23 ديسمبر، 2024 2:36 م

حين يسرق الضوء ظلي للشاعر على حسون لعيبي

حين يسرق الضوء ظلي للشاعر على حسون لعيبي

تحمل المجموعة الشعرية الثالثة ( الضوء يسرق ظلي ) للشاعر والكاتب الصديق د علي حسون لعيبي سماتها الخاصة وهي تحلق بنا إلى الإرجاء البعيدة مبتدأ بنص افتتاحي ينبئ عن فداحة المعاناة اليومية حيث الليلة التي أقفلت أبوابها ومخاطبا القارئ عن حزنه اليتيم والقمر الفضي الغائب وعن القلب الذي أغشاه حزن شفيف ويسأل عن عصفور الحقل ( أين أنت يا عصفور الحقل / ما عادت الحرب مهنة / تعال / ونغلق فوهات البنادق )

لقد نأى الشاعر في مجموعته عن التقريرية او اللغة المباشرة وأحسن التعبير عن مكنوناته الشعرية وهي تلج الخصائص المرعبة للوضع الراهن وهو يسحبنا إلى فوضاه وعبثيته

( لكن الحزن يلازمني / والموت هنا / ينام / مستريحا عند أبواب المقابر ) و أيضا جاءت تراكيب نصوصه متوائمة مع حجم الجزع والخيبة ويبرز تعاطفه مع الإنسان الذي حطمه اليأس والوحدة وقسوة الظروف

( تقول جدتي إن رؤية الملوك في الأحلام بشارة خير / وها نحن نتقافز إمامه / يلوح بيديه / يوزع ابتسامته العريضة بسخاء/ وهذا يكفي / خذ زادك من لمحة رضاه )

ولاننا نعيش على زاد سراب الأمنيات فلقد صدقنا ان بشارة قادمة (هناك مكرمة آتية في أول حنجرته .. /ننتظر وصولها / لكم مني ملايين الأمنيات ) أو كما في قصيدة ( زمن تتمزق فيه القلوب بلا وجع ) التي أدانت الساسة حين أهدروا دماءنا رخيصة ( بين مالك مستبد / وقاتل أحمق / لا نسمع زقزقة العصافير الصباحية / لا نسمع سوى / هدير مدفع … ورصاص مجهول )

ولا جديد حين نقول ان الدور التنويري للأدب في تعرية الواقع وكشف علله هي المهمة الأساسية الادب حين ينحاز للإنسان وحريته وكرامته وتحريره من برائن الجهل والغيبيات

لذا يدعوا الشاعر إلى تحرير الإنسان في زمن تتسارع أحداثة مخلفة ضحايا ونازحين ومغتربين بين جهات الأرض الأربع

وفي قصيدة هي رثاء لطفلة بائعة الشاي التي تمزق جسدها أشلاء بفعل الإرهاب الذي يطال الأبرياء فقط

( كم انت رديء ايها الزمن / امقت صمتك / السكاكين تحز رقابنا / وفضائيات الكون / تشبع بصور نحرنا )انه ينعى صورة الإنسان وهي تتشوه بفعل عوامل التغيير!! التي جاءت مع دبابات المحتل ! لتضع المصير الإنساني إمام بوابات جهنم ويغرد الجهل منتصرا حين تسبى النساء وتباع في أسواق القرن الواحد والعشرين (سبايا الزمن الرخيص / هل مازلت أيتها السماء / تزاولين لعبة السحب الهاربة ) أو ( الشارع العام / عند أول نخلة منكوبة / بالحروب / تقلص رصيفه ) والدلالات واضحة بما رمز إليه الشاعر من النخلة ؟؟ لكنه متقلبا ( بمئات السيناريوهات الجاهزة / لن تقلق أبدا /ستنام دون كوابيس / وتردد عبارة هل أكون او لا أكون ) هذه العبارة الشكسبيرية التي أطلقت منذ أكثر من أربعمائة سنة وظفها الشاعر كي تنسجم مع حياة يومية بلا تلفيق مفعمة بالأسى

لم يلجا الشاعر د علي لعيبي في مجموعته إلى الفخامة والتزويق اللغوي بل حاول جاهدا ان يبسط لغة نصوصه وان لا تكون شاهد زور على واقع

مأزوم وشديد التعقيد

يذكر ان مجموعة الضوء يسرق ظلي صدرت عن دار أمل في دمشق وصمم الغلاف الفنانة التشكيلية أميرة ناجي

وهي الثالثة في سلسلة إصدار الشاعر حيث صدر له (بعينه يقذف القمر ) عام 1997 ومجموعة حلم ابيض عند أسوار بغداد عام 2001