27 ديسمبر، 2024 7:11 ص

حياتي مع المنبر الحسيني المحطة الثانية في جامع السهلاني

حياتي مع المنبر الحسيني المحطة الثانية في جامع السهلاني

في يوم العاشر عام 1981 توجهت نحو الجامع المذكور , رايت عددا كبيرا من الرفاق يرتدون الزيتوني وسيارات مدنية تعود لجهاز الامن , وهناك عشرات من الشباب يقفون قريبا منهم يستمعون لقراءة المقتل .كنت ارتدي دشداشة بيضاء وكوفية على راسي دخلت لجامع وجدت رجلا يقف قرب الباب , سالته , من المتولي على الجامع .؟ قال انا تفضل ما تريد ..في جامع الاصمعي حدث الموقف الذي غير حياتي , وكان عطاء الحسين (ع) مقابل تلك التضحية ذلك اليوم . قلت اريد ان اشارك بالثواب اقرأ مقتل الحسين.
,قال تفضل. بعد فترة عرفت انه الشيخ محمد جواد السهلاني رحمه الله , جلست تحت المنبر , نظرت في الحاضرين , كان عدد منهم من اهالي الفاو يعرفوني واعرفهم جيدا, حين وصل القاريْ الى مصرع انصار الحسين(ع). تقدمت اليه , استأذنت منه , ان اكمل المقتل .
لما ارتقيت المنبر , جالت افكار وحسابات كثيرة في راسي, انها خطوة انتحارية , لأني رأيت بعيني سيارات الحزب والامن خارج الجامع , وانا اعرف جيدا موقف حزب البعث, من عزاء الحسين(ع) .. اذن انا اخترت مصيري وبإرادتي ,ابتدأت بقصيدة عتاب لأمير المؤمنين (ع) عن لسان العقيلة زينب (ع) فارتفع البكاء في ارجاء الحرم , ثم اعقبتها بقصيدة ثانية عن لسان العقيلة سلام الله عليها .
اهنا يركبان المجدين ************** عن راشده تردون لاوين
انجان لارض النجف ماشين ******* عندي وصية لعروة الدين
ابونا الذي مندوب كل حين ******** تنادون وانتو مستمرين
مـــاجـــور يـــا بـــو احــســيــن بــحـسـيـن
يا الرايح للغري تزور …… طر الفيافي وذيج البرور
لو ما حلالك بالغري نور … ناديه ودمع العين منثور
كله ماجور يا بو حسين ماجور .
وهنا حدث امر لم اتوقع انه سيحدث, فقد تدافع الشباب الواقفون خارج المسجد الى الداخل , امتلآ الحرم عن اخره , ونظرت نحو صحن المسجد رأيت الناس يتقاطرون داخل المسجد .. فبذات من وداع علي الاكبر (ع) .
ولما لم يبق احد مع الحسين(ع) الا اهل بيته عزموا على ملاقاة الحتوف بباس شديد وحفاظ مر ونفوس ابيه , واقبل بعضهم يودع بعضا , واول من خرج شبيه رسول الله علي الاكبر . فاعتنقه الحسين ..
كانت اجواء الحزن والحرب وظلم البعث والقهر كلها مجتمعه , فانفجر الحاضرون بالبكاء والصراخ , قرات بحدود ساعة الى ان وصلت الى مصرع الامام الحسين(ع) وكانت الاوضاع تنذر بكارثة ستقع بعد الانتهاء , فقلت للجمهور الحسيني ( اقسم عليكم بالحسين ان لا تلطموا . وهنا فلتت كلمة مني ” لا تسوون لنا مشكلة”) ثم استانفت المقتل الى نهايته .. وكنت انعى بنفس ابيات الشيخ الكعبي رحمه الله . سكنه يعمه خل نجعده * ما بيني وبينج نجعده* بلكن يفك عينه وننشده ..
في تلك الاثناء تدافع البعثيون اكثر من عشرين رفيقا ودخلوا المسجد يحملون اسلحتهم الكلاشنكوف وقفوا في ابواب حرم المسجد , تيقنت اني ساعتقل , ودخولهم من اجل اعتقالي . فتولدت فكرة ان انهي المجلس بزيارة الحسين (ع) نزلت من المنبر وتوجهت نحو كربلاء , وبدات ازور الحسين والعباس والانصار عليهم السلام ,
فوقف الناس جميعا يؤدون الزيارة وكان المسجد غاصا بالجمهور , فخطرت فكرة ان ارفع الكوفية من راسي وطويت ردائي الى فوق الساعد , وانهيت المجلس بالصلاة على محمد وال محمد , كانت اللاقطة بيدي رميتها على المنبر , هنا دخل الرفاق الى الداخل نحوي , وحدث تدافع مع الناس فانرفت عنهم مع الناس المندفعين , توجهوا نحو المنبر وانا خرجت دون ان يروني , كوني محسور الراس وردائي مرفوعة.
توجهت نحو الشقق , شعرت بنعاس هد كياني فاستسلمت للنوم, اخبرتني الوالدة رحمها الله , انه جاء احد اصدقائي جليل عبود العامري , سألها عني , قالت انه نائم . قال لها تأكدي منه هل فعلا هو بالبيت .. تقول تأكدت واخبرته (انه هو نائم) , فقال لها حجية دعيني اراه . تقول دخل عليك وانت نائم , فقال : كيف خرج لقد دخل عليه عشرون رفيقا يبحثون عنه , حتى انهم فتشوا تحت الكراسي والقنفات .. وأوصاها ان لا اخرج من الشقة لان الامن والحزب يبحثون عني , حين نهضت قبل عصرا اخبروني بالموضوع .
كانت شقق الفاو تفتقر الى تأسيس الماء , فيقوم الساكنون في الشقق بنقل الماء من حنفية ارضية يملآ الجميع منها , فأرسلت شقيقي الصغير ليجلب لي ماء لاغتسل , رجع بسرعة وهو يرتعش من الخوف , وقال قم جاءوك الامن .
كنت اسكن في الطابق الثاني , وهناك فتحة في البلكون يمكن ان اقفز من خلالها الى لشقة الاسفل من شقتي , ثم الى الارض . ودخل الرفاق ورجال الامن الى الشقة , والحمد لله انا وصلت مشيا على الاقدام الى محلة السيمر الى بيت شقيقي المرحوم محمد امين , وبعد صلاة الفجر كنت في اول سيارة متوجهة الى النجف الاشرف .