لاتبدو الحياة في حقل الحنطة الذي رسمه الفنان فان كوخ او في السؤال الذي طرحه الشاعر اليوت في كورس الصخرة
( اين هي الحياة التي أضعناها بالعيش ) ماهي الحياة هنا حين تفرض نفسها بقوة غاشمة كالرعد الأرعن . وخضوع شخصية الإنسان للمحيط الخاص وصورته المفعمة بالسريالية والمناخ لبيئة سياسية منافقة وغليظة القلب والمتعطشة لجمع المال عبر تجهيل العامة ؟
ماذا يفعل الشاعر في جو القنوط والاستلاب وتلك التصادمات التاريخية ! من المؤكد ان نصوصه ستكون احتجاجا على موت الحياة والتاريخ !
وفي المجموعة الشعرية التاسعة ( وطن في قبعة ) للشاعر والصديق طالب حسن والذي افتتح نصوصها الى روح الشاعر محمد الماغوط , تميزت بلغة متجانسة يبحث فيها عن المعادل لأحلامه ورؤاه مطلقا العنان لخياله دون إن تفارقه سخرية مرة مما يجري
( ما معنى / أن تخدش الجدار / وأضافرنا / لا تستطيع إيقاظ من مات / وهو يحاول تسلقه )
يكتب الشاعر طالب حسن هذه النصوص متوافقا مع رؤية جيميز ( تحيل نبضات الهواء الى تجليات ملهمة ) مانحا العنان لقوة التخيل وراصدا جيدا ينظر بمنظار مقرب حجم الألم ومساحات الموت الموزعة على كل الإرجاء
وجريئا إلى الدخول إلى المناطق المظلمة ملاحقا تلك الخيبات ( خيبة / لم نكن ننتظر هذا / كنا على وشك تصويب / أخطاء الجسد / كنا نعاند موتنا / بالتمتمات السرية / نحيك حبات المطر قصائد / ونجهش بوجه الطفولة )
وكأن ثمة سراب انتبه اليه متاخرا وهاربا من السأم وكاشفا عن وجه قبيح لديمقراطية زائفة ولصوصية في وضح النهار مفسرا خواء الحلم بخاتم ممهور وهو ما أصابه بالخذلان
( ما ان احتفل العشب / بالخروج من قاع خذلانه / حتى سقط أسير الخيبات ) ص 21
ولان حروبا كثيرة وصراعات تحتدم للان بدت الأماني تتلاشى وحل الخواء في مجتمع مهددا بالفناء بالتقسيط لذا
نقرأ إن مفردات تحتل مكانا واضحا في المجموعة / الموت / الخذلان / حلم كاذب / الحرب/ الجنون / مدن الجوع / الحرائق وغيرها …. لكنه استطاع توظيفها لخدمة النص بشفافية ومتعة حد الإدهاش ومؤكدا إن الجنون قادنا إلى متاهات ….أغلقت دائرتها بإحكام علينا ( ما هذا الجنون ؟ /لا احد يريد سماع صوت البحر / لا احد يصغي لأغنية بلبل / لا أحد يحمل في قلبه بياض النوارس / او زرقة المياه الصافية / لا أحد أيتها الحرب / هل سننزلق إلى دروبك المظلمة ) ص25 …..ولان الأسئلة التي يطرحها الشاعر بهواجس ضخمة , فلا مناديل تلوح بالوداع .. وثمة عتمة وراء الباب
وإذ يغوص الشاعر طالب حسن في نصوصه مثبتا انحيازه الى الإنسان الذي طال أساه وعذابه وإحساسه الذي يكبر بفاجعة وطن حين صار على شكل قبعة مبتدءا بالعذاب والقلق والتي لم تكن سمة حياة الشاعر حسب بل هي سمة حيوات شعب لم ينجوا من أثار الحروب والدمار وهزائم تتربص به لذلك يطلق صرخته
( ماشاء السواد / فعل / تخاذل الوقت / توارى نبض الشمس / قبعة تخفي وطن / ام وطن في قبعة ) ص 72
من المؤكد ان الشاعر طالب حسن كان يريد ان يبحث عن الصورة الاجمل للحياة ويقف بوجه الوهم المظلل والموت المجاني وان يرى المشهد الشاسع للعبث والفوضى في وطنه وهو يضع أكاليل فوق جثامين الوقت
( الأموات … لا يضعون الأكاليل / فوق مقابر التاريخ / الأموات لاهون / بقتل الوقت ) ص30
هل حملنا تشاؤما مع الشاعر في مجموعته ونسأل كيف تنمو الحياة ثانية بين أطلال الدمار وكيف يلاحق الموت نخيل العراق وإزهار الحياة