-1-
حين تنتفخ الذات وتستعلي على الناس فتبخسهم حقوقهم ، ولا تتعامل معهم الاّ تعاملاً (فوقياً) معجوناً بكّل ألوان التكبر فان مرّد ذلك ، هو الانحطاط النفسي والشعور (بالدونية) …
ويخيّل اليها سَفَهاً أنها تستطيع أن تغطيّ على ذلك النقص الكبير بالكبرياء الزائف والاستعلاء الذميم …
ولكن هيهات …
انها بذلك تعزل نفسها عن الناس ، فتكون مورداً للاستهجان والازدراء والنفور الشديد …
-2-
ولن تكون الاضرار الاجتماعية جسيمةً بليغة متى ما ظهرت آثار هذه الآفة على فريق بعيد عن السلطة ومسؤولياتها العظيمة .
والمصيبة الكبرى أنْ يرتدي ” السلطويون” ثياب المستكبرين ويتقمصون شخصياتهم غير العائبة بأحد ، والتي لا ترى في مساراتها وقراراتها الاّ الصحة والصواب ..!!
وحينئذ تعظم البلية ، وتنسحب الآثار السلبية على الوطن والمواطنين، لا في الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية والخدمية فحسب، بل في جميع الجوانب والمرافق .
-3-
تبدأ المحنة من شعور ( الحاكم ) بأنه النسخة الفريدة التي لا تُماثِلُها نسخة أخرى في الملكات والمواهب والقدرات والامكانات …
وكل هذا يدعوه الى الاستحواذ على القرارات، والاستبداد والاستئثار ، ولا يرى لأجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة دوراً الاّ تنفيذ أوامِرِهِ وتوجيهاته .
وأما العاملون فيها فلا بُدَّ ان يكونوا طوع أمرِهِ ونهيِهِ، والاّ شملتهم قرارات التنحية والاقالة بل الاحالة الى القضاء ظلما وبهتاناً ..!!
-4-
وهذا ما دعانا للمطالبة بالتغيير بعد أنْ عاش العراق حقبة مثقلة بالأخطاء والمفارقات المرّة …
واستمرت المعاناة ثمانية أعوام عجاف ، هي سنوات المشكلات والازمات والاحتقانات والانتكاسات على جميع الصعد والمستويات .
-5-
أليست النزعة الاستكبارية تتجلّى في اعتبار ” الناقدين ” للفشل الفظيع أعداءً ، وما هم بأعداء ، وانما هم ألسنةٌ صادقة ناطقة بالحقائق ..
وتتجلّى في اعتبار ” المنافسين ” خصوماً ألدّاء، وما هم بخصوم بل هم الحريصون على الاصلاح والانقاذ من براثن التدهور …
وتتجلى في ملاحقة الأحرار الذين يجهرون بآرائهم في ما تعانيه البلاد من ألوان المظالم والفساد وسوء الخدمات .
-6-
وأيُّ استكبار أكبر من إنكار المسؤولية عما حلّ بالعراق ، وقد احتل الأوباش من (الدواعش) ثلث أراضيه واثخنوا أهله بالجراح والمصائب ؟
انّها فصول رهبية لا تنقضي عجائبها وغرائبها ،وهي بمجموعها تشكّل الكتاب الذي سيطول على صفحاته الحساب .
-7-
والغريب انّ السلطويين المتكبرين ينظرون الى كِبرَ الاخرين وينسون أنفسهم ..!!
ومن المفيد ان نذكر خَبَراً تداولته كتب الادب، منقولاً عن الحجّاج بن يوسف الثقفي ، وهو شيخ السلطويين المستكبرين حيث :
” قال رجلٌ للحجاج :
أصلح الله الأمير ، كيف وجدتَ منزلك بالعراق ؟
قال :
خير منزل ، لو كان الله بلّغني أربعة فتقرّبتُ بدمائهم اليه
قال :
ومَنْ هم ؟
قال :
مقاتل بن مِسْمع ، ولي سجستان فأتاه الناس فأعطاهم الأموال، فلما عُزل دخل مسجد البصرة فبسط الناس أَرْدِيَتَهُم فمشى عليها ،
وقال لرجل كان يماشيه :
لمثل هذا فليعمل العاملون
وعبيد الله بن زياد بن ظبيان التميمي ، حَزَبَ أهلَ البصرة أمرٌ فَخطَب خطبةً أوجز فيها ، فنادى الناس من أعراض المسجد :
أكثر الله فينا أمثالَكَ ، فقال :
لقد كلفتّم الله شططا .
ومَعْبْدَ بن زرارة ، كان ذات يوم جالساً في طريق فمّرت به امرأة فقالت:
يا عبد الله كيف الطريق الى موضع كذا ؟
فقال :
لمثلي يقال : عبد الله وَيْلَكِ !
وأبو سماك الحنفي : أضلَّ راحلتَهُ فالتمسها الناس فلم يجدوها فقال :
والله لئن لم يرددُ عليّ راحلتي لا صليتُ له أبداً، فالتمسها الناس حتى وجدوها ، فقالوا :
قد ردّ الله عليك راحلتَكَ فصلّ ، فقال :
عِلمَ الله انها مني صِرّى ، اي عزيمة قاطعة ويمين لازمة “
أقول :
ان السلطوي المتكبّر حكم على نفسه بنفسه من حيث لا يشعر، والاّ فما معنى قول الحجاج ( لو كان الله بلغنّي أربعةً فتقرّبتُ بدمائهم اليه ) ؟!
نعم إنّ الله تعالى يقول في محكم كتابه :
( أليس في جهنم مثوى للمتكبرين )
وحسبهم أنْ يصلوا النار وهي بئس القرار 60 / الزمر