توقفت طويلا مع البيان الأول لرئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي الى الشعب العراقي … ولعلي قد توقفت أكثر فيما بين سطور ذاك البيان ! … ووجدت الرجل الذي قدمه الكثير باعتباره أكاديمي متفتح … وبغدادي متمدن … روضت سنين عيشه في بريطانيا بعض نزعاته الطائفية … وأخرجته من ضيق حزبه إلى سعة الوطن …وجدته ما زال متخندقا داخل طائفته فطامها … أسيرا لبعض العقد الضيقة التي لا يريد الخروج منها ( أو على الأقل يخشى الإفصاح عن الخروج المبكر منها … إذا ما أحسنا الظن به ! ) تلك العقد التي أوردت العراق المهالك على يد مجرم بني مالك ! … بل تلك الحقبة الدعوجية التي سلم فيها بئس السلف ( الجعفري ) الى بئس الخلف ( المالكي ) راية الطائفية والإستئصال … وثبتوا فيها ثقافة الكراهية والقتل والإعتقال والتهجير في العراق المكلوم … حتى صارت واقعا سياسيا وإجتماعيا يصعب الخلاص منه … إلا ما شاء الله .
وحتى لا نظلم الرجل … فقد كانت لهجته في بيانه الاول ألطف من لهجة المالكي الأجرامية والاستعدائية … وأقل شرا من متاهات الجعفري التفيقهية اللئيمة … ولكنها لم تمثل الحلم والأمل للعراقيين بعد زوال غمة المالكي … وهي بالتأكيد لم تسعهم جميعا … وحتى لا أطيل في الوصف أنتقل مباشرة الى تحليل الرسائل التي تضمنها بيان العبادي الأول الى الشعب العراقي .
ومن باب الإنصاف نذكر بدايةً المحاسن الثلاث التي تضمنها البيان :
أولا: جميلٌ ذكره للتحديات التي تواجه وحدة العراق … والأجمل ذكره للنسيج الإجتماعي العراقي وهو الأغلى والأحق بالدفاع عنه .
ثانيا: جميلةٌ دعوته للدول الشقيقة والصديقة لمساعدة العراق بدون تشنج أو إستعداء .
ورية حل مشكلات العراق الدست( وضع رؤية وطنية مشتركة لـ حثه للكيانات السياسية ل ثاثا: جميلٌ… وليس فقط للإتفاق على المناصب وتشكيل الوزارة القادمة . والسياسية والإقتصادية )
أعود وأقول … أنت يا عبادي رئيس وزراء لكل العراقيين … من هنا كنت أتمنى أن تراعي ذلك في خطابك وتُشعر كل من يسمعك أنك تُخاطبه … وتختار جملك الخطابية بعناية ودراية … وتوزعها بالعدل على جميع بالعدل … من أعلى قمة جبل في دهوك إلى آخر نخلة في الفاو … ومن أول غصن شجرة برتقال في ديالى حتى آخر بيت شعر بي الأنبار … هكذا كنا ننتظرك ! … لا أن تعود علينا ياعبادي بتلك ميع القوى ( وأدعو جالفرقة والعداوة والبغضاء … لقد قلت في بيانك : المصطلحات التي لم تزرع فينا إلاتستثنيهم … … والجميع اليوم بات يدري من تريد أنالسياسية المؤمنة بالدستور والعملية السياسية ) فانت بالتأكيد لا تقصد إستبعاد ميليشيات عصائب أهل الحق لأنها مؤمنة ( من وجهة نظركم ) بالعملية السياسية رغم إجرامها بحق العراقيين !!! … ولكنك تقصد ( والله أعلم ) جماهير الحراك الشعبي في المحافظات السنية المنتفظة لحقوقها … وقد أحرقتها شمس الصيف قبل أن يحرق قادة العملية السياسية حقوقها الشرعية .
لقد آن الأوان ياعبادي أن تتغيرتفسيراتكم العرجاء لتلك المصطلحات التي طالما أعلنت براءتها من مفاهيمكم وتأويلاتكم المريضة !!! …إذا ما كنت صادقا في دعواك للإصلاح والتغيير … ولا تنس أنكم (سواء كنتم
في حزب الدعوة أو التحالف الوطني ) كنتم أول وآخر من أضحك العالم علينا وقد أتخذتم الدستور العراقي عضين ( تختارون منه ما يوافق هواكم وتذرون منه ما يعارض مصالحكم )… والأمر ياعبادي يحتاج منك إذا ماعزمت الإصلاح إلى تضحية وشجاعة لا ينساها لك الآخرون وانت تعيد ميزان العدالة والمساواة الى وضعه الصحيح.
