23 ديسمبر، 2024 5:32 م

حين يتناول الأعلام العربي الشأن العراق بضاعة فاسدة بغلاف أنيق

حين يتناول الأعلام العربي الشأن العراق بضاعة فاسدة بغلاف أنيق

يبدو أن تأجيج الوضع في العراق ومحاولة دق أسفين بين أبناء الشعب العراقي (وليس مكوناته كما جرت العادة في الخطاب السياسي والإعلامي للأسف) أصبح ديدن بعض وسائل الأعلام العربي ومنها صحف عربية مرموقة وذات طابع دولي كصحيفة الشرق الأوسط السعودية. والمتتبع لمقالات الرأي المنشورة في هذه الصحيفة يستغرب من أن طرحها يركز على أن كل مايدور في العراق من أحداث هو بالغ السوء الى درجة أن قيامته قائمة الآن وليس غداً. ويرى المتابع أن جل ما يكتب عن العراق هو عبارة عن تمنيات لزمرة من الكتاب أكثر مما هو توصيف وتحليل رصين للأحداث، أنهم يكتبون ما عن يتمنونه للعراق من سوء واضطراب وصراع وليس تناول أحداث من منظور إصلاح وتهدئة الأوضاع في العراق، مع ملاحظة التركيز على شخص رئيس الوزراء العراقي باعتباره مصدر كل شرور العالم!!  وبنظرة استطلاعية سريعة لعناوين مقالات الرأي في هذه الصحيفة ترى حجم التركيز على شخص رئيس الوزراء العراقي  وليتبين لك مقدار الصداع الذي يسببه هذا الرجل لكتاب مرموقين بمستوى طارق الحميد وعبد الرحمن الراشد ومشاري الزايدي وغيرهم، واليك بعض العناوين(الآن المالكي في عين العاصفة)، (المالكي المختار الثقفي أم المنصور)، (المالكي ومحاصرة كردستان والأنبار)، وربما سيركزون على شخص آخر في حال استبدال المالكي حلول شخص آخر محله.
لنرى ماكتبه عبد الرحمن الراشد مؤخراً في هذه الصحيفة في مقال تحت عنوان (المالكي ومحاصرة كردستان والأنبار) ساخراً من ادعاء الحكومة العراقية من (هناك معلومات استخباراتية عالية المستوى وصلت إلى الحكومة تتعلق بتنفيذ عمليات إرهابية ضد المتظاهرين”!) مشيراً الى انها رواية مزعومة، والغريب انه في نفس يوم نشر الكاتب لمقاله في 15/1/2013 جرت عملية اغتيال استهدفت النائب عن القائمة  المرحوم عيفان العيساوي وهو رجل امتاز بكياسته وهدوئة حتى في ردود أفعاله السياسية وبغض النظر عن مواقفه السياسية.
وتبرع السيد الراشد بإعلانه محافظة الأنبار (اقليماً) بإطلاقه هذا التوصيف حتى قبل اعلان أهالي الأنبار هذا التوصيف على محافظتهم وكأنه المتحدث الرسمي لأهالي الأنبار الكرام، مشيراً الى أن (حكومة المالكي قررت قبل أيام معاقبة أهالي الأنبار، الإقليم الذي يموج بالغضب ضده، ويقود حركة المعارضة الشعبية في العراق) معتبراً أن غلق منفذ طريبيل  (لا يعبر إلا عن قرار سياسي شخصي بمحاصرة (الإقليم!!)، هدفه معاقبة الأهالي جماعيا وإسكات معارضيه بالإلغاء والحصار الاقتصادي.) وكان الأقرب للتصديق لو أنه  قال  أن هدف الغلق هو استهداف (الشعب العراقي) لكن لأمر ما في نفس يعقوب فأنه يعتبر منفذ طريبيل (دليمي بإمتياز) وكأن هذا المنفذ فتح لخدمة محافظة من محافظات العراق وليس لجميع العراقيين من شماله الى جنوبه، لذا فإن المستهدف بنظره يجب أن يكونو أهالي الأنبار حتى لوكان  المنفذ هو رئة كل العراق والعراقيين والبوابة العربية الذي يدفع البعض لقطع وشائج العراق بها والدفع به للاستعانة بطرق ومعابر اخرى  بعيدة عن مع عالمه وحاضنته العربية ودفعه للاقتراب أكثر فأكثر بإتجاه (الحاضنة الصفوية) في الوقت الذي يتباكون فيه على عروبة العراق عملاً بالمثل القائل (رماه باليم وقال له اياك اياك أن تبتل بالماء) وأسمع كلامك أصدق وأشوف أمورك أستعجب. ان محاولة التهييج بهذا الشكل ماهو الامحاولة دعائية رخيصة دأبت مقالات الرأي في بعض الصحف العربية بهدف تشويش الرأي العام  في محاولة لدغدغة أطماع البعض من أصحاب النفوس الضعيفة من التافهين  الذين يفكرون بمصالحهم قبل التفكير بمصالحهم المواطنين العراقيين.
يشير الراشد الى  ان أهمية الأنبار (أكبر أقاليم العراق !!) بانت بعد أن غيرت الحكومة العراقية من سياستها بعد استيلاء (ثوار سوريا) على منافذ سوريا القريبة من البوكمال، وشئ جميل جداً أن يتم تداول مفاهيم مثل ثورة التي ترتبط بمفاهيم أخرى كحقوق الأنسان والإنتخابات وتداول السلطة والديمقراطية والحريات الفردية في القاموس السعودي والصحافة الممولة من قبلهم، ولكن ما لايفهم والمثير للإستغراب هو لماذا يجب أن تُدعم هذه المفاهيم في جميع الدول فيما يتم السكوت عن تداولها في بلدهم ذو البيئة التقليدية الذي هو بحاجة الى التثوير والمفاهيم المرتبطة به أكثر من غيره.
 ويشير الكاتب الى أن الحكومة العراقية قامت  بارسال قوات من (الناصرية) الى إقليم كردستان تحت ذريعة  حماية الحدود مع سوريا (وهو في الحقيقة يريد فتح منفذ لإرسال مساعدات لنظام الأسد) وانه حاول من خلال ذلك معاقبة الأكراد كما يحاول معاقبة أهل الانبار مضيفاً انه (يريد منعهم من إنتاج بترولهم) أي الأكراد ولا أدري هل هو بترول الأخوة الأكراد أم بترول العراقيين جميعاً بما فيهم الأخوة الأكراد علماً ان الخلاف بحسب الأخوة الكرد هو على ادارة الانتاج وليس على عائديته التي هي لجميع الشعب العراقي بحسب رأيهم  لكن السيد الراشد أعطى لنفسه الحق في تحديد عائدية البترول في بلد ليس بلده ولشعب ليس شعبه، وان القارئ ليعجب لهذه الحمية المجانية، وهل سيرض السيد الراشد لو أن أحداً ما منع رئيس الوزراء السعودي (وهل هناك رئيس وزراء!!) او المملكة العربية السعودية من أن يديران ثرواتهم النفطية في (إقليم وامارة الإحساء والقطيف وهي أكبر مناطق السعودية مساحة، وأكثر منطقة يوجد بها النفط في العالم، والتي تقع في شرق المملكة وعلى ساحل الخليج العربي)، اذاً لماذا على السيد الراشد بعد أن (شالته الحمية الزائدة) أن يقدم نفسه مفسراً للدستور العراقي ويحدد ليس صلاحيات الحكومة والاقليم فحسب وانما ليحدد عائدية الثروات النفطية في العراق، لقد كان عليه أن لايذهب بعيداً في تنصيب نفسه مفسراً للدستور العراقي وليكتفي بتفسير (دستور بلاده!!).
ويشير الكاتب إلى أن رئيس الوزراء العراقي (يلعب لعبة أكبر من قدراته) وأنه (يضع قواته على أتم الاستعداد للهجوم على اقليم كردستان، وكانت آخر قوات وقفت هناك هي قوات صدام في أواخر الثمانينات!) ولا أدري كيف أن كاتباً صحفياً كبيراً بمستوى عبد الرحمن الراشد غاب عن ذهنه ان هذه القوات ذهبت الى داخل كردستان عام 1996، الا اذ اكان هناك في نفس يعقوب ضروة لابتسار الحقائق للتأكيد على أمانيه التي ربما  تتحقق وربما لاتتحقق، لكن الشئ المؤسف أن يرى عبد الرحمن الراشد وطارق الحميد ومن يقف ورائهم ان بقاء العراق واحداً أو متحداً أمر خطر على دولهم.
في النهاية يمكننا القول ان العراق سيصبح منافساً اقتصادياً عظيماً لدول الخليج، وسيكون صديقاً وشقيقاً للعرب جميعاً وهم حاضنته الأولى لكن لن يقاتل بالنيابة عن أحد، ويجب أن تكون مسؤولية الإعلامي المرموق هو النقد البناء ودفع السياسيين لمعالجة الأمور وإطفاء الحرائق  لا لصب الزيت على النار.