23 ديسمبر، 2024 10:17 م

حياتنا ما بيَن القَوة والضعف

حياتنا ما بيَن القَوة والضعف

يواجه الانسان في حياته اليوميّة صعوبات كثيرة ، غالباً ما تُفقده حسّ التّمتّع بالحياة، كما أنّها غالباً ما تفقده كلّ الطّاقة على التّحمّل، فيصيبه القلق والغضب ويصل به إلى مرحلة يفقد فيها الأتزان الذي يمكّنه من أن يواصل مشوار حياته كي يجني ثمار جهوده. فإذا ما كان متحلّياً بهذا الأتزان فسوف يتمكّن من مواجهة صعوبات الحياة اليوميّة. أمّا في حال فقدانه فكثيراً ما تأتي النتائج سلبية للأسف. لذا نرى الكثير يضيقون ذرعاً بأوضاعهم في فترة من الفترات، وبالتّالي يصلون إلى مرحلة يغضبون فيها لتوافه الأمور. أمّا الصّبر الّذي نتحلّى به كي يساعدنا على مواجهة الأمور والