في ثمانينات القرن المنصرم ، دفعت الرجعية العربية ممثلة بالسعودية والبلدان الخليجية ، العراق نحو حرب طائفية بين العراق وايران ، راح ضحيتها الملايين من الطرفين ، وانفقت في سبيلها اموالا طائلة ، لو كانت وجهت صوب الاعمار والتنمية ، لكان العراق اليوم في مصاف البلدان المتقدمة ، وفي ظل تلك المعمعة منحت السعودية صدام حسين مساعدة مالية قدرها (16 ) مليار دولار ، انفقها بطل التحرير القومي وحامي البوابة الشرقية ، على شراء الاسلحة ، وبعد احتلاله الكويت وخروجه المذل منها ، طالبته السعودية بتلك الاموال ومعها الفوائد المترتبة عليها ، والمضحك هو ان السعودية عندما تضع أموالها في البنوك الغربية والامريكية ، فإنها لا تطالب بفوائد ، لأنها تعتقد ان تلك الفوائد ربا ، ولكنها عندما وصلت النوبة الى العراق ، تناست فتاوى هيئة كبار العلماء …
بالمقابل بعد سقوط الطاغية ، وجد العراق نفسه وحيدا في الساحة ، فلجأ الى الجارة ايران ، لمساندته ، ورد الجميل لها ، ولاسيما ان معظم رجال الحكومة ونسائها ، كانوا يتلقون المساعدة والمساندة منها ابان فترة حكم الطاغية ، فلم تبق ايران حجرا في العراق الا ازاحته ، لترى ان كان تحته حبة قمح تنفعها في تخفيف معاناتها ، من جراء الحصار الدولي المفروض عليها ، فاصبح العراق بالنتيجة مقاطعة تابعة لإيران .
الان ايقن حيدر العبادي ان العراق اذا بقي يدور في فلك ايران فانه سوف يعلن بعد اعوام قليلة افلاسه ، على الصعد كافة ، وحتى يخرج من هذه الاشكالية ، نأى الرجل بنفسه عن توجهات الاحزاب الدينية الشيعية العراقية ، وطلب من امريكا ضم العراق الى جانبها واخراجه من عنق الزجاجة الايرانية ، ذلك لان لا بديل للعراق سوى ان يفعل ذلك ، اذا اراد ان يخرج من دائرة صراع النفوذ الدائر في المنطقة ، بين ايران والسعودية ، باقل الخسائر ، بعد ان اتخذته تلك القوى ساحات لتصفية الحساب فيما بينها ، حاله حال اليمن ولبنان وسوريا ،والمؤكد هو ان العبادي رأى ان روسيا ، ليست جهة يمكن الاعتماد عليها ، لأنها سبق ان ضحت بصدام حسين ، حليفها الاستراتيجي ، عندما قبض غورباتشوف مبلغ (5) مليارات من السعودية مقابل السكوت على الحرب التي شنتها امريكا عليه ، فأشارت الولايات المتحدة الامريكية على السعودية ، بالإسراع بتلقف العراق وسحبه من الوصايا الايرانية ، وتقديم المساعدة الممكنة للعراق ، فينفذ رغبات امرائها وهيئة علمائها الجديدة ، تلك الرغبات التي تريد من العراق ان يكون طرفا فاعلا ( لصالح السعودية ) في الصراع الدائر في المنطقة .
السؤال الذي علينا طرحه هنا ، هو هل العبادي مستعد نسيان ما فعلته السعودية بالعراق سابقا؟ ، اذ لم تمنع الخدمات الجليلة التي قدمها صدام حسين للسعودية ، من ان تقف بوجهه عندما خرج عن طاعة امرائها ، فأنفقت الاف المليارات في سبيل تسليط القوى الدولية ، على العراق عندما حوصر ملايين العراقيين ، حصارا بشعا لم يسمع بمثيله بالتاريخ ، وشنت الحروب تلو الحروب ،فدمر العراق وضاع ارثه الثقافي ، وضاع مستقبل ابنائه .
نتمنى على العبادي ان ينأى بالعراق ، عن سياسة المحاور ، فنحن لا نقبل ان يكون العراق مطية لأية جهة ، مهما كانت تلك الجهة ، على العبادي ان يكون عراقيا فقط ، كما كان سلفه ابن الكرادة عبد الكريم قاسم ، نشد على يديه ونسانده بإخراج العراق من محنته ،وندعوه ان يستفيد من تجربة نوري سعيد ، الذي ناور لكي يخرج العراق باقل الخسائر مما تحيكه له القوى العظمى