18 ديسمبر، 2024 8:45 م

حي المنطقة الخضراء وعار التأريخ العربي .. المرحلة الجديدة

حي المنطقة الخضراء وعار التأريخ العربي .. المرحلة الجديدة

ربما اراد الرئيس الامريكي الاسبق ايزنهاور من تغيير تسمية المنتجع الشهير ومنحه اسم حي داوود ( او كامب ديفيد )على اسم حفيده ديفيد ايزنهاور في عام 1953 بعد ان تغير اسم هذا الحي عدة مرات، ان يكون هذا الحي حياً متميزياً يحمل اسماً يهودياً او ربما يمثل نموذجاً للحي الاوربي باسم يهودي، فهو الحي الذي يتمتع بحصانة وحماية عسكريه استثنائيه وقد اصبح منتجعاً خاصاً للرؤساء الامريكان فهو يمثل بحق المنطقة الخضراء في الولايات المتحدة الامريكية.

ومعلوم ان هذا الحي شهد اكبر واقوى الاجتماعات السياسية وقد كانت معاهدة كامب ديفيد بين السادات ومناحيم بيغن من اهمها ان لم تكن اهمها تاريخياً وقد تحرك العرب على اثرها بشكل خجول وباساليبهم المعهودة من شجب واستنكار وزعيق في وسائلهم الاعلامية وتم على اثرها الاعلان عن حجب عضوية مصر من جامعة الدول العربية الذي لم تكترث له حكومة الكنانة وفعلاً فقد اعيدت العضوية بعد عشرة سنوات رغم ان السبب وراء الحجب لازال قائماً وهو ما يشكل عاراً تاريحياً سياسياَ لكل الدول العربية المنبطحة.

ان عار ضياع فلسطين صنعه العرب بايديهم وقد كان الفلسطينيون من ما يسمى بعرب 48 هم اول من اسهم في هذا الضياع كما عبرنا عن هذا في مقالة سابقة بعنوان ( العراق ومؤامرة الدواعش .. معركة تكريت وعرب 48 في العراق ).

وقد عبر الشاعر الكبير المرحوم مصطفى جمال الدين عن هذا العار التاريخي بقصيدته التي مطلعها :

لملم جراحك واهتف ايها الثار بعد عار فلسطين ما لنا عار

وبعد ان اصبح هذا الحي مركزاً للدلالة التاريخية على عار العرب التاريخي يعاود الامريكان او قل الصهاينة وهي القوة الخفية المحركة لرسم مرحلة سياسية جديدة للتلاحم مع هذه الدول العربية المنبطحة للصهاينة عن طريق امريكا وبشكل معلن ومفهوم. غير ان هذه الدول حاولت ان تتصرف بشكل اكثر ذكاءً من السادات كما تظن هي حيث اعلنت وكذلك اعلن الرئيس الامريكي اوباما بان قمة كامب ديفيد الاخيرة المنعقدة في 13/ 5/ 2015 هي لطمأنة دول الخليج بان امريكا لن تتخلى عنها وتتركها عرضة للاعتداء او حتى الابتزاز الايراني.

ولكن السؤال الذي يُطرح وبقوة هل ان موضوع الطمأنه المزعوم هذا لم يكن متحققاً على ارض الواقع فعلاً وهل يستحق كل هذا الحراك السياسي بحيث ان قمة خليجية سبقته بايام عقدت في الرياض وثم مؤتمر لاجتماع وزراء خارجية دول الخليج في باريس والذي حضره الرئيس الفرنسي هولاند.

ان هذه التحركات ليست بسيطة ولا يخفى امرها على أي سياسي حليم او مراقب لبيب ، فخطورة المرحلة وتطور الوضع الايراني هو الذي املى على هذه الدول ان تنصاع للرغبة الصهيونية باستغلالها لهذه الظروف وادخال الدول العربية في مرحلة سياسية جديدة يتم التوجه بعدها لمواجهة عدو جديد اسمه ايران بدلاً من العدو الصهيوني التقليدي.

نعم هنالك طمأنة في هذه القمة ولكن كانت طمأنة للكيان الصهيوني بالاعتراف به عملياً وان لم يكن رسمياً وعدم التعرض له باي شكل مستقبلاً والتحالف لتوجه مدافع هذه الدول نحو ايران.

وبهذا فاننا نشهد عهداً جديداً آخر صنعه “حي المنطقة الخضراء الامريكي ” كامب ديفيد في قمته الاخيرة لايقل عاراً عن المرحلة السابقة التي صنعها في اتفاقية ( بيغن _ السادات ) عام 1978.

انه العار التاريخ العربي الثقيل الذي استطاع الحي اليهودي صناعته وبحنكة تاريخية عالية المستوى وبكل دهاء وشفافية والذي لايمكن للعرب التخلص منه او انكاره. فهذه الدول التي تتدعي الانتماء للدين الاسلامي وتتغنى بالتاريخ العربي وقوميته لم تعد تلك الامة التي وقفت مع الدولة العثمانية ضد اعداءها بدعوى الدفاع عن بيضة الاسلام فها هي تتفق مع العدو التاريخي ضد ايران لا لشيء الا بدافع العداء الطائفي المذهبي فلو كانت ايران دولة غير شيعية حتى وان كانت زرادشتية او هندوسية فلن تواجه بهكذا مخططات خبيثة ومخجلة لا تكسب الا العار التاريخي الذي لايمكن محوه.

وقد نوهنا كذلك في مقالة سابقة الى تناقض المسلمين ونفاقهم وكلامهم وارشاداتهم في خطبهم الكاذبة عن ما يسمى بالوحدة الاسلامية وقد نعينا وفاة هذه الوحدة في سلسلتنا الموسومة ( نحن والاسلام ).

واذا كانت الصحف الخليجية صادقة في بعض تعليقاتها على قمة كامب ديفيد 13/5 وخصوصاً صحف الامارات العربية بوصفها بانها (قمة الصرامة والوضوح ) فاننا نقولها لهم نعم انها الصرامة في مواجهة اخوتكم المسلمين والوضوح في استمراركم بارتكاب العار على طريقة السادات وسوف لن يغفر التاريخ لكم ذلك.

ان دول الخليج تطمح الى عقد معاهدة تاريخية للدفاع المشترك ولكن الجانب الامريكي لم يذهب الى هذا المنحى بالسرعة التي تريدها هذه الدول المتهالكة بل راح يتشدق بحجج منها ان الكونكرس الامريكي ربما يمتنع عن الموافقة وان امريكا لم تمتنع عملياً لتقديم أي دعم تحتاجه هذه الدول، لان دهاء السياسة الصهيوامريكية تحاول وضع هذه الدول في خالة مستمرة للحاجة لها لتستمر في استعبادها واملاء ماتريده عليها من اوامر ورغبات تحقق لها اهدافها التي تريدها.

والى ان يتم الاتفاق النووي الايراني بين الدول العظمى وايران ربما سنفاجأ بخطط وادوار وتحركات تفوق العادة بكثير رغم ان ما تملكه ايران من نفوذ مزعوم في سوريا والعراق واليمن لا يعدو كونه بعبع تم تصويره من قبل دول كامب ديفيد لتحقيق استراتيجياتهم التاريخية رغم ان هذا البعبع لا يعدو كونه قوى مستضعفة الجأتها الظروف للاستغاثة بايران بعد معانات كبرى من الحيف والاهمال كما هو الحال لحوثيي اليمن وشيعة العراق .

والله تعالى من وراء القصد.