الإنسان ابن بيئته، ينطلق منها، وينهل من عواملها المشعبة،ويصاب بالاغتراب الروحي في حال ابتعد عن واقعه المحليلأسباب المغايرة وكسر باب التقليدية، وغيرها من المبررات التييسعى إليها بعضهم لكسب فئات معينة من المشاهدين تريد أنتشعر بمتعة التجديد الطارئ على المجتمع العراقي .
مسلسل (حيرة) الذي يعرض الذي قناة (abc عراق) منالأعمال الدرامية التي تصنف على أنها عراقية تحاكي الواقعالمعاصر ومشكلاته المعقدة. ولكنها أخطأت في بعض تفاصيلهابإصابة لب معاناة المجتمع العراقي، وشرح خصوصيته التييتفرد بها عن بقية المجتمعات.المسلسل من سيناريو وتأليفحامد المالكي، ومن بطولة ألكسندر علوم، زهراء بن ميم، إيادالطائي، براء الزبيدي أنعام الربيعي وغيرهم .المسلسل بنيتحبكتهُ الدرامية على الدهاء والمكر وحسن التصرف والنباهة وغير من أدوات صراع الخير والشر التي تسود اغلب الأعمالالدرامية . و يمتاز هذا النوع من المسلسلات ذات الصبغةالبوليسية. ولكن في (حيرة) صُورت الطيبة والعفوية والبراءةعلى أنها بلادة مفرطة قد تصل إلى درجة حد السذاجة فيعدم التعامل مع الأحداث بواقعية، وهي تكرر في كل مرة. وهنالابد للإنسان الفطن مهما بلغت طيبته من حسن الانتباه فيعدم الوقوع في نفس الخطأ، وعدم تكراره في قادم الأيام . عندالوقوف عن بعض المشاهد نجد سلسلة من التجاوزات أربكتالعمل، كما في مشهد دخول سمر(زهراء بن ميم) إلى شقةفريدة (براء الزبيدي) وسرقتها أوراق مهمة، حيث كأنها تُركتمفتوحة كي تسرق بقصدية مفرطة تنز منها رائحة الساذجة منقبل شخص جرب عدوه ومكره ،فضلا كيف خرجت (سمر) منشقة غريمتها دون أن يلحظها جمال (اسكندر علوم) الذي كانفي الانتظار عند البوابة الوحيدة ،اللهم إلا أنها خرجت منالسطح! مشهد أخر هو دخول سمر إلى مكتب سُهيل (حيدرعبد ثامر)، وعملية تبديل (فلاش رام) بطريقة شالوك هولمزية،ولكن كيف عرفت أن سُهيل كان لديه نفس النوعية حتى يتم مبادلته؟! وكيف عرفت انه سيحرق (فلاش رام) دون فتحه ؟! علماً انه قبل دخول سمر كان سيقوم مسحه بواسطة الحاسوب.
يمكن أن نضيف عنصرا سلبياً للمسلسل هو غربة المكان حيثتبدو الأجواء بعيدة عن محلات العراقية، وحارتها الشعبية ،برغم الجهد المبذول في خلق أجواء مقاربة، ولكن بعض الأمور تشيرإلى غير ذلك كأن العراقي يشاهد مسلسلا تركيا مدبلجا . ولعل طول حلقات المسلسل إضافة إليه نوعا من المماطلة واللفوالدوران في الوصول إلى نهاية قريبة. هذه الإطالة أرهقتالمتابع، وشتت الموضوع ، وجعلته يبحث عن الجزئيات في سبيلإضاعة الوقت والدوران في حلقة مفرغة. ويبدو من المقدماتوالإحداث أن المسلسل يتجه نحو نهاية الأفلام الهندية ،وانالعدوتين هما الأختان ولكن الظرف باعتهما ,والله اعلم!.الممثلون المخضرون كإنعام الربيعي التي ضاعت وهي تؤدي دور الأم ،وقد عرفها المشاهد العراقي فنانةً مبدعةً في الأدوار الشعبية ،ولكن يبدو أن الدور لم يكن يناسب وإمكانياتها الفنية.
مع كل هذا يمكن أن نلمس إبداعا رائعا في تجسيد الشروالحقد الدفين لسمر( زهراء بن ميم ) التي استطاعت أن تكون بقدرة هذه الشخصية الشريرة لدرجة كره المشاهدين لها، وهوتوجه ايجابي يحسب للمسلسل في ظل أزمة للبحث عن هوايةخاصة به تضيف انجازا جديدا للإعمال العراقية . يبدو إن(حيرة) ليس سوى رقم جديد يمكن أن يضاف إلى قائمة طويلةمن المسلسلات المعاصرة فقد عنصر الإبداع الذي يحتممشاهدة عمل معين أكثر من مرة ولو بعد سنوات طويلة. وهذاهو السر الذي جعل بعض المسلسلات تُخلد مع اختلافالأجيال والزمن لان عنصر الإبداع الفني المؤثر هو الذي فرضنفسه على المتلقي العراقي .