-1-
هناك مَنْ يستهويهم حُبَّ الظهور والبروز على المسرح الاجتماعي ، ويحاولون – وبكل وسيلة – الوصول لغايتهم …
إنَّ النابهين وذوي الفضل والبراعة في حقل من الحقول ، لايصعب عليهم ان يكونوا محطّ اهتمامِ الناس ومعقدَ آمالهم ، ومورد أحاديثهم الايجابية ، وبالتالي فهُم غالباً ما يتحقق لهم البروز على الصعيد العام .
صحيح ان هناك من يحاول التعتيم على أخبارهم ، وحجبها عن الناس من باب الحسد ، والخشية على نفسه منهم ، ولكنّ الصحيح أيضاً ان الشمس لاتحجب بالغربال … وبالتالي فانهم يتلألأون كالانجم الساطعة في الآفاق .
-2-
ان المشكلة لاتكمن في الموهوبين المتميزين ، وانما تكن في ( زمرة ) من الوصوليين ممن تداعبه أطياف ” التألق ” وهو لايملك من موجباتِهِ شيئاً…
-3-
كنا كثيراً ما نجتمع – أيام معارضتنا الساخنة للدكتاتورية البائدة – لنبحث ونتداول الآراء بشأن أهم التحديات والمستجدات …
وكنتُ أراقب بدقة ما تُسفر عنه تلك اللقاءات من طروحات وآراء، تدّل على ما يتمتع بها أصحابها من مواهب وقدرات، لافي المجال السياسي وحده بل في شتى المجالات .
وكان ( بعضهم ) يكتفي بالاصغاء والاستماع لما يُطرح ، وبعد ان يُدلي معظم المجتمعين بتحليلاتهم ومداخلاتِهم يخرج علينا بما لايخرج عن كونه صدىً لما استمع اليه من آراء .
ومعنى ذلك :
أنه لم يكن يملك رأياً خاصاً ، ولم يكن ينفرد بشيء ذيّ بال ..!! ،
ومع ذلك فقد كان يعتبر نفسه من الفرسان ..!!
-4-
ان هناك من يعمد الى نسبة بعض الكتب – التي نعرف مؤلفيها حق المعرفة- الى نفسه ، غير مبالٍ ولا مكترث بممارسته جريمة (الكذب) على الله وعلى نفسه ، وعلى الناس …. وليس من دافع يدفعه لاجتراح تلك السيئة الاّ حب الظهور .
-5-
ومنهم من يعمد الى نسبة بعض القصائد الرّنانة الى نفسه – وهي معروفة المصدر – بنفس الخلفية والدافع .
انه يريد ان يسجل نفسه في الباحثين والمؤلفين والشعراء مهما كانت الوسيلة ..!!
-6-
وكشفت الانتخابات النيابية العامة عن وجود ( طُفَيلِيين ) ، استخدموا (الترشيح) للنيابة كوسيلة من وسائل البروز والاشتهار، وهم أبعد ما يكونون عن امتلاك المؤهلات المطلوبة لممثلي الشعب …!!
-7-
ونَسوُقُ في الختام قصة طريفة ، وقع فيها بعض هواة حب الظهور ، وافتضح فيها أمرُه ، وأصبح مورداً للتنذر ..!!
وخلاصة القصة :
ان علماً من أعلام الحوزة العلمية في النجف قال :
كنا اذ قرأ الشاعر قصيدته ، نرفع أصواتنا بالقافية من كلّ بيت قبل ان ينطق بها الشاعر .
وكان شاب يحب ان يتظاهر بالمعرفة وهو بعيد عنها ، يجلس قريباً منّا ، فاذا نطق أحدٌ منا بالقافية اختطفها ورفع بها صوته عالياً ليُلفِتَ الأنظار
وفي احدى المناسبات التي يتبارى فيها فجول الشعراء ، جلسنا في أماكننا، واذا بهذا الشاب قد جلس بالقرب منّا ، فقلت لرفاقي :
سأكفيكم شرَّهُ وأَمْرَهُ ،
ولن يضايقنا بعد اليوم ..!!
فلما بدأ الشاعر بالقاء قصيدته البائيّة …
أخذ الشاب – كعادته – يختطف منا القوافي ، ويرفع بها صوته ، اتفقنا ان نذكر كلمةً لاتنسجم مع بقِة القوافي وهي كلمة (بَلِيدا)
كانت القافية (بائيه) ، والكلمة التي جئنا بها (داليه)
وحين نطقنا بها تلقفها الشاب منّا ورفع بها صوته ، فقوبلت بالضحك من جميع الحاضرين ، وكانت درساً له لن ينساه
أقول :
ان الانسان يجب ان يصون نفسه عن ان يكون اضحوكة ومحلاً للسخرية والاستهزاء ….
واذا استجاب لشيطانه ، الذي يزّين له حب الظهور .
فلا يلومَنَّ الاّ نفسه ..!!
إنّ هوى النفس يُوقع صاحبه في المطبّات ، ويُسقط شخصيته بين الناس …
ان الذين يغويهم الشيطان ليسوا بقليلين – للاسف الشديد –
واذا كنّا – حتى اليوم وبعد مرور أكثر من احد عشر عاماً على سقوط الصنم- نكتشف المقابر الجماعية هنا وهناك ، فاننا مازلنا أيضاً نكتشف أعداداً جديدة من الغواة الهُواة الذين يريدون التسلق والبروز مهما كانت العواقب والنتائج ..!!