لا ينطبق من وجهة نظري لقب مراسل حربي على حيدر شكور. الوصف الاقرب له هو انه جندي برتبة مراسل. فما كنا نشاهده من تغطيات يقوم بها من على شاشة قناة “العراقية” حيث يعمل امر مختلف الى حد كبير عما يقوم به المراسلون الحربيون في الحروب. وكنا نحن في العراق طوال العقود الاربعة الماضية خضنا ومازلنا حروبا دفع مئات الصحفيين ارواحهم ونصف اجسادهم ثمنا لها شهادة وعوقا. لكن مع ذلك ارى ان حيدر شكور الذي اصيب في معركة بيجي بعد ان نجا من معركة جرف الصخر ظاهرة مختلفة.
مهمة المراسل الحربي تختلف عن مهمة الجندي الى حد كبير. فكما للحروب تقاليدها في المواجهة مع العدو فان لتغطياتها تقاليد هي الاخرى. وفي كلتا الحالتين فان هناك مسافة لابد منها بين جندي الخطوط الامامية والمراسل الحربي الذي غالبا ما يكون في الخطوط الخلفية نوعا ما يحظى بشكل من الاشكال بدرجة حماية تؤمن له امكانية ايصال الاخبار والصور من ارض المعركة الى الوسيلة الاعلامية التي يعمل لصالحها. حيدر شكور كسر هذه القاعدة. في قناة “العراقية” حيث حللت ضيفا على احد برامجها الحوارية الخاصة بتغطية معارك جرف الصخر وجدت حيدر الذي اشركه مقدم البرنامج المتميز حيدر زوير من اجل تقديم وصف ميداني امام المشاهدين. ولمدة نصف ساعة كان حيدر يصف لنا وقائع حرب كجندي حجابات يقاتل في الكاميرا وينقل لعلعة الرصاص الى الناس غير عابئ بشئ.
لعل أهم ما يمكن الانتباه اليه انه وبرغم كل ما شاب اداء المؤسسة العسكرية من ملابسات لاسيما بعد احداث الموصل, فإن اندفاع الجنود وحماسهم في الحرب منح العراقيين املا بان مؤسستهم العسكرية مازالت بخير. وما كان ذلك سيتحقق على النحو الذي شاهدناه لو لا كاميرا حيدر شكور الذي كان واحدا من هؤلاء الجنود. اداء الجندي العراقي لم يتغير. كانت ومازالت الحاجة ماسة الى تغيير قناعات الناس بان ما حصل في الموصل من انتكاسة عسكرية لايتحملها الجنود من امثال حيدر شكور بقدر ما يتحملها الجنرالات المحميين في المواقع البعيدة عن مرامي النيران. مع ذلك فان بعض النكسات ضرورية في الحروب. فما ظهر للعيان فيما بعد لاسيما على صعيد ارتفاع مستويات الفساد بين كبار الجنرالات كان لايمكن ان يؤدي الا الى نتيجة مثل تلك التي حصلت.
بيد ان الامور بدات تتغيير, ومستويات الحماس هي التي بدات ترتفع. وبالعودة الى ما صنعه حيدر شكور فانه من خلال المشاهد الحية التي كان يعرضها متقدما الصفوف الامامية للمقاتلين من صغار الجنود عمرا ورتبا فانه اعاد للجندية العراقية هيبتها واعتبارها وهي غير ابهة بالرصاص الذي كانت تتلقفه صدور هؤلاء الرجال ومنهم شكور نفسه الذي لم يكن يفكر على الاطلاق في ان ما يقوم به مجرد عمل صحفي بل مهمة وطنية انتدب لها نفسه مهما كانت النتائج او التضحيات.