حين يكون النقد غطاءً للتصفية… قراءة هادئة في تجربة السوداني

حين يكون النقد غطاءً للتصفية… قراءة هادئة في تجربة السوداني

في زحمة التحليلات وكثرة الكتابات السياسية قد تضيع الحقيقة وسط الضجيج ويمتزج النقد بالمواقف الشخصية ويتحول التقييم إلى فرصة لتصفية الحسابات أو استعراض الأحقاد الكامنة تحت ستار الوطنية والتحليل الموضوعي كثير من الحديث الذي طُرح عن خلفية السيد محمد شياع السوداني حمل طابعاً من المبالغة بل وأحياناً نوعاً من التجني المقصود وكأن هناك رغبة خفية في تشويه صورة الرجل أو التقليل من خطواته لأسباب لا تبدو وطنية بقدر ما هي شخصية أو انفعالية

وأنا أكتب هذا الكلام من موقع لا علاقة لي فيه لا من قريب ولا من بعيد بالسيد السوداني ولا بنظام الحكم القائم منذ عام ألفين وثلاثة إلى هذا اليوم ولم أجنِ منه مكسباً أو منفعة ولم أطلب شيئاً ولم يُعرض عليّ شيء ومع ذلك أجد من واجبي أن أقول كلمة حق بعيداً عن المجاملة والانحياز عند قراءة بعض الطروحات لاحظت خللاً واضحاً أولها ذلك الإصرار على حصر التشيع بإيران وكأنها الأصل والمنبع وهذا تجاوز للتاريخ والعقيدة والمنطق فالتشيع أقدم من إيران بل إن العراق هو الحاضن الأول والأهم لهذا الامتداد الروحي والفكري والديني ويكفي أن الكوفة كانت عاصمة الإمام علي عليه السلام وأن الحوزة في النجف الأشرف خرجت مراجع للعالم الشيعي بأسره

نحن في العراق لسنا تابعين لأحد ولا نأتمر من خارج حدودنا نحترم إيران كدولة جارة ذات غالبية شيعية تربطنا بها عقيدة وقرب جغرافي وروابط تاريخية لكننا لسنا أدوات ولسنا أتباع ونؤمن أن السيادة تبدأ من احترام الذات والاعتماد على القرار الوطني العراقي الصرف أما في الشأن التنفيذي والسياسي فالرجل محمد شياع السوداني بدأ خطوات حقيقية وواضحة على الأرض وقد لمس الشارع العراقي بوادر تحسن في مجالات شتى منها إعادة الإعمار وتنشيط الاقتصاد وتحسين الأداء الإداري والأمني ولم نسمع منه خطاباً طائفياً ولا موقفاً منحازاً ضد طرف على حساب آخر بل كان خطابه متوازناً عملياً هادئاً يعكس رغبة واضحة في الإصلاح بعيداً عن التنظير .المنهج الذي يسير عليه اليوم وإن لم يكن مثالياً فهو على الأقل يعكس نية صادقة في الإنجاز وأسلوباً عملياً يمكن البناء عليه وهو ما فشلت في تحقيقه حكومات سبقت رغم امتلاكها الأدوات والفرص من لا يريد أن يرى الواقع سيتحدث عن أجندات خفية وسيربط كل نجاح بجهة خارجية ولكن الحقيقة لا يمكن حجبها وكل عراقي منصف يعلم أن التغيير الحقيقي يبدأ من الاعتراف بالجهد الجيد لا من محاولة دفنه تحت غبار الخصومات العقيم ولسنا مطالبين بالولاء الأعمى لأي شخصية أو حكومة، لكننا في الوقت نفسه مسؤولون عن قول كلمة الحق حين نرى إصلاحاً أو اتجاهاً وطنياً يستحق الدعم ولو بكلمة منصفة. الوطن لا يُبنى بالكراهية ولا يُنهض بالحقد بل بالوعي والمراجعة الصادقة والتمييز بين الفعل والادعاء دعونا نُبقِ بوصلتنا عراقية وننظر إلى كل تجربة بعيون العقل لا مرآة الميول المسبقة