ووقفة ثانية أقفها معك يا عبادي من خلال شكرك لكل العراقيين في بيانك وبشكل عام … بينما خصصت تقديرك وإشادتك وشكرك وثناءك على شرائح معينة دون غيرها ! … وهي كلها من طائفتك !!! … وهنا أنقل نصوص ما قلت … حتى لا يقال إني أتصرف في النقل :
جاعة دفاعا عن الش(أشيد بدور المرجعية الدينية الرشيدة التي وقفت وما زالت تقف بمواقفها : أولا: قلت. العراق )
لدعوة الإسلامية ( أشيد بالتحالف الوطني العراقي ومنها مكونات إئتلاف دولة القانون وحزب اثانيا: قلت . )
. مالكي )ال( أشيد كذلك بالجهود الهائلة التي بذلها دولة رئيس الوزراء الأستاذ نوري ثالثا: قلت
لمرابطة والدفاع ية والمجاهدين والمتطوعين والعشائر الثائرة الى ا( القوات المسلحة والأمنرابعا: قلت . ) عن الوطن ونشيد بحجم التضحيات التي قدموها من أجل وحدة العراق وسلامة أبنائه
كنت أتمنى عليك ياعبادي أن تخرج من دائرة طائفتك ( ولو متكلفا ) في بيانك الأول للشعب العراقي مبتعدا عن مسميات تفرق أكثر مما تجمع … وعن معان تغلض القلوب أكثر مما تؤلفها … فالعراق نصفه أو يزيد ليس ممن يتبع مرجعيتك الدينية … والعملية السياسية لا تضم بين جنباتها التحالف الوطني فحسب بل كتلا أخرى كانت أكثر نبلا في تقديم مصلحة الوطن على مصالحها الذاتية … ولا تنس أن حزب الدعوة الإسلامية كان رأس الفتنة والخلاف خلال سنين حكمه البغيضة في عراق ما بعد الإحتلال فأي شكر وأي ثناء ترسله إليه !… والمجاهدين والمتطوعين كما أسميتهم هم اليوم ميليشيات ومغتصبين ويمثلون رأس فتنة طائفية وأذناب دول أجنبية في عمليات إبادة بشرية وتهديم للبنى التحتية في المحافظات التي خرجت على سياسات ظلم وإستئصال المالكي وحزبه زبانيته … وبالتأكيد أنت لا تقصد بثوار العشائر أولئك الرجال الذين انتفضوا على ظلم المالكي ! … وانما تقصد العملاء من عبدة الدينار والمنصب والذين تم شراؤهم من أبناء تلك المحافظات ! … أما شكرك للمالكي فاتمنى أن يكون درءا لمفسدة قد يقوم بها لو قلت غير ذلك ! … أو إتقاءا لشره ! … وإلا على ماذا تشكر … ولا أزيد ! .
وهنا ياعبادي … أتمنى أن تستغفر لذنبك وقد كنت إلى الأمس القريب … أداة من أدوات المالكي في عهده الدامي … ومؤيدا لمجازره وجرائمه … ومُبررا ومروجا لما أحدثه من شرخ وهتك في النسيج الإجتماعي العراقي الذي تدعي الحرص عليه … وهذا ما يرتب عليك توبة نصوحا وجهدا مخلصا ومصداقية يحس بها المظلومون .
ياعبادي … كنت أتمنى عليك أن تكون قد أعددت رسائل خطابك بعيدا عن خفافيش الظلام من الطائفين والحزبين المغلقين … ليكون لبقية أبناء وطنك ( ممن يخالفون المذهب أو القومية أو الفكر ) مكانا في بيانك … فتسعهم بعض رسائلك … ويشملهم بعض دعمك وشكرك .
عراق اليوم ياعبادي هو ليس مجرد عمائم سود تسمع وتطاع … أو حزب أوعد وقائد أوحد … أو ميليشيات بربرية تقتل وتهجر بغطاء الجهاد الكفائي … إن العراقيين اليوم جمع من مظلومين وقد نفد صبرهم … وهم يُستأصلون ويهجرون ويُقتلون ويُعتقلون ويُهمشون … حتى باتوا غرباء في أوطانهم ! … هذا إذا ما بقي لهم وطن ! … وهم يعيشون بين مطرقة البراميل المتفجرة والقصف العشوائي والقتل والنهب ممن يرتدون الزي العسكري بحق أو بغير حق … وسندان داعش المارقة التي ما صنعها المجرمون إلا لتكمل ذاك المشروع الأصفر .
كما كنت أتمنى عليك ياعبادي … أن تستوعب إخواننا في كردستان … الكرد منهم والمهجرون … وداعش المجرمة تطرق أبواب إقليمهم … في رسائل تشعرهم بها أنهم شركاء الوطن الأصلاء مع إخوانهم العرب والتركمان وسائر القوميات والأديان والمذاهب … ورسائل أخرى غابت عن بيانك بحق إخواننا وأهلنا المسيحيين والإيزيديين كان من الممكن أن تزحزح بها بيانك من بيان رئيس وزراء شيعي إلى مرجعيته وكتلته وحزبه وطائفته … إلى بيان رئيس وزراء العراق كله إلى الشعب العراقي كله … اللهم هل بلغت … اللهم فاشهد .