23 ديسمبر، 2024 3:53 م

حَدِّثينا يا (أُمَّ الهند) عن : (نَرْجِس) ، وَ(برجُو) ، و(أنْديرا) ؟ !

حَدِّثينا يا (أُمَّ الهند) عن : (نَرْجِس) ، وَ(برجُو) ، و(أنْديرا) ؟ !

كان ذلك عام 1960 . وكنا مجموعة طلابية قدمتْ من ريف قضاء سوق الشيوخ للدراسة في إعدادية الناصرية ، وبفرعيها (العلمي والأدبي) . اسكنتنا الجهات التربوية المختصة في بناية فخمة وسط مدينة الناصرية . أما مدير القسم الداخلي الذي يشرف على اسكاننا ومعيشتنا ، فهو التربوي حسين الراضي .
    معظم ليالي (الخميس على الجمعة) نذهب لنسهر بضع ساعات مع أحد الافلام السينمائية في واحدة من دور السينما الموجودة في المدينة . ففيها داران للسينما ، هما : سينما البطحاء ، وسينما الاندلس .

أُمُّ الهند

    ومن الهند هبَّتْ عاصفة الفليم السينمائي (أُمُ الهند) . وتوجه غرباً . إجتاز طهران ، وحط الرحال في بغداد ، لبعض الوقت ، ليواصل مسيرتَه غرباً . كان الفلمُ – بفكرته وأداء ممثليه خاصةً الممثلة الجميلة    نرجس – قنبلةً تفجرتْ في اكثر من مكان ، لتتشظى بوجه الاقطاع وما يتضمنه من استغلال .

الزعيم يشاهد الفلم

    في سينما الخيام ببغداد ، عُرِض هذا الفيلم عام 1959 .
    وذات مرة ، فُوجئَ مشاهدو الفلم بالزعيم عبد الكريم قاسم ، رئيس الوزراء العراقي آنذاك يدخل سينما الخيام لمشاهدة الفلم . ووصل الناصرية عام 1960 . وعُرض في احدى هاتين الدارين . 
    الفلم يُجسِّد ويُدين تصرفات الاقطاع واستغلاله الفلاحين . واذا وضعنا فكرة الفلم في زمانها (الخمسينات حيث تصاعدتْ حركة التحرر الوطني ، الآسيوي – الافريقي خاصة ، بآفاق اشتراكية) ، لتوصلنا إلى أن الفلم يأتي ضمن السياق التصاعدي للأفكار الاشتراكية . وهذا واحد من أسباب رواجه .
    ترك الفلمُ آثارَهُ المباشرة على الحياة الفنية والسياسية في الهند . فعندما أُغتِيلَتْ ، أنديرا غاندي ، رئيسة وزراء الهند ، وكريمة القائد الراحل جواهر لال نهرو ، كان العنوان الأبرز (المانشيت) في معظم الصحف العالمية والعربية ، هو : قَتَلُوا أُمَّ الهند !! .

الطفل برجو
    أبرز شحصيات الفلم ، كانت الممثلة نرجس . التي قامت بدور الأم التي تتحمل المشاقَ من أجل تأمين العيش لأبنائها . وكان الطفل (برجو) شخصية مثيرة . اذ كان متمرداً وعنيفاً. وهكذا لقي مصرعه على يد الشرطة الهندية المتواطئة مع الاقطاع . وأبدع بقيةُ الممثلين في أداء ادوارهم ..
السيناريو ..

    الفلم كما أتذكرُه ، رغم مرور اكثر من نصف قرن على مشاهدتي له ، يبدأ هكذا : السلطة المحلية في ولاية هندية أنجزت مشروعاً إروائياً وبدلاً من أن تطلب من رئيس الوزراء أو حاكم الولاية افتتاح المشروع ، طلبتْ ذلك من تلك السيدة . وهكذا كانت أصواتُ الجماهير المحتشدة تتعالى مطالبة (أم الهند) بافتتاح المشروع ومشجعة لها . تقدمت (نرجس) ببطء تتدلى ، من حول رقبتها دوائر الزهور الهندية المعتادة . وتصرخ الجماهير : حَدِّثينا يا أُمَّ الهند .. هنا يرحل ذهنُ بطلة الفلم التي حفرتْ السنون أخاديد عميقة في وجهها .. الى تلك الايام حيثُ تزوجتْ شاباً . ينتقل ، بعد سنين ، الى جوار ربه ، لتتولى هي مسؤلية العائلة ..
    الجماهير تصرخ : حَدِّثينا يا أُمّ الهند . لكن السيدة كانت في رحلة استعادية للماضي .
    ولكن : ما الذي ذكرني : بالهند وأُمِّها .. وَبِنَرْجِس وأطفالها ؟ .
    أصارحكم بالآتي : ظهر يوم السبت 9/آذار/2013 ، كان حفل صغير بعدد الحاضرين ، ولكنه كبير جداً بمعانيه ، يلتئمُ تحت سقف صحفي . كان شعاع النظر يدور في القاعة الصغيرة التي تَمَّتْ تهيأتُها على عجل .. دار الشعاع دوراتٍ عديدة سريعة ، وفجأة أفلتَ من جاذبية الحاضر ، في رحلة استعادية ، ولستُ أدري لماذا تذكرتُ (أُمَّ الهند) في رحلتي الاستعادية ..
    واعذروني ، حين أقول : و .. يطول الحديث ؟ ! .