23 ديسمبر، 2024 5:50 ص

ربما لم يدر بخلد مؤرخ يوماً ما ان يكتب شهادةً للتاريخ ان جحافل جيش العثمانيين بقيادة السلطان محمد مراد قد دخلت القسطنطينية واحاطت بها من كل جانب وحاصرتها ثلاثة اسابيع متوالية فيما كان (مجلس الشيوخ) فيها وهم اهل الحل والعقد يتجادلون في هوية الملائكة وجنسها ..هل هي اناث ام ذكور؟ وفي ماهية المسيح عليه السلام وحقيقة الاقانيم الثلاثة …لم يكن هؤلاء يعيشون في الواقع ،كانوا خارج الزمان وخارج المكان ،وفيما دخل الجنود طرقات القسطنطينية وجابوا شوارعها ،لم يتوقف الجدل البيزنطي حتى قُتل ملك القسطنطينية وانهارت عاصمة الكنيسة ومُحي اسمها لتتحول الى (اسلامبول) ويلقب السلطان محمد بالفاتح وكان شاباً لم يبلغ الخامسة والعشرين من عمره وحول عاصمة مملكته الى المملكة الجديدة التي ضمها الى اراضيه بعد ان صمدت اكثر من خمسة عشر قرناً!

لايشبه حال مجلس شيوخ القسطنطينية الا حال النظام السياسي العراقي ففيما تًهدد بغداد والموصل وغيرها بفيضان كارثي وفيما تحيط الجيوش بالبلاد من كل حدب وصوب ويضرب الفساد السياسي والاخلاقي بجرانه على مؤسسات الدولة كافة وتقف البلاد على شفا انهيار اقتصادي-امني -سياسي مرعب لايجد هذا النظام وقادته حلاً حازماً وحاسماً ويكتفون بحوارات تنتهي بـ(زعل) هذا الطرف وامتعاض ذاك ولايرون الحل الا بترشيح بعضهم للاخر لتبوأ مناصب جديدة يسُتكمل من خلال الانهيار الكبير …

لاشك ان هؤلاء يعيشون في عالم ذهني صرف لاوجود له على الواقع …انهم يعيشون عالماً افتراضيا مثل عالم الاطفال او افلام الكارتون ولاوجود لعالمهم خارج اذهانهم وادمغتهم التي اقسم صادقاً انهم سيعيدونها الى خالقها (zero) من اي نتاج عقلي تماماً مثل سياراتهم الفارهة التي يشترطون ان تكون (zero) عند شرائها!!! ولايمكن لهم على الاطلاق ان يقودوا مشروعاً صالحاً يعود بالنفع على الوطن والمواطن على الاطلاق وربما لايشعرون ايضاً ان سكْرتهم وغفلتهم هذه سيفيقون منها ذات يوم وقد احاطت باعناقهم حِبال الشعب وهو يجرهم في شوارع العراق كما حصل في اعوام 1958و1991و2003فكل المؤشرات تدل على ان ثورة الشعب قادمة ولو ازفت فلن يبقي الشعب على سبب مآسيه ولن يبقي لهم باقية

وفيما احجمت المرجعية عن اذاعة خطابها السياسي الاسبوعبي بعد ان(بُحً صوتها) دون استجابة صادقة وجادة للاصلاح ويتبنى سماحة السيد القائد (اعزه الله) مشروعاً للاصلاح الوطني موافق لرأي المرجعية يمثل طوق النجاة الاخير للشعب وللوطن وللنظام السياسي ، يترنح اهل السياسة في سكْرتهم سكارى وماهم بسكارى فيعترض هذا وينزعج ذاك ويكثر القيل والقال ويتزاحمون على مقاعد شاشات التلفزة لتبرير مايجري خوفاً على مقاعد انتخابات قادمة قد يحين موعدها والعراق مقطع الاوصال ان لم يتخذ القرار السليم القاضي بان تحل الطبقة السياسية الاسنة والمتعفنة نفسها بنفسها قبل ان تحل سنن التاريخ عليهم وتقضي على كل شيء ،وقد يفسرون مشروع الاصلاح الوطني انه مشروع صدري يدخل ضمن التجاذب السياسي وصراع البقاء وعدمه فاقول لهم ياسادة لقد ضرب لكم مقتدى الصدر اروع الامثلة واصدقها في بناء الدولة ومؤسساتها وتنازل ذات يوم عن كل مكاسب تياره السياسية لاجل بناء دولة المواطَنَة فكان الرد منكم مزيداً من الانهيار …انه يقدم الانموذج الصالح للانسان ومازلتم تقدمون يوما بعد آخر دليلاً يتلو الدليل على صحة نظرية داروين في النشوء والارتقاء بتنازلكم عن انسانيتكم لصالح سلوك بهيمي واضح وصريح لايرتضيه الوجدان

لم يعد الصمت ممكناً وليس في قوس الصبر منزع والسيد حينما اعلن الاصلاح فانه واثق من قدراته على النجاح بمساندة الشعب المظلوم والبلد المعرض للضياع وقبله بعقود من الزمن نجح السيد محمد الصدر (توفي 1956) حين استيزاره من تحقيق ماعجز عنه الساسة طيلة ربع قرن كامل من الزمان …لانحتاج في العراق غيرالاخلاص و النزاهة والكفاءة والاخلاق الحميدة وهو ماتفتقده الطبقة السياسية التي بانحطاطها انحطت قيم المجتمع وتهاوت الفضائل فلا ورب السماوات العُلا لابديل عن مشروع الاصلاح ولامصلح غير الصدر القائدفلاينبغي الانشغال بردود الافعال المعرقلة للمشروع وعلينا ان نصب جهودنا لانقاذ وطننا وشعبنا بعد ان تهيأ لنا بصيص امل يحمل مشعله صدر العراق الثالث الذي اجده حقيقاً جديراً بما قاله المتنبي:

وَإنْ يُكذِبَ الإرْجافَ عنهُ بضِدّهِ وَيُمْسِي بمَا تَنوي أعاديهِ أسْعَدَا

وَرُبّ مُريدٍ ضَرَّهُ ضَرَّ نَفْسَهُ وَهادٍ إلَيهِ الجيشَ أهدى وما هَدى

وَمُستَكْبِرٍ لم يَعرِفِ الله ساعَةً رَأى سَيْفَهُ في كَفّهِ فتَشَهّدَا

هُوَ البَحْرُ غُصْ فيهِ إذا كانَ ساكناً على الدُّرّ وَاحذَرْهُ إذا كان مُزْبِدَا

فإنّي رَأيتُ البحرَ يَعثُرُ بالفتى وَهذا الذي يأتي الفتى مُتَعَمِّدَا

تَظَلّ مُلُوكُ الأرْض خاشعَةً لَهُ تُفارِقُهُ هَلْكَى وَتَلقاهُ سُجّدَا

ذَكِيٌّ تَظَنّيهِ طَليعَةُ عَيْنِهِ يَرَى قَلبُهُ في يَوْمِهِ ما ترَى غَدَا

وَصُولٌ إلى المُسْتَصْعَباتِ بخَيْلِهِ فلَوْ كانَ قَرْنُ الشّمسِ ماءً لأوْرَدَا

إذا أنتَ أكْرَمتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ وَإنْ أنْتَ أكْرَمتَ اللّئيمَ تَمَرّدَا

وَوَضْعُ النّدى في موْضعِ السّيفِ بالعلى مضرٌّ كوضْع السيفِ في موضع النّدى