18 ديسمبر، 2024 11:26 م

أسهل مهنة ٍفي هذا العصر أن يكونَ المرءُ ابنا لملك أو حفيداً لشيخ أو أمير ، مصادفة سحرية ووظيفة جاهزة بلامؤهلات ، تبدأ دنياك وتُنهيها دونَ أنْ تفهمَ من الحياة سوى أنك فوق الناس وأرقى من جنسهم لا تعرف لماذا انت بالذات جئت سيدا عليهم؟ ، ولماذا لاينطبق ما ينطبق عليك على أبناء وأحفاد أشخاص خالدين في التاريخ الانساني ، مصلحين وعلماء و حكماء وواضعي دساتير ومنتجي معرفة ورواد في التطور التقني والانساني ؟ .

لماذا لانجد وريثا لمخترع العجلة والمصباح والبنسلين والمايكروسوفت والآي فون ، لغاندي او اونيلسون مانديلا او سقراط ،؟ لماذا تجد وريثا للعرش من ظهر جورج السادس اوابنته ملكة بريطانيا او هنري الثاني او الحسن الثاني أو آل ثاني .. ولن نجد مثل ذلك لتشرشل الذي نصر بريطانيا في الحرب ورتب امورها في السلام ، او لاتاتورك الذي اسس تركيا الحديثة وانقذها من دولة الخرافة ، لماذا ؟ لماذا يَحكمُ شعوبَ العالم ملوكٌ يحتكرون السلطة ويورّثونها لابنائهم واحفادهم الى مدى الدهر ؟، مالذي يجعل مواليدَ جدداً وهم في الحضّانات ملوكا على رؤوس البشر يرثون الأرضَ وما عليها ؟،بالامس يقطع اباؤهم الطرق والرؤوس ويحرقون القرى ودور العبادة واليوم تقام لهم ولاحفادهم الطقوس والاحتفالات وهم يبحرون في الرخاء الاسطوري الى ابعد الحدود ، تَبذلُ الشعوبُ الاموالَ الطائلة َعلى حراستهم وملذاتهم ومناسباتهم الشخصية ، ملك أو ملكة وجوقات لاحصر لها من الأمراء وأولياء العهود تحولوا الى علامات تجارية لاتخصصات لهم سوى أن الفلاحين والعلماء والعمال والنحاتين والفلاسفة والقضاة وصناع السيوف والسفن والخبازين والخياطين ، يلوذون ببعضهم من تعذيبٍ أو شنقٍ أو رميٍ من الجبال من قبل اجدادهم.

ظاهرة تمجيد ابناء المتوحشين الذين روضوا الجبال والبحار بالدم والحروب والقسوة المفرطة ، الذين اذلوا الرقاب واخضعوا البلدان الى قبضاتهم ، اولئك الذين اعتبروا كل من لايخاف مخيفا فملأوا قلوب رعاياهم رعباً ، وبعد أن انتهى زمن القياصرة واغتصاب النساء وفقء العيون وسلخ العبيد، وبعد أن أجهزت جهود العقل والثورات ونظريات الادارة والحكم المدني وتداول السلطة على زمن الاستيلاء والتملك المطلق فيما ظل ويظل احفادهم دون حق رموزا تاريخية للشعوب ،انما هي جناية من جنايات الزمن والعقل والوجود ورضوخه الى آثار الغابة واعتباره بقايا الحروب والمذابح ذاكرة جماعية ورموزا شعبية وفلكلورا. . والأعجب في الامر حين تجد ذلك مقبولا عند دعاة التحولات الديمقراطية وسلطة الشعب او دعاة الدين ممن يعتبرون التوريث السياسي والتوريث الديني خطيئة وضد الطبيعة الانسانية والنظم السياسية والرغبة الالهية التي جعلت الانبياء بلا أبناء كي لايرثوهم.

لاعدل اطلاقا إذاً في تمجيد الأباطرة الطغاة القدامى وتمليكهم مالايملكون الى الابد ،والخضوع لسلطة مايأتي من ذريتهم، ننصّبهم آلهة علينا قبل أن يولدوا، بل ننصب حيامنهم ملوكا على رؤوسنا ليبقى أحفاد احفادنا عبيدا لاحفاد احفادهم دون حق او منطق مطلقا ، لاعدل ولاحكمة في ذلك سوى : ان الفقراء والمعذبين في الارض- خلافاً للسلاطين – وهم يُغادرونَ هذا العالمَ إذ يغادرونَه، يغادرونَ حياة ًغيرَ مأسوفٍ عليها.*