23 ديسمبر، 2024 7:05 ص

حِفظُ الْقُرْآن بَيْنَ الإعّْجازِ والإّنكارِ …الرَّدُ الُّمّفِحمُ عَلَى دّعّاوي الُمّنكِرينَ – 1

حِفظُ الْقُرْآن بَيْنَ الإعّْجازِ والإّنكارِ …الرَّدُ الُّمّفِحمُ عَلَى دّعّاوي الُمّنكِرينَ – 1

يقولُ اللهُ تعالى في مُحكمِ كِتابهِ الكَريمِ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9 أي إِنَّ اللهِ تعالى حَفِظَ الْقُرْآنِ الكريم هذا بفعلهِ وبتدبيرهِ وَسخر الوسائلَ لحِفظهِ من قبل 14 قرناً , ورغم هذا فإِنَّ بَعّضّاً مِّن المُلحِدين والنصارى بدأوا يُشككون بتلك المُعجِزة كَعادتِهِم يُريدون أن يُكثِروا مِّن طَّنينِ الذُبابِ على مَسامِعِ الأسدِ ولكن المُسلمينَ اليوم للأسف مُعظمِهم يؤمنون إيماناً تقليدياً  بأن الْقُرْآن محفوظٌ من قبل الله تعالى لا مِّن قبل سواه ولكنهم يَجّهلونَ الوسائلَ الإلهيةَ في حِفظِ الْقُرْآن الكريم وبالتالي قّدْ يّنحرِجونَ عِندَ مُناقشةِ أحدِ هؤلاء , والحقيقةُ إني ناقّشت بَعْضَ المُعترضين والمُعاندين للإسلامِ في كيفية حِفظُ الْقُرْآن ووسائل الحفظ فتبينتُ إِنَّ هؤلاء المُشكِّكِين يجهلون التأريخ الاسلامي وكُلُ من كتب بهِ حتى مِن أسلافِهمِ المُستشرقين الذين بدأت أترحمُ عليهم لأنهُم بالرغم مِما كتبوا مِن أمورٍ ضِدَ الإسلام إلا إِنَّ فيهم َمسحةٌ من العِلمِ والحياديةِ أجبرتْ الكثيرَ مِنهُمْ على عدمِ التشكيكِ بالْقُرْآنِ الكريمِ ألبتة ولعلَ ما جاء بهِ المُستشرِق نولدكه والسير وليام مور ألد أَعداءِ الإسلام مِن المُستشرَقينِ في إثباتِ أن الْقُرْآنِ الكريم هو هو كما أُنزلَ على النَّبي الأكرم خيرُ دليلٍ وردٍ على هؤلاءِ المُتنَطعين الذينَ يَعتبَرونَ نولدكه ومور مِن أَكابِرِ العُلماءِ والمرجِعِ العِلمي الكَبيرِ لَهُم الَّذِي  لا يأتيهِ الباطِلَ مِن بين يَديهِ ولا من خَلفِهِ ولكنَهُمْ للأسف يتغابون ويتعامون عَّما قالهُ هاذانِ الرجُلانِ بِحقِ الْقُرْآنِ الكَريمِ , يَقولُ السير وليام مور في (كتابِ حياةُ مُحَمَّدٍ – ص 562)
( أي مِنَ المُمكنِ جداً أن يَكُونَ الْقُرْآنُ مِنَ إختراعِ مُحَمَّدٍ ورُبما أحدَثَ فيهِ تَغيّيراً وتعديلاً , إلا إنه مِما لا شَكَ فيهِ أَنَّ هذا الْقُرْآنُ الَّذِي بين أيدينا هو نفسه الَّذِي  أتانا به مُحَمَّدٍ , أي أننا نَستطيعُ أَنَّ نَجزِمْ بِناءً على قياساتٍ قويةٍ بأَنَّ كُل آيةٍ مِنَ آياتِ القرآن الَّذِي  بين إيدينا هِيَ أصلية غير مُحّرّفَةٍ بل أَنَّها هِيَ هِيَ كَما أوردها مُحَمَّدٌ , ويُضيفُ قائَلاً لنا أُؤكِدُ اليومَ أَنَّ القُرآن المُتداولُ اليومَ هوَ بكُلِ يقينِ نفسُ ما إخترِعَهُ مُحَمَّدٌ مِثلّما يُؤكدُ المُسلمونُ أَنَّهُ كلامُ اللهِ يقيناً لُمْ يَتعرضْ لا لتحريفٍ أو تبديلٍ ) , ويقولُ نولدكه  )مِنَ المُمكنِ أَنَّ يتضمنَ القُرآن أخطاءٍ إملائيةٍ بسيطةٍ ولكن أَنَّ  فَحوى القُرآن الَّذِي  قَدّمَهُ عُثمانُ للِعالِمِ هو نَفَسهُ ما عَرضَهُ مُحَمَّدٌ وإن كانَ ترتيبهُ يَبّدو غريباً جداً في بعضِ الأحيانِ , لَقدْ فَشلَتْ مُحاولاتِ العُلماءِ الأوربيين في إثباتِ أي تَحريفٍ في القُرآن فيما بَعدُ (الموسوعة البريطانية , القران(

أَنَّ مُصيبتنا اليومَ في الثُقافةِ الَعربيةِ ومِنَ يّدعي الثقافة أَنَّها أُبتليت بالسطحيين والمتميعين وعدمِ إحقاقِ الحقِ وقولهُ ولو كانَ على غير ما نعتقدْ عكسِ المُستشرقينِ الَّذِي  نَرى في كتاباتِهم بَعْضَ الخيرِ والإنصافِ لأنهُمْ كانوا أُناساً يحترمونَ عقولهمْ والحقيقة بمقدار معين مِما جَعلني أرفعْ القُبعةَ لهُم كثيراً عَكس مُثقفينا اليومَ مِنَ المُعارضين للإسلامِ  .
أقولُ بِحمدِ اللهِ تعالى  أَنَّ اللهَ تعالى قَالَ في بِدايةِ سُورةِ الحَجرِ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9 وهَذهِ الآيةُ فيها مِنَ التأكيداتِ اللُغويةِ في الإنزالِ والذِكرِ ما تَسترعيْ الإنتباه والتوقفُ عنِدها فاللهُ تعالى قَالَ( إنا)  وأتَبعها بـ (نحن)  وبعدها قَالَ لِلتأكيدِ (إنا)  فَضّلاً عَنْ لامِ التوكيدِ ولوْ لاحظتَ أَنَّ كُلَ تَلكَ الضماِئرِ تَعّودُ إِلَى الذاتِ الإلهية ولا فَضلَ لإحدٍ في حِفظِ الذِكرِ سوى للهِ تَعالى وهو صاحِبُ الوسائِلِ والأساليبِ في حِفظِ القُرآنِ الكَريمِ والتي سَنعّمدُ على بيانِها في هَذا المقالِ ولكنْ قبل أَنَّ نَبدأ في هَذا فلا بُدَ مِنَ الوقوفِ على الزمنِ الَّذِي  نَّزلتْ بِهِ هذهِ السُورةُ الكريمة سُورةُ الحجر والتي زّيَنَتها تِلكَ الآيةُ العظيمةُ التي تُّثبِتْ الوعدُ الإلهي بِحفظِ القُرآنِ الكَريمِ , أَنَّ الدلائِلَ التاريخيةَ تُثّبِتْ بما لا يَقبلُ الشَّكِ أَنَّ تِلكْ السُورةُ مِنْ سور الفترةِ المكيةِ وهذا ما أشارَ إليهِ المُستشرقونَ أنفُسّهُم ولكن الخِلافَ بينهم في أنها نَّزلَت في أواسطِ الفترةِ المكيةِ أم نهايتِها ولكننا نُقولُ أنها سواءً كانت نَّزّلَت في أواسطِ الفترةِ المكيةِ أو في نهاياتها فلا يُّغيرُ هذا مِنَ الأمرِ شيء ففي نهايات الفترةِ المكيةِ وأواسِطها كانَ الُمسلمونَ يَّعيشونَ في أوقاتٍ عصيبةٍ جداً وإن الإسلامَ كانَ يُّحيقُ به خطرٌ داهِمٌ مُتّمثلٌ بتهديدِ حياةِ المُسلمينَ وعلى رأسِهم حياةُ النبي مُحَمَّدٍ عليهِ الصلاةُ والسلام فقد حُوصروا في شعابِ مَكَّةَ وماتَ مِنهُمْ مِنَ الجوعِ مَنْ ماتَ وتعرضَ النبي مُحَمَّدٍ عليهِ الصَّلاة والسلام نَفسه لأشدِ أنواعُ التعذيبِ والمضايقة ودُّبِرتْ لهُ مُحاولةُ إغتيالِ مُّحكّمةٍ نفِذَ مِنها بمُعجزةٍ إلهيةِ كبيرةِ ولكن قَدْ يَسألْ سائلٌ وما عِلاقةُ هذا بِذاكَ ؟ إِنَّ العِلاقةَ بينهما كبيرةُ جداً إن المضايقاتَ والتعذيبَ الَّذِي  تَّعرضَ إليهِ النبي مُحَمَّدٍ كانَ مِنَ الُممكنِ إِنَّها لو نالتْ مِنَ أحدٍ غيرهِ لأصابهُ الوهنُ وتراجعَ عن دعواهُ أو لربما نالَ مِنَه أعداؤُهُ وقَتلوه وإن قَتلهُ أو تراجعهُ عنْ دعواهُ يعني إنقضاءَ وحيُ القُرآنِ الكريمِ , فالقُرآن الكريم كانَ مُّنزلاً على قلبِ مُحَمَّدٍ ولا شيء غيرهُ فقالَ اللهُ تعالى في كِتابهِ الكريمِ  {قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ }البقرة97 وقالَ أيضاً في سورةِ الشعراءِ  }نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ{193} عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ{194} أي إِنَّ المحطةَ الأرضيةُ الوحيدة لنِزولِ القُرآنِ الكريمِ هي قلبُ مُحَمَّدٍ العظيم ولا شيء غيره فلو غاب مُحَمَّدٌ لقتلٍ أو إستشهادٍ أو لتراجعٍ بسببِ هّول المهمةِ وصعوبتها لأنقضى القُرآن ولم يكتملْ نزولهُ ولغابَ معنى تِلك الآية التي تّوعدت بِحفظهِ ولكِنْ هذا النبي العظيم تجاوزَ كل تلكَ الظروفِ ونَّجى مِنَ الموتِ في الفترةِ المكيةِ وما تراجعَ مِنَ جراءِ التضييقِ والتعذيبِ والمطاردةِ التي كانت تُلاحِقهُ مِنَ جانبِ المُشركين وبعدها هاجر إِلَى المدينةِ وخاضَ الحروبَ فيها والغزوات ضِدَّ المشركينَ واليهود وحُّوصِرَ في أُّحِد وكانَ قاب قوسين أو أدنى مِنَ الموتِ حتى قالَ اللهُ فيه وفي حالِ المُسلمينَ في ذلكَ اليومَ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ }آل عمران144 ولكنْ اللهَ تعالى حافظَ عليهِ وأّنجاهُ مِنَ القتلِ في أُّحد وفي حُنّين أيضا لما إنحازَ المُسلمونَ إِلَى الدُنيا وتّركوهُ وحيداً في ساحةِ المعركةِ بلْ وتَّعرضَ لإكثرِ مِنَ محاولةِ إغتيالٍ دّبّرتهُ لهُ إحدى النساءِ اليهوديات (زينب بنت الحارث ) التي دّستْ لهُ السمَ في الطعامِ كذلكَ محاولةُ الإغتيالِ التي دّبَرها عامل كسرى على اليمنِ بتوجيهٍ مِنَ كسرى وغيرها مِنَ المحاولاتِ كلها أُحبِطتْ ليسَ مِنَ خلال الصدفة إنما بوعدٍ إلهيٍ آخر بحفظ النبي فقدْ قالَ اللهُ تعالى في كتابهِ الكريمِ {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }المائدة67 ولاحظوا جيداً إن هذه الآية تتناغمُ مع آية حِفظ القُرآن الواردة في سورةِ الحجر لإن عصمةَ النبي مِنَ الناس كانت مِنَ أجل التبليغ ورسول الله كما أسلفنا كانَ المحطةُ الأرضية لهبوطِ القُرآن الكريم {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }الحشر21 ولّمْ يّرتقّْ مُحَمَّدٌ إِلَى الرفيقِ الأعلى إلا بعدَ أن إكتمل نُزولُ القُرآن الكريم ولَمْ يَّستطِعْ أّي مُلحدِ أو مُشرِكٍ أو مُعاندِ أن يقولَ إن هناك نقصاً في القُرآنِ الكريمِ أو إن هناك سورةٌ لم تكتملْ آياتها بعد لأنَّ الموتَ قد خطفَ النبي مُحَمَّدٍ بل بالعكس نَّزلَتْ آيةٌ في آخرِ عهدِ النبي خَّتمَّتَ الآيات التشريعية وبعضهُمْ يقولُ إنها خَّتَّمت آيات القُرآنِ كُلّها فًقدْ قالَ اللهُ تعالى }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة3 بل وإنَّ النبي نَّفسهُ أَّخّبَّرَ بقُربِ رَحيلهِ إِلَى الملأ الأعّلى فعنِدما نّزَّلَتْ سورةُ النصرِ قالَ (نُّعيّتْ إّلي نّفَّسِي) وقالَ أيضاً في حِجةِ الوداعِ لأصحابهِ وهو يُّعلِمّهٌمْ مناسِكَ الحجِ ما رواه الترمذي ( لّعّليّ لا أراّكُمْ بَّعّدَ عاميَّ هذا)  بل إن الّنبي عَّليهِ الصلاةِ والسلامِ عَّلِمَّ بِقُّربِ دِّنوِ أجلهِ مِنَ خِلالِ مُراجعةِ جِبْرِيلَ للقُرآن الكريم مَعَهُ فقالَ في الحديثِ الَّذِي  أّورّدهُ البخاري في صحيحهِ في بابِ كَانَ جِبْرِيلُ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى النَّبِىِّ  . ( 7 ) وَقَالَ مَسْرُوقٌ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ فَاطِمَةَ – عَلَيْهَا السَّلاَمُ – أَسَرَّ إِلَىَّ النَّبِىُّ عليه الصلاة والسلام  « أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِى بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ ، وَإِنَّهُ عَارَضَنِى الْعَامَ مَرَّتَيْنِ ، وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ حَضَرَ أَجَلِى »: فقد كانَ الَّنبيَّ عليهِ الصَّلاةِ والسَّلامِ يَّعرفُ إنَّ حياتَهِ كانت مُّرتبطةٌ بوحّي القُرآن الكريمِ ولّْمّْا إكّتَمّلَّ نُّزولُ القُرآنَ الكريمَ ومُّراجَّعةِ جِبْرِيلَ لّْهُّ مّرّتينِ كّاَنتْ له إشارةَ واضحةً على دنو أَّجلهِ وبذلكَ تّكّونَ أّولى وسائل الحِفظِ الإلهية للقُرآن الكريم قد أثبتت صّدِّقها ومِصّدّاقيّتّها وقَّدْ حُفِظ القُرآن الكريم بِحفظِ حياةِ مُحَمَّدٍ بّلْ إن مُحَمَّدً  قَّدْ رّحَّلَ بعد أَّنَّ إّكّتَّمَّلَّ نِّزولُّ القُرآنَ الكريم أّيْ بّعدَّ إنّتِهاءِ مُّهمَّتّهِ فبأيْ حَّديّثٍ يا مُشّكِكين بعْد هذا تُؤّمنون ؟؟!!