قال ابن خلكان :
إنّ ابن شهاب الزهري ، كان اذا حلس في بيته ، وضَعَ كُتُبَهُ حوله ، فيشتغل بها عن كل شيء من أمور الدنيا ، فقالت له امرأتُه يوماً :
” والله لهذه الكتب أشدّ عليّ من ثلاث ضرائر “
من حق الزوجة ان تتطلع الي حياة رغيدة هانئة مع زوجها، مغمورة بالحُبّ وعابقة بشذا الإنسجام والوئام ، ولكنْ ليس من حقها أنْ تحول بين زوجها وبين كتبه ومحابره ….
الكتبُ بساتين العلماء – كما قيل – ولن يقوى العلماء والباحثون على حذف مطالعاتهم ومتابعاتهم العلمية التي تستدعي بالضرورة الرجوع الى الكتب والمصادر العلمية – من حياتهم فكما ان (السمكة) تموتُ باخراجها من (الماء) فكذلك العلماء، فان علاقتهم بالكتب علاقة عضوية لايستطيعون الانفكاك عنها بحال .
ان التفرغ للزوجة قد يكون في شهر العسل ، ولكنه لن يكون على مدار الأيام كلها ..، ففي ذلك معنى العزلة وقد يقود الى التخلف عما ينبغي ان يكون عليه العالم من متابعة دقيقة للمعطيات العلمية .
ان التفريط في حق الزوجة مرفوض ، فاذا ما أهملت من قِبَلِ زوجها بشكل كامل ، أحست بالخيبة والضياع ، واشتعل قلبها بالغيرة من الكتب التي حرمتها من زوجها .
وهنا تكون الكتب كالضرائر، ولا شيء أشق على المرأة من الضرّة التي تنافسها على قلب زوجها وأحاسيسه .
ويضرب الرسول الأعظم (ص) أروع الأمثلة العلمية في سيرته مع أهله فيقول :
( خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركُم لأهلي )
وروي عنه (ص) أنه قال :
ان لنفسك عليك حقاً
وإنّ لأهلك عليك حقّاً
فلا يسوغ اذن تضييع حقوق الأهل، فان لهم منك نصيباً لابُدَّ ان يستوفى …
ويبدو لي ان التباين بين الزوجين فكرياً وثقافياً قد يكون هو المشكلة .
فمن الصعب على الزوجة – اذا ما كانت ضعيفة الأدراك لطبيعة عمل العالم وما تقتضيه من مراجعات وتأملات .. – أنْ تهضم ما يقوم به من تماس مباشر مع المصادر العلمية ، وما ينفق من ساعات طوال وهو يفكر بدقائق المسائل وحلولها …
وهذه مسألة لابُدَّ من الالتفافات اليها عند اختيار العالِم لشريكة حياته … فاذا ما أغمض عينيه ورضي ان تكون زوجتُه من الطراز البعيد كليّاً عن الآفاق العلمية ، والشؤون الفكرية والثقافية ، اصطدم بعد ذلك بمشكلة الكتب – الضرائر ، وما ينتج عن هذا الشعور من مضاعفات تُنغص عليه عَيْشَهُ ، وقد تُعيقُه عن المضي في مشاريعه العلمية .
ان هذه المشكلة بالذات – مشكلة التباين الفكري بين الزوجين – كانت ملحوظة بوضوح أيام ابن خلكان، وأيام ابن شهاب الزهري ، ولكنها في أيامنا الراهنة باتت شبه معدومة ، حيث لايقوم المثقفون في الغالب على الاقتران بمن لسن من القريبات الى مستوياتهم الفكرية والثقافية ،
وان كنا لاننزههم عن التقصير في مراعاة أوضاعهن النفسية في بعض الأحايين .
ان على الزوجة الذكية أن تتكيّف مع ظروف زوجها ، محاولةً تذليل الصعوبات وازاحة العقبات من الطريق ، بدلاً من إثارة الشكاوى والظلامات.
وان على الزوج أيضاً ان لاينسى ما تنتَظِرُهُ منه زوجتهُ من اهتمامات حقيقية ، ومشاعر وجدانية …
انّه بالنسبة اليها كنزُها الثمين ، وركنها الركين ، وعليه ان لايجعلها تعيش مرحلة اليبس والجفاف، ولابُدَّ ان يمور في وجهيهما ماءُ الوئام، وتغمر بَيْتَهُما أمواجُ التفاهم والانسجام .