عبارة نرددها دوما لاسيما كبار السن منا يبدون من خلالها تذمرهم وامتعاضهم مما آلت اليه ظروف البلد اليوم، تلك هي عبارة؛ (الله يرحم أيام زمان).. وهم قطعا يحنون الى ماكانت عليه معيشتهم رغم الفاقة والعوز اللذان كانا مرافقين لأغلب شرائح المجتمع العراقي آنذاك، يوم كانوا يسمونها العهود البائدة، كما أنهم من خلال ترديد عبارتهم تلك عن طبيعة العلاقات الاجتماعية التي كانت تسود أفراده على اختلاف طبقاتهم وثقافاتهم، وبما أن ساسة البلد لم يكونوا يوما ما من خارج حدوده، فهم كانوا –كما سياسيو اليوم- عراقيي الجنسية، ومن المفترض أن تسري عليهم قاعدة الأمثال والحكم حالهم كحال المواطن البسيط. وهناك مثل قديم كان أهلونا يرددونه مرارا وتكرارا، وقطعا ماكانوا يريدون من تكراره على مسامعنا إلا حثنا على درء المخاطر التي تحيق بنا، ذلك أن الضرر إذا وقع يصيبنا جميعا، وإن لم يصبنا يطالنا شرره وينال منا شره، ذاك المثل هو؛ (الحايط إذا مال يوگع على أهله) فترعرعنا على مبدأ إبعاد المخاطر البعيدة والقريبة منا على حد سواء، وليس على مبدأ ابو فراس الحمداني:
“إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر”
اليوم يمر عراقنا بظرف عصيب خطير له تداعيات ونتائج وخيمة، إذا لم نأخذ جميعنا بعين الاعتبار هذا المثل، ونطبقه في حياتنا الخاصة مع كل من يجايلوننا وعايشوننا، في البيت.. في الشارع.. في أماكن عملنا، وكذلك علينا العمل بجهد واحد يفضي بنا الى النجاح والفلاح في حياتنا. وكما معتاد.. “تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن”. إذ هناك من يتعمد السير عكس التيار، ويحتكم لخيارات نفسه التي تنحى منحى الشر، وتسعى في طريق الخراب من دون النظر الى عائدية الخراب عليه او على أهله. ومن هؤلاء اليوم نجد الكثيرين ممن يتصيدون في عكر المياه، دون أن يأبهوا بتداعيات الأحداث في قادم الزمان والتي تمس البلاد وبالتالي هي تمسهم أيضا.
ماذكرني بالـ (حايط إذا مال) هو موقف الكتل السياسية من حضور اجتماعات مجلس النواب، إذ يُستشف من خلال مقاطعتهم هذه أنهم لايؤمنون بمثلنا إعلاه، او قد لايعدّون أنفسهم من أهل العراق الذين إذا مال حائطه (لاسمح الله) يميل -أول مايميل- عليهم. وبمقاطعتهم هذه هم يضرون العراق والعراقيين ويربكون العملية السياسية بشكل مباشر. وللمتتبع لاجتماعات المجلس يرى أن هناك بضع كتل تحل دائما محل (سچين خاصرة) أولها قطعا (متحدون) وائتلاف القوى العراقية، وكذلك كتل أخرى تنشب أظفارها في جسد المجلس حين ترى الاستقرار سائدا بين كتله، فتعيد إضرام نيران المنازعات والخلافات من جديد، وأظن مراجعة بسيطة لسلسلة الاجتماعات للسنين الماضية تثبت ماأقول من دون الحاجة الى ذكر واحدة منها في مقالي هذا.
وفي الواقع أن المقاطعة أسلوب دستوري وقانوني نص عليه نظام مجلس النواب الداخلي، ومن حق النائب او الكتلة اتباعه ولكن..! ينبغي أن تصب الغاية من اتباعه في المصلحة الكبرى للبلد، والتي من أجلها تعمل مجالس البلد الثلاث، وبغير هذا فإن المقاطعات هي محاولات تسقيطية، وهي حرب معلنة على سير أعمال البرلمان وكان حريا بالمقاطعين أن يكونوا عونا وليس (فرعون) على أكبر مؤسسة ممثلة للشعب، وهم بمقاطعاتهم المتكررة والطويلة إنما يعملون بالضد من المواطن وعلى وجه التحديد المواطن البسيط الذي لاحول له ولاقوة إلا بالله والصبر على مايفعله به ساسة البلد، أما أعضاء البرلمان -ورئيسه طبعا- فهم بعيدون عن أضرار المقاطعات، وسواء عليهم أطالت أم قصرت! فهم لا خوف عليهم ولاهم يحزنون..!