23 ديسمبر، 2024 10:01 ص

حَرْب القِيَمْ …مثاقفة أم مُناجَزَة ؟ – 1

حَرْب القِيَمْ …مثاقفة أم مُناجَزَة ؟ – 1

خضع المجتمع العراقي لتحولات جوهرية مست نسقه الاجتماعي وقيمه المحافظة وليست وليدة لحظة سقوط الطاغية ، انها تبدلات قيمية تتكرر عند كل تحول سياسي –اجتماعي منذ الاصلاح الدستوري في 1908وحتى لحظتنا الراهنة ، وهي تحولات تترك آثارها السلبية على الفرد والمجتمع وعلى سبيل المثال كان التحرر من القيم والتحلل هو السمة التي طغت على العراق بعد الاصلاح الدستوري العثماني وهو امر وصفه الرصافي قائلاً:

أرى بغداد تسبح في الملاهي وتعبث بالاوامر والنواهي

قال الرصافي ذلك بعد عودته من رحلة الى الشام والاستانة لم ير فيها مارآه في بغداد من تحرر وانحلال ،حيث تحولت المقاهي الى ملاهٍ ليلية واستوردت بغداد الراقصات من حلب وبيروت ومصر ،وتحكمت الراقصات بشخصيات المجتمع والحكم والادب !حتى تغنى الجواهري باحداهن واسمها بديعة قائلاً:

هُزِّي بنصفِكِ واتركي نصفا لا تحذَري لقَوامكِ القصفا

فبحَسْبِ قدِّكِ أنْ تُسنِّدَه هذي القلوبُ ، وإنْ شكتْ ضَعفا

أُعجبتُ منكِ بكلِّ جارحةٍ وخصَصتُ منكِ جفونَك الوَطفا

عشرونَ طرفاً لو نُجمِّعها ما قُسِّمتْ تقسيمَكِ الطرفا

تُرضينَ مُقترباً ومُبتعِداً وتُخادعِينَ الصفَّ فالصفّا

أبديعةٌ ولأنتِ مُقبِلةً تستجمــــــــــــــــــعينَ اللُّطفَ والظَّرفا

وممن سجل مشاهداته عن بغداد آنذاك الكاتب والفيلسوف الشهير (امين الريحاني ) حيث قال في كتابه (قلب العراق) متحدثاً عن اشهر شوارع بغداد في العشرينات انه ( يبدأ بالمساجد وينتهي بالمقاهي وبينهما طواحين التجارة والدعارة) ! ، ففي العشرينات تفاقمت الاوضاع سوءً بعدما اطلق الانكليز العنان لما لم يطلقه الاصلاح الدستوري العثماني قبل سقوط الدولة العثمانية وانهيارها ،والى عهد قريب كان معيار الثقافة في بلادنا وقوامها الشعبي ( كُفْر و خمر وانثى )! ، لكن ماشهده العراق بعد 2003 كان امضى تأثيراً وأشد خطراً وأسرع انتشاراً ، ذلك ان ثقافة جديدة بدأت تطل برأسها بقوة وجرأة تدعمها مواقع التواصل الاجتماعي وتحول العالم ليس الى قرية صغيرة انما الى شارع ضيق مكتظ بالسكان انتهت معه ظاهرة التلصص من ثقب الباب بعدما تفتحت الابواب على مصاريعها ،وهذه الثقافة الجديدة تتصارع مع القيم المحافظة في المجتمع العراقي خاصة المدن المقدسة ولايبدو ان الكفة تميل لصالح القيم المحافظة لان ادوات الصراع متعددة ومتجددة فقد المجتمع معها معاييره لتغدو (اللامعيارية ) هي الظاهرة السائدة في هذا الصراع وهي شاهد على انهيار قيم الردع ووسائل الضبط الاجتماعي وتفكك المجتمع تدريجياً في ابادة واضحة لهويته الاجتماعية وقيمه الاخلاقية فارتفعت نسب الادمان والطلاق والتفكك الاسري والجرائم المنافية للاخلاق وبلغ الامر ذروته بالتجاوزعلى المقدسات الدينية !!

ان مايجري هو ثمرة من ثمار الاحتلال واوكاره وتخطيطه الاستراتيجي وليس ما اتبناه ( بارانويا) انما تدمير ممنهج ومكشوف نقف امامه بلاحول ولاقوة لعدة اسباب اهمها اننا نراهن على خطاب الدين وهوخطاب لم يعد كافياً لايغاله في الكلاسيكية وقِدَم اساليبه وآلياته واستقرار موضوعاته على محفوظات واملاءات اكل الدهر عليها وشرب !

وللحديث تتمة