22 ديسمبر، 2024 11:06 م

حينما يكون العراق المحطة الخارجية الاولى للرئيس الإيراني الجديد

حينما يكون العراق المحطة الخارجية الاولى للرئيس الإيراني الجديد

أعلنت أوساط سياسية وإعلامية حكومية وغير حكومية ايرانية، أن الرئيس الجديد مسعود بزشكيان، سيزور العراق منتصف شهر ايلول- سبتمبر الجاري، تلبية لدعوة رسمية تلقاها من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

  وستكون هذه الزيارة في حال تحققت، المحطة الخارجية الاولى للرئيس بزشكيان بعد توليه المنصب ونيل حكومته ثقة مجلس الشورى الإسلامي الإيراني(البرلمان).

   ولاشك ان ذلك ينطوي على دلالات مهمة، ويؤشر الى حقائق جوهرية، حول رؤية طهران للعلاقات العراقية-الايرانية، بصرف النظر عن هوية من يشغل منصب الرئيس في ايران، وبصرف النظر عن الكثير من التجاذبات والمشاكل والازمات في المشهد السياسي العراقي العام. بتعبير اخر، تولي طهران اهمية كبيرة جدا لبغداد، مثلما تولي الاخيرة ذات الاهمية لطهران، لاعتبارات ودواع واسباب مختلفة.

   وفي الثامن من شهر تموز-يوليو الماضي، وبعد اعلان فوزه بالانتخابات، قال بزشكيان خلال اتصال هاتفي مع الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، “اننا نولي أهمية كبيرة لبلد العراق العظيم، وان البلدين-يقصد العراق وايران-لديهما وجهات نظر ومواقف مشتركة في العديد من المجالات، وهو ما يناسب تعميق العلاقات وتطوير التعاون”. ولعل هذه اشارة واضحة من  الرئيس الايراني الجديد على حرصه لادامة وتعزيز العلاقات والروابط مع البلدين الجارين في كل الجوانب والمجالات، بما ينسجم مع مصالح الطرفين، وبما يسهم في تعزيز الامن والسلام في المنطقة، وكذلك تقوية وترصين جبهة المقاومة، التي يعد كل من العراق وايران، اطرافا محورية ومؤثرة فيها.  

   ومن خلال تتبع مسيرة العلاقات العراقية-الايرانية على امتداد العشرين عاما المنصرمة، يمكن تحديد ثلاثة مستويات لهذه العلاقات، مستوى يتمثل بالتوافق والتفاهم والانسجام في الرؤى والمواقف والتوجهات في الاطار العام الشامل، رغم وجود العراقيل والمعوقات من هنا وهناك، وقد برز ذلك واضحا على صعيد التعاون والتنسيق في محاربة الارهاب، سواء تنظيم القاعدة او تنظيم داعش، اذ ان دور ايران في مساعدة العراق بهذا الجانب، كان محوريا وحاسما في كثير من الاحيان، وهذا ما اقر به الساسة والمسؤولين العراقيين قبل الايرانيين.

   اما المستوى الاخر، فيتمثل بوجود عقد واشكاليات الى جانب التوافقات والتفاهمات، وهذا نجده فيما يتعلق بالملفات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وتلك العقد والاشكاليات غالبا ما يكون طابعها فني، وان كانت بعض دوافعها ومحركاتها سياسية، وهذه لاتؤثر في الثوابت والمباديء التي تستند اليها، ويتحرك على ضوئها ايقاع العلاقات بين بغداد وطهران، كما هو الحال مع ملف تصدير الغاز الايراني للعراق واستحقاقاته المالية المتلكئة في اغلب الاحيان.      في حين يتمثل المستوى الثالث، بقضايا خلافية عالقة تعود جذورها الى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ترتبط بترسيم الحدود وتعويضات الحرب(1980-1988)، ومصير ما تبقى من الاسرى والمفقودين من الطرفين، فضلا عن مشكلة الحصص المائية في الانهار المشتركة.

   وبالرغم من عدم حسم ملفات المستوى الثالث، الا انها في واقع الحال، لم تشكل عائقا حقيقيا امام استثمار الفرص والافاق المتاحة لتحقيق اكبر قدر من المنفعة لكلا الطرفين، فحجم المبادلات التجارية السنوية، الذي تجاوز العشرة مليارات دولار خلال الاعوام القلائل الماضية، بحسب مصادر رسمية وغير رسمية، وازدهار السياحة الدينية والطبيعية، وتنامي التعاون في قطاعات البناء والاعمار والصحة والتعليم، كل ذلك وغيره، يؤشر الى ان كل من طهران وبغداد تدركان اهمية التركيز على نقاط الالتقاء اكثر من التوقف كثيرا عند نقاط الافتراق.

  وهنا فأن حكومة بزشكيان، لابد ان تحرص على عدم التفريط بما هو متحقق من مكاسب وانجازات في مسيرة العلاقات مع بغداد، وهذا ما اشار اليه الرئيس بزشكيان، وكذلك ما اشار اليه الرئيس الراحل السيد ابراهيم رئيسي بعد توليه المنصب في منتصف عام 2021، وما شدد عليه رؤساء ايران السابقين.

   في  مقابل ذلك، فأن اصحاب القرار في بغداد، ينظرون بعين الاهمية الى ادامة وتعزيز العلاقات مع طهران، وخلال زيارته للاخيرة في شهر كانون  الاول-ديسمبر من عام 2022، اكد محمد شياع السوداني، “ أن العراق لا ينسى دعم إيران له منذ عام 2003 ومحاربة عصابات “داعش” الإرهابية، وأن الزيارات واللقاءات ضرورية للدفع بتفعيل النشاطات في جميع المجالات”. وثمن السوداني في حينه “موقف إيران الداعم للعراق في إمدادات الغاز”.

   ولاشك ان الملفات التي سوف يبحثها ويناقشها الرئيس بزشكيان مع كبار المسؤولين العراقيين، هي ذاتها التي دوما ما كانت حاضرة على طاولة الحوار العراقي-الايراني، على كل الصعد والمستويات، وفي كل الجوانب والمجالات.

  فهناك المصالح الاقتصادية المشتركة والمتبادلة، وهناك التحديات الامنية، وهناك زيارة الاربعين وما ينبغي على البلدين فعله والتنسيق بشأنه لتحقيق المزيد من النجاحات فيها، وهناك المواقف السياسية المتطابقة حيال جملة من القضايا والشؤون الاقليمية والدولية، لعل في مقدمتها دعم القضية الفلسطينية ومؤازة الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الكيان الصهيوني الغاصب، فضلا عن السعي لانهاء الوجود الاميركي في العراق. 

   الى جانب ذلك، فإن بغداد اضطلعت بدور ايجابي فاعل في حلحلة الازمات بين طهران واطراف اقليمية ودولية، علما انها، خلال الاعوام الثلاثة او الاربعة الماضية، تحركت بهذا الاتجاه، ونجحت في جمع ممثلين عن الحكومتين الايرانية والسعودية حول طاولة واحدة، وسط ترحيب وارتياح من طهران والرياض. ولاشك ان انفراج الازمات وحلحلة المشاكل بين هذين الخصمين التقليديين، كان له انعكاس ايجابي ملموس على مجمل الوضع العراقي واوضاع المنطقة.

     وكلما كانت علاقات بغداد وطهران راسخة، ومساراتها محددة وواضحة، وطبيعتها استراتيجية عميقة، كلما انعكس ذلك ايجابيا على مجمل الحراك في الفضائين الاقليمي والدولي، وبالتالي، حلحلة الكثير من العقد والاشكاليات.

   سيأتي الرئيس بزشكيان الى بغداد، والعلاقات العراقية-الايرانية تكون قد تجاوزت نطاق الدوائر السياسية والدبلوماسية الخاصة، والمساحات الاقتصادية والمالية المحصورة في نطاق الشركات والمؤسسات الكبرى وأصحاب رؤوس الأموال، الى الفضاءات الاجتماعية والدينية والثقافية والاكاديمية المختلفة، وما مناسبة عظيمة مثل زيارة الاربعين الا مصداقا بارزا، أظهر البعد الشعبي ذي الافق الواسع للعلاقات بين الجانبين.

   بعبارة اخرى سيأتي بزشكيان لاكمال طريق طويل قطع فيه الذين سبقوه اشواطا طويلة، ومحطات كثيرة، ومراحل عديدة.