في يوم 23 كانون الثاني عام 2016 ، كتبتُ في صحيفة ” الزمان ” بطبعتيها المحلية والدولية ، مقالاً بعنوان ( ابو كَاطع ) تحدثتُ فيه عن سمة الوفاء الشاسع الذي يضمه قلب نجل الكاتب الكبير و الظاهرة الوطنية شمران الياسري ( ابو كَاطع ) ، انه قلب السيد ” إحسان الياسري” هذا القلب الذي يملأه فخرا وامتنانا بأبيه .. الرجل الذي غادرنا قبل نحو اربعين عاما ، لكن شهرته ، توالت وتوالدت عبر سنوات من العطاء الاعلامي والثقافي والسياسي ، وهذا العطاء كان وفيرا ومحببا للمتلقين ، فبقيت خالدة في الذهن وتترد على الالسن جيلاً بعد جيل .. ولعل كلمته الشهير ( احجيها بصراحة يا بوكَاطع ) بقيت علامة لا يمحيها الزمن .. فعقله كان اكبر من عمره ، وقلبه لا ينبض له وحده ، ولهذا فان فكره وحسه سبقا جيله ، بل سبقا عمره ، ومن اجل هذا تعرض لكثير من الهجوم ولكنه لم يهتز ، لأنه كان يؤمن بعقله وقلبه ، والذين هاجموه عن حقد غفر لهم والذين هاجموه عن غير فهم ،غفر لهم ..!
شخصياً ، تعرفتُ على الكبير شمران الياسري في العام 1975 حين كلفني رئيس تحرير جريدة ” الثورة ” طارق عزيز وكنت رئيسا لقسم المحليات، كتابة موضوع عن ناحية ( الفهود ) في اعماق الناصرية ، بما يشبه الرد على ما كتبه الياسري عن البؤس الذي تعانيه الناحية في جريدة ” طريق الشعب ” … ومعروف ما يحمله نهجا ( الثورة وطريق الشعب ) من تضاد بالرؤى والفكر.. لكني حين عدتُ من مهمتي ، لم اكتب التحقيق الصحفي الذي كلفتُ به للرد على الياسري ، بل كتبتُ تقريرا الى رئيس التحرير مؤكدا ، صدق ما كتبه الياسري ، وللأمانة التاريخية ، اذكر ان رئيس التحرير اقتنع ، وثمن صدق ما اوضحتُ وشكرني ، وطلب إهمال موضوع الرد الصحفي ، واكتفى بتحويل ملاحظاتي الى الجهات المختصة لمعالجة الأمر .. وفي مدة لاحقة ، رن هاتف الصحيفة.. كان المتصل الياسري ذاته ، ويبدو ان احداً ممن التقيتهم في ناحية ” الفهود ” اخبره بالزيارة وبإسمي .. كان صوت الرجل ، يحمل دفئاً ومودة لازلتُ اتذكرها … فنشأت بيننا منذ ذلك الحين ، صداقة استمر ضوعها لسنين لاحقة ، تشهد عليها ايام بيروت وهنكاريا حتى توفاه الله في حادث سير .. طيب الله ثراه ..
قد يسأل المرء ، عن المناسبة التي دعت لكتابة هذه السطور ، فأجيب انها المواقف المؤلمة التي مر بها ، نجله الوفي الاستاذ إحسان ، مؤخرا ، حيث توفى شقيقه السيد فائز ، والسيد علي احد ابناء عمومته في اسبوع واحد وفي ايام متقاربة ، وقد هزتني كلماته ازاء تلك المواقف ، ففي رد اخوي ضمه ” كروب بيت شمران الياسري الثقافي ” على سيدة من عضوات الكروب قال (.. هذا الاسبوع كان الأطول عليّ ، فقدت فيه اخا عزيزا ، وابن عم عزيز … الثلاثاء 30 اذار مات فائز ، والسبت 3 نيسان مات علي .. ثم من الاحد باشرت بالدوام ، وبعد الدوام بدأ مجلس استقبال المعزين الى العاشرة ليلا ولغاية يوم الاربعاء.. كانت أيام طويلة ومتعبة ، وفي الخميس جئت للكوت. ومن فرط التعب نمت مبكراً .)
وفي سطور اخرى ، آلمتني جدا .. كتب : ( مات فائز، ولم تزل في الحياة فرصة أن نعيشها معا .. رحمك الله اخي ونور عيني ومعلمي وسندي ، أي درس أن ترحل وعقلك يتقدُ بهجةً وأملا.. إلى جنات الخلد أخي فائز، فمثلك يستحق الحزن عليه )
غير ان قراره ، ببناء قبر رمزي لأبيه ( ابو كَاطع) في النجف الاشرف ، الى جانب قبر شقيقه فائز ، كان قمة الوفاء والانسانية ، وحينما سأله سائل عن سبب بناء القبر ، بينما السيد شمران، مدفون بمقبرة للشهداء خارج العراق ، ذكر كلمة ابكتني : كي لا ينساه أولادنا ..
العزيز ابا زينب ، ان الانسان بلا وفاء لأهله واسرته ومحبيه مثل قنديل بلا زيت .. فلك قبلة على جبينك الوضاء وانت ترسم طريقاً لوفاء الابناء لآبائهم وذويهم ومجتمعهم .. بوركت