديث، نتشبت بالعيش داخل جدرانها العالية ، نتغنى بتاريخها ، نُورثها لأجيالنا بحروفية جامدة .
طول الإقامة في غياهب الغيتو أصابنا بوهم احتكار الحقيقة ، أفكارنا كتبنا عليها ممنوع اللمس، نحرص على حمايتها من القلق المعرفي والتساؤل المفضي إلى المراجعة ، نُصر على عدم تحّديث أفكارنا ، نستميت بالدفاع عنها حتى لو اضطررنا لإحياء الأموات لنقاتل بهم الأحياء ، فانتكسنا إلى بدائية بغيضة صحرت تمدننا ، أصبحنا نفتخر بالإنتماء إلى أحد الفسطاطين المتنازعين على التاريخ لإستخراج حقائق تؤخذ بها الحقوق في عصرنا الذي رسخت فيه مفاهيم التعددية وتطورت آليات الإدارة الحديثة.
ندور في فلك جاذبية الغيتو ، نحمل مخرجاته حيثما ذهبنا ، تعاليمه المغلقة شكلت ذاكرتنا المشوشة ، فأصبنا بالحول العقلي والتورم الإجتماعي والتصحر الفكري ، فأضحت حياتنا جحيما لايطاق داخل خرائب الغتيوات المتصارعة.
لم نتقن صناعة العقول لذا نخفق في تبني رؤية حضارية تُجسر بين قيمنا وعصرنا، فأصبنا بالعوق الإداري الذي ضيّع علينا فرص العمل بروح الفريق والتعامل الحضاري مع التنوع الفكري والإجتماعي كأحد مصادر الثراء الذي لايحتاج سوى اتقان ادارته .
الخروج الآمن من أسر الغيتو يتطلب حفرا في بنية التخلف ، وتغييرا في مداخل الوعي ،واطلاقا للأفكار لتجول في آفاق المعرفة من أجل تشكيل بنية تحتية عقلية عراقية تناسب العصر، وهذا لن يتم إلا بتعليم فعّال نشط تشاركي، يُلهم المتلقين مهارات التفكير الموضوعي وملكة النقد ، لتأسيس مناعة ضد دوامات الصراع المفضي إلى العدم بكل أنواعه .
من عالم الأفكار نحصل على المصل الواقي ضد وباء العيش في الماضي ، ونتأهل للإنفتاح على عالم الإنسانية الرحيب ، مجتازين بسلاسة الحساسيات المكتسبة من الغيتوات المغلقة.
إن تحديث قناعاتنا الفكرية قضية بالغة الخطورة ، وليس ترفا يقبل التأجيل ، وإلا سنظل ندور في متاهة مرعبة مرددين ببلاهة ماحفظناه في طفولتنا الفكرية أمام التحولات الحضارية الكبرى. .
الغيتو ليس قدرا، بإمكاننا التغلب على أوهامه التي سرعان ماتتلاشى عبر حيازتنا الخمائر المعرفية المتنوعة التي يعني امتلاكها أولى علامات النقاهة الفكرية من رواسب الغيتوات .
الحياة خارج أسوار الغيتو مترعة بالأمل ، يظللها التفاؤل بغد أجمل ، تستند إلى قناعات راسخة بجدوى تفعيل ثقافة الجسور ،وابتكار المواقف السلمية البناءة.
أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني.
لن نشعر بعظمة الحياة حتى نجتاز أسوار الغيتو بكل أنواعه ، حين نمتلك المؤهلات الفكرية والمعرفية والنفسية والأدوات الإدارية سنغادر إلى ظلال المؤسسات التي تقينا عشوائية الأماكن المغلقة ، نجتاز الأسوار المنيعة للغتيوات المعاصرة وننظر بعين الإشفاق على من لايزالون أسرى أغلالها الثقيلة ، تتسلى بهم الفضائيات في أخبارها المسائية ، وتند عن عقلائنا آهات الأسف على الفجائع التي ترتكب بإسم مختلف الأوهام .