تنبيه مهم قبل أن تقرأ:
سأتحدث في هذا المقال عن أفكار اقتصادية، لكن بلغة بسيطة ومفهومة. لن أستخدم مصطلحات معقدة أو كلامًا موجَّهًا للخبراء فقط. بل سأشرح الفكرة كما لو كنا في مجلس أو ديوانية، حتى يفهمها الجميع — العامل، والطالب، والموظف، ورب العمل ما هي القيمة المضافة؟
في أي عمل — سواء كنت نجارًا، حدادًا، فنيًا، مبرمجًا، طباخًا، أو حتى قائد فريق في شركة — هناك شيء مهم اسمه “القيمة المضافة”.
وقد تبدو الكلمة ثقيلة، لكنها ببساطة تعني:
ما الذي تضيفه أنت بيدك، بعقلك، بخبرتك، بإبداعك، على الشيء الذي تعمل عليه؟
خذ مثلًا عاملًا يصنع بابًا خشبيًا.
الخشب وحده لا يساوي الكثير. لكن عندما يأتي عامل خبير، يعرف كيف يقطع الخشب، ويصقله، ويركّبه، ويضيف له لمسته — فإن هذا الباب يتحول إلى شيء ثمين.
القيمة التي أضافها العامل بخبرته ولمسته وفنه، هي ما نسميه “القيمة المضافة”.
كيف غيّرت الأتمتة “Automate” هذه العلاقة؟
في الماضي، كانت القيمة المضافة تأتي فقط من جهد العامل المباشر. كلما تعب أكثر، كلما أعطى أكثر.
لكن اليوم، مع دخول الآلات والتكنولوجيا والأتمتة، حصل أمر غريب جدًا:
الآلة قلّلت جهد العامل… لكنها ضاعفت القيمة المضافة!
بمعنى:
العامل لم يعد يحتاج إلى أن يتعب نفس التعب القديم.
بدلًا من أن يعمل 10 ساعات يدوياً، أصبح يعمل ساعة واحدة وهو يشغّل آلة تفعل ما كان يحتاج أيامًا لإنجازه.
النتيجة؟
العامل يتعب أقل
لكن الناتج أكثر
والجودة أعلى
والقيمة المضافة أكبر مثال بسيط جدًا:
في مصنع قديم، يحتاج 5 عمّال لإنتاج 100 قطعة في يوم كامل.
اليوم، عامل واحد يشغّل آلة تنتج 1000 قطعة في نفس اليوم… وربما بجودة أعلى.
من أين جاءت هذه الزيادة الهائلة؟
ليست فقط من الآلة، بل من العامل الذي يتحكم بها، يبرمجها، يراقبها، يوقفها عند الخلل، ويطوّر عملها.
هذا العامل صار أقل جهدًا… لكنه أكثر تأثيرًا.
الآلة لم تسرق قيمته… بل ضاعفتها، بشرط أن يفهم كيف يديرها ويطور نفسه معها لكن… من الذي أعطى الآلة عقلها؟
هنا تأتي نقطة مهمّة جدًا:
الآلة لا تعمل وحدها… ولا تفهم شيئًا من نفسها.
من الذي برمجها؟
من الذي أدخل فيها خطوات الإنتاج؟
من الذي علّمها كيف تتعامل مع الخطأ؟
من الذي نقل إليها خبرة 10 عمّال مهرة؟
الجواب: إنسان.
وكأننا نقول:
الآلة ابتلعت خبرة الإنسان، وأصبحت تُكررها تلقائيًا… لكنها لا تستطيع أن “تخترع” خبرة جديدة دون تدخل الإنسان من جديد.
هل يمكن أن ننسى مهاراتنا البشرية؟
وهنا نصل إلى سؤال خطير:
إذا كانت الآلة تعمل بدل العامل، وتُبرمج نفسها عبر الذكاء الاصطناعي… فهل سيفقد الإنسان خبرته مع الوقت؟
الجواب: نعم، إذا توقّف عن الممارسة.
العقل إذا لم يُستعمل… يضعف
اليد إذا لم تعمل… تنسى
الحرفة إذا لم تُمارس… تموت
والمهارات إذا اعتمدت كليًا على الآلة… تضيع
ومع الوقت… يتحوّل الإنسان من “فاعل” إلى “مراقب”، ثم إلى “عاجز”.
وفي حال تعطّلت الآلة، أو توقّف الذكاء الاصطناعي… لن نستطيع الاستمرار خلاصة القول:
الأتمتة عظيمة، والذكاء الاصطناعي مفيد، لكن الإنسان هو الجوهر.
القيمة المضافة الحقيقية ليست في سرعة الماكينة، بل في عقل من يُبرمجها ويطوّرها.
وإذا لم نحافظ على الخبرة والمهارة والممارسة اليدوية والعقلية، سنصبح مجتمعًا هشًا… يتعطل إذا تعطلت أجهزته تشبيه الختام: الحبل الذي نَمشي عليه
نحن اليوم نسير على حبل مشدود بين جبلين، فوق وادٍ سحيق.
هذا الحبل هو التوازن بين اعتمادنا على الذكاء الاصطناعي، وتمسكنا بمهاراتنا البشرية.
فإذا اهتزّت الأرض… أو انقطعت الكهرباء… أو تعطّلت الآلة…
سقَط كل شيء.
لذلك، فلنحذر من أن نسلّم مستقبلنا لعقل صناعي، ونُهمّش عقلنا البشري، الذي هو أصل كل شيء.