المملكة الحيوانية ، يتربع على قمة سلسلتها حيوان منتصب القامة ، يمشي على قدمين ، ربما هذه (قسمة ضيزى) لغياب الحيادية ، لأن الكائن المنتصب هو الذي وضع هذه الهيكلية .
سميَ بالانسان ، لأنه يأنس لبني جنسه ، وأي أنس هذا بحيث يتخذ بعضهم من بعض عبيدا منذ ان خُلق الانسان ولغاية فترة قريبة لا تُقارن بعمر الأنسان على هذه الأرض .
كل الحيوانات تناغمت مع الطبيعة ، وسلكت معها مبدأ تبادل المنفعة ، والانسان تحدّى الطبيعة ، واستهلك مواردها بنهم ، فأفسد هوائها ومائها وأرضها وسمائها .
الحيوان لا يقتل من بني جنسه الا ما ندر ، وأذا أفترس حيوان من جنس أخر ، فبلا أسراف ، لا يقتل لأجل القتل ، أنما للحفاض على النوع ، وأفة الحروب أتت على البشر أكثر مما نالته منها الاوبئة والكوارث .
العقل ، تحول الى آفة للهيمنة والاستعباد والتعالي والظلم بل والعنصرية ، فقد ظهرت الثورة الصناعية ،لتفتح شهيته على مصراعيها لأستنزاف الموارد ، واستعمر أراضي غيره لأرضاء نهمه ، وجعلها سوقا لبضائعه ، وجعل سكّانها عبيدا للسُخرة ، دمّر انسانها وبيئتها ، وضاقت به أرضه ، ليصطدم مع مثيله ، فاشعل الحروب .
مسيرة حقوق الانسان طويلة وعسيرة ، معبّدة بالدم والعنف والملاحم ، ورغم ذلك لم تتبلور بشكلها المثالي لحد الأن ، فحتى الديمقراطية التي ينادي بها الغرب ، لا تزال ذات مفهوم فضفاض طيّع ، حسب ضروراتهم ، وذات معايير مزدوجة ( Double Standards)، فالذي ينطبق عليهم ، ليس بالضرورة ينطبق على غيرهم ، فلو شككتَ بمحارق النازية (الهولوكوست) ، فسيُقضى على مستقبلك ، وتـُشوَه سمعتك ، وربما تـُعتقَل ، لمجرد رأي ! ، ولطالما استُفِزّت (المانيا) العملاقة ، وتحولت – ولا تزال – الى بقرة حلوب لأسرائيل (القزم) ، هذه (تركيا) لا تزال تـُعيّر، بسبب مذابح الأرمن ، ولعمري لقد ارتكبوا أضعاف هذه المذابح ضدنا ، ولكنا لا نستثمر هذه الفواجع الهائلة ضدنا ، وجعلها أحدى اوراق الضغط على (تركيا) ، لأنها تمسك (بخناقنا) في مسألة المياه ، ولكن ماذا تتوقع من أسوأ دبلوماسية مر بها البلد منذ تأسيسه ؟ ، فتحت شعار (التسامح) والانصياع للشرعية الدولية الكاذبة ، فرّطنا بتاريخنا ، وأرضنا ، وبسبب تلك الدبلوماسية الفاشلة جعلت قزما مثل (الكويت) يلتهم عملاقا مثل (العراق) .
وربما أصطدمت مصالحهم مع مفهوم (العدالة) الذي يتفاخرون ويتبجحون وينادون به وكأنه من (أختراعهم) بين الشعوب ، وربما أرادوا التراجع ، ولكنهم كانوا بحاجة الى مبرر مهما كان واهيا ، وما أن حدث هجوم 11 أيلول /سبتمبر ، حتى تفجّرالقيح المتراكم ، فعادت عنصرية العِرق والدين ، وأرتُكبَ ما ارتُكب ، وأنتكست مسيرة حقوق الانسان ، والديمقراطيات ، ولا تزال .
من أولى مفردات الديمقراطية ، حق الأنسان بالتظاهر ، وأسماع صوته في الأحتجاجات ، لكون الديمقراطية تعني حكم الشعب ، وأي مثال أكبر عندما خرج 4,5 مليون مواطن أمريكي ضد الحرب على العراق عام 2003 ، ومع ذلك حدث ما حدث .تلك الدول (الراعية لحقوق الأنسان) ،لا تعطي تأشيرة دخول للهاربين من بلدانهم السبخة التي ضاقت بهم ومهما كانت درجة الكفاءة لديهم ، لكنهم يعطون تأشيرات الدخول للمثليين جنسيا دون قيد أو شرط ! لأنه مُضطهدْ ولا يستطيع ممارسة (حريته) في بلده !، وصار لهم (لوبي) مرهوب الجانب لا يجرؤ أحد على تحدّيه بمجرد رأي ، وكل سياسي (مرموق) ، عليه (خطب) ودّهم ، فأي (ديمقراطية) مشوهة هذه ؟ منذ زمن بعيد ، قال مظفّر النّواب : ( هل أرض هذي الكرة الأرضية ،أم وجرُ ذئاب) ! ، في وقت كنا نعتبر تلك الفترة أيام خير !.
بعد الحرب العالمية الثانية ، ظهر الفرقاء المنتصرون ، وكأنهم سادة العالم ، وكانوا بحاجة الى محفل ، ينظم علاقات الامم ببعضها ، ويجنبهم الصراع والتوترات ، فكانت الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، ولم تكن الا اداة (شرعية) بيدهم لتبرير اقتسام (كعكة) العالم ، وفشلت طيلة العقود الماضية في كبح جماح (بلطجة) اسرائيل ، وسباق تسلحها ، وقد مسحت أكثر من 300 قرار (خجول جدا) بمؤخرتها أمام العالم من مجلس الأمن ، كان دوره لا يتعدّ بيانات الشجب الخافتة في كل مشاكل العالم ، ولكنها أصبحت فاعلة ، وذات قوة متحالفة ، عند غزو العراق للكويت ، وما تبعه من اتفاقات مهينة ، وحصار ضد شعب لا ناقة له ولا جمل فيما حدث ، ذلك الحصار الذي سيذكره التاريخ ، ولكن ليس على يد (ساستنا) الحاليين ، كأبشع انتهاك لحقوق الانسان ، يجب ان يُحاسَب عليه ما يسمى (المجتمع الدولي) ، لا لأنه انتزع منّا أغلى ما يميز الانسان ، كالقوت والموارد والسيادة والاستقلال ، وهي أهداف الاستعمار التقليدية ، بل لأنه انتزع منا (انسانيتنا)، وهو على ما يبدو أخر (أختراع) خبيث من قبل الاستعمار الجديد او النظام العالمي الجديد ، أشد فتكا من القنبلة الذرية ، لأن مداه بعيد ، والا ما الذي يحصل لبلدنا الأن ؟ ،خصوصا وأن (الحصار) المقيت قد (تخمّر) فينا لأثنا عشرة سنة ، فحرب التجويع والحرمان تنجب المسوخ !.
هكذا (انهارت) حقوق الأنسان ، بعد مسيرة طويلة ،وبعد رصد الكثير من المعاهد والادبيات والمحافل والمنظمات التي تنادي بها ، وأنهار بعدها (الاقتصاد ) ، فما سبب ظهور الازمة المالية المفاجئة ، في بلدان هي نفسها المنظرة لعلم الاقتصاد ؟ ، بل هي نفسها التي وضعت علم الاقتصاد الحديث الذي يفترض ان يكون خالي من الثغرات ، بسبب الخبرة التراكمية الطويلة ، وقد امتلأت المكتبات ، بكم هائل من الاكاديميات التي تخص هذا العلم ، التي تُدرّس في كل الجامعات ، وسُخّرتْ له العقول الجبارة والانظمة الخبيرة ، وبعد أن ظهرت مدارس التنظير الأقتصادي كالماركسية والرأسمالية وغيرها ، الملايين من أجهزة الحاسوب والتكنولوجيا العالية ، والبورصات ، والاسواق ، كل ذلك لم يفيد ، وأذا بدول تخرج (مفلسة) وقد انهار أقتصادها بين عشية وضحاها ، فلم يسعفنا هذا العلم ، اذ لم يكرس الحصانة ضد هكذا كوارث ، فما الذي يمنع أنهيار التكنولوجيا ، بسبب حدث كارثي ، أو بعد نضوب مصادر الطاقة ؟ ، وبذلك نعود الى مجتمعات الصيد كأنسان في عصر حجري ، ولكن ببدلة (سموكن) !.
فأي (أئتلاف خفي) هذا الذي يحكمنا ، معتمدا مبدأ القوة الغاشمة لفرض ارادته؟ ، حتى لو تعلّق ذلك أن يطأ (القانون الدولي) تحت حذائه ، ودون مشورة للامم المتحدة ، كما حصل معنا ؟ ، وحتى لو كان السبب وهميا ، كما حصل معنا أيضا ، فحربهم المزعومة ضد الأرهاب ، اذا سلّمنا انها ليست (بزنس) جهنمي (وهو الأرجح) ، يجب أن تكون ضد فكر التطرف والتكفير الذي دأبت (السعودية) على نشره بالقوة والمال لقرن من الزمان ، وأمام أنظارهم ، بل وبمباركتهم ، ولكنهم أتجهوا نحونا لجعلنا أمثولة ، وحقل تجارب مجانية لم يكونوا ليحلموا بها ، ودعاية تجارية للالة العسكرية ،وموضوع شهي للافلام السينمائية والمؤلفات والاراء لعشرات السنين القادمة ، سيدر ذلك عليهم مليارات الدولارات (عدا المليارات التي ندين نحن بها لهم) ، فالفاتورة لم تُدفع بعد !.
(الائتلاف الخفي) ، أحد ضحاياه(جون كنيدي) ، لأنه الرئيس الامريكي الوحيد الذي اراد ان يكون له (رأي خاص حر) ، منها انهاء (حرب فييتنام) ، وحل مشاكل الشرق الاوسط ، لكنه اجتاز خطوط حمراء ما كان عليه تجاوزها ، فبسببه ستتوقف صناعة السلاح ومعظم أفراد الحكومة يملك اسهما فيها ، وهذا يعني ان (اسرائيل) يجب عليها ان (تتنازل) ، ونعلم ان كلمة (تنازل) غير موجودة في قاموسها ، وهكذا ائتلفت شركات صناعة السلاح مع المؤسسة العسكرية ودوائر الاستخبارات واللوبي الصهيوني و..و.. ، فكان القرار بقتل هذا الرجل.
الأجدر أن تتطور قوانين صارمة وقياسية ورصينة لحقوق الأنسان (وقد تأخرت كثيرا أصلا) ، بالنظر لعمر الأنسان على هذه الأرض ، وأن تكون مرجعا لكل الأمم ، قبل اندلاع الثورة الصناعية ، التي استغلت في كثير من جوانبها (الوضع الأعرج والهش) لقوانين حقوق الأنسان .
الى أين يسير هذا العالم ؟ هل شاهدتم فلم (كوكب القرود) ؟ ، أنه فلم واقعي جدا ، فما فائدة البشر والحضارة ، أذا حكموها القرود ؟ !.