23 ديسمبر، 2024 11:59 ص

حين يستكبر السلطويون

حين يستكبر السلطويون

-1-
حين تنتفخ الذات وتستعلي على الناس فتبخسهم حقوقهم ، ولا تتعامل معهم الاّ تعاملاً (فوقياً) معجوناً بكّل ألوان التكبر فان مرّد ذلك ، هو الانحطاط النفسي والشعور (بالدونية) …

ويخيّل اليها سَفَهاً أنها تستطيع أن تغطيّ على ذلك النقص الكبير بالكبرياء الزائف والاستعلاء الذميم …

ولكن هيهات …

انها بذلك تعزل نفسها عن الناس ، فتكون مورداً للاستهجان والازدراء والنفور الشديد …

-2-

ولن تكون الاضرار الاجتماعية جسيمةً بليغة متى ما ظهرت آثار هذه الآفة على فريق بعيد عن السلطة ومسؤولياتها العظيمة .

والمصيبة الكبرى أنْ يرتدي ” السلطويون” ثياب المستكبرين ويتقمصون شخصياتهم غير العائبة بأحد ، والتي لا ترى في مساراتها وقراراتها الاّ الصحة والصواب ..!!

وحينئذ تعظم البلية ، وتنسحب الآثار السلبية على الوطن والمواطنين، لا في الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية والخدمية فحسب، بل في جميع الجوانب والمرافق .

-3-

تبدأ المحنة من شعور ( الحاكم ) بأنه النسخة الفريدة التي لا تُماثِلُها نسخة أخرى في الملكات والمواهب والقدرات والامكانات …

وكل هذا يدعوه الى الاستحواذ على القرارات، والاستبداد والاستئثار ، ولا يرى لأجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة دوراً الاّ تنفيذ أوامِرِهِ وتوجيهاته .

وأما العاملون فيها فلا بُدَّ ان يكونوا طوع أمرِهِ ونهيِهِ، والاّ شملتهم قرارات التنحية والاقالة بل الاحالة الى القضاء ظلما وبهتاناً ..!!

-4-

وهذا ما دعانا للمطالبة بالتغيير بعد أنْ عاش العراق حقبة مثقلة بالأخطاء والمفارقات المرّة …

واستمرت المعاناة ثمانية أعوام عجاف ، هي سنوات المشكلات والازمات والاحتقانات والانتكاسات على جميع الصعد والمستويات .

-5-

أليست النزعة الاستكبارية تتجلّى في اعتبار ” الناقدين ” للفشل الفظيع أعداءً ، وما هم بأعداء ، وانما هم ألسنةٌ صادقة ناطقة بالحقائق ..

وتتجلّى في اعتبار ” المنافسين ” خصوماً ألدّاء، وما هم بخصوم بل هم الحريصون على الاصلاح والانقاذ من براثن التدهور …

وتتجلى في ملاحقة الأحرار الذين يجهرون بآرائهم في ما تعانيه البلاد من ألوان المظالم والفساد وسوء الخدمات .

-6-

وأيُّ استكبار أكبر من إنكار المسؤولية عما حلّ بالعراق ، وقد احتل الأوباش من (الدواعش) ثلث أراضيه واثخنوا أهله بالجراح والمصائب ؟

انّها فصول رهبية لا تنقضي عجائبها وغرائبها ،وهي بمجموعها تشكّل الكتاب الذي سيطول على صفحاته الحساب .

-7-

والغريب انّ السلطويين المتكبرين ينظرون الى كِبرَ الاخرين وينسون أنفسهم ..!!

ومن المفيد ان نذكر خَبَراً تداولته كتب الادب، منقولاً عن الحجّاج بن يوسف الثقفي ، وهو شيخ السلطويين المستكبرين حيث :

” قال رجلٌ للحجاج :

أصلح الله الأمير ، كيف وجدتَ منزلك بالعراق ؟

قال :

خير منزل ، لو كان الله بلّغني أربعة فتقرّبتُ بدمائهم اليه

قال :

ومَنْ هم ؟

قال :

مقاتل بن مِسْمع ، ولي سجستان فأتاه الناس فأعطاهم الأموال، فلما عُزل دخل مسجد البصرة فبسط الناس أَرْدِيَتَهُم فمشى عليها ،

وقال لرجل كان يماشيه :

لمثل هذا فليعمل العاملون

وعبيد الله بن زياد بن ظبيان التميمي ، حَزَبَ أهلَ البصرة أمرٌ فَخطَب خطبةً أوجز فيها ، فنادى الناس من أعراض المسجد :

أكثر الله فينا أمثالَكَ ، فقال :

لقد كلفتّم الله شططا .

ومَعْبْدَ بن زرارة ، كان ذات يوم جالساً في طريق فمّرت به امرأة فقالت:

يا عبد الله كيف الطريق الى موضع كذا ؟

فقال :

لمثلي يقال : عبد الله وَيْلَكِ !

وأبو سماك الحنفي : أضلَّ راحلتَهُ فالتمسها الناس فلم يجدوها فقال :

والله لئن لم يرددُ عليّ راحلتي لا صليتُ له أبداً، فالتمسها الناس حتى وجدوها ، فقالوا :

قد ردّ الله عليك راحلتَكَ فصلّ ، فقال :

عِلمَ الله انها مني صِرّى ، اي عزيمة قاطعة ويمين لازمة “

أقول :

ان السلطوي المتكبّر حكم على نفسه بنفسه من حيث لا يشعر، والاّ فما معنى قول الحجاج ( لو كان الله بلغنّي أربعةً فتقرّبتُ بدمائهم اليه ) ؟!

نعم إنّ الله تعالى يقول في محكم كتابه :

( أليس في جهنم مثوى للمتكبرين )

وحسبهم أنْ يصلوا النار وهي بئس القرار 60 / الزمر

[email protected]