23 ديسمبر، 2024 4:08 ص

خاتمة الخاتم.. قصة قصيرة

خاتمة الخاتم.. قصة قصيرة

بابُ البيت ينفتحُ يكشف عن وجهِ شابة جميلة بالزي الرسمي لجامعات البصرة، في الباب المجاور رجل كبير السن يجلس على كرسيه متأملا حيوية الصباح في وجوه المارة.. وأحيانا تأخذه ذاكرتهُ بعيداً.. كما ألبوم صور تنفتح قبالة عينيه احداث أيام خلت.. تتنقل عيناه بين صفحات تحتوي صورا ملونة ً للمصوغات التي كان ماهراً في تصنيعها.

الشابة تهمسه بتحية الصباح.. يرد التحية ويضيف: لا تذهبي بهذا الاتجاه، غيري الطريق لتتغير حياتك، أسلكي هذا الدرب وهو يشير إلى طريق ترابي يؤدي إلى الشارع العام. وقفت برهة تتأمل الطريقين وكلام الجار الذي كان يعمل لدى صائغ ذهب، وقد تعلم منه صياغة الحلي  والكثير من المعارف الغيبية الروحانية.  ثم أنها ستذهب دون رفقة صديقتها التي تزوجت منذ يومين.. ابتسمت لجارها وهي تجيب نعم.. ذهبت حيث أشار.. وهي تسير رأت شيئا يعكس بريقا نحيلا من ضياء شمس الصباح، وقفت تتأمل البريق انحنت التقطت.. نظرت إليه مستغربة: إنه خاتم خطوبة.. ويحمل اسمي، يا إلهي، كيف حصل هذا! وضعت بإصبعها الخاتم واستأنفت المسير حتى الشارع العام حيث وقفت سيارة أجرة.. جلست وضعت على حضنها الكتب وحقيبتها الصغيرة، وراحت تتأمل أصابع يدها كانت الأصابع ترفة ناعمة بطول متناسق وأظافر مرتبة ولهذا الخاتم وهج أخّاذ في بنصر اليد اليمنى.. بأصابع اليد اليسرى حركت الخاتم مرات عدة ثم نزعته عن الأصبع وأخذت تتأمل نقش اسمها في الخاتم والزخرفة الجميلة على ظاهره.. سمعت صوت المرأة التي تجلس جنبها: أنه خاتم جميل ولكن يبدو أنك غير مقتنعة بهذه الخطوبة أو أنك على خلاف مع خطيبك. وأردفت مبتسمة: ذلك ما يقوله علماء لغة الجسد.. دون تعقيب بادلتها الابتسامة وهي تحاول اعادة الخاتم الى أصبعها غير أن المرأة طلبت أن ترى الخاتم.. قدمته لها.. المرأة وهي تتأمل الخاتم اختفت ابتسامتها وخيم الحزن على ملامح وجهها وهي تقول: تحبينه؟ هزت رأسها.. كما لو أنها تقول لا أدري. وهو يحبك؟ كررت بالحيرة هزة رأسها. بتنهيدة

قالت المرأة: أتعلمين، نحن لا نفهم ما الحب ولاهم يفهمون.. وبذلك جميعنا لسنا أهلاً للحب، يا ليتنا كنا أهلاً للتفكر والتدبر.. الحب تلك المشاعر الطيبة المعقدة لو أعدنا تجربته ألف مرة لشعرناه  في كل مرة على نحو آخر.. ولظل الحب بكرا يتأملنا عن بعد، ربما يستغرب مشاعرنا التي ننسبها له.. اعادت لها الخاتم وهي تضيف: ربما أنت الأن تستغربين كلامي.. وتتهمينني بالتشاؤم، سأقص عليك حكايةً تكون الباب الذي يخرجك من متاهة ما قلته.. عشت الحب واكتملت مسراته بالخطوبة والتخطيط لحياتنا الزوجية التي وهبتها الأحلام ما ينافس الجنان جمالا وسعادة.. وفي يوم اخبرني.. سيغادر البلد لسبب سياسي.. وأنا ! تساءلتُ مختنقةٌ بعبرتي، أجاب: لا أستطيع أن اقول لك انتظريني لأنني لا أعرف ما ينتظرني من مصير. كنا وقتها نسير في طريق ترابي.. عائدين من زيارة صديق له كان قد اخبرني بأن والد صديقه هو الذي صاغ لنا خاتميّ الخطوبة ونقش عليهما اسماءنا.. كما أنه اخبرني بأنه اتفق مع صديقه على الهجرة وتم ترتيب كل شيء، كنتُ بين ناريّ الغضب والحزن لا أعرف ماذا افعل كنت وقتها صغيرة بعمرك تقريبا، فكل الذي قدرت عليه هو نزع خاتم الخطوبة ورميه بوجهه، وركضتُ نحو الشارع أخذتُ تكسي وعدتُ لبيتي باكية.. ربما تلك لقطة من أفلام تأثرتُ بها.  وكما لو أنها تطرد غيمة الحزن استنشقت بعمق والتفتت إليها مبتسمة وهي تقول: أنا أيضا اسمي سوسن وخاتم خطوبتك يشبه كثيرا خاتم خطوبتي إلا أنه ضيق على اصبعي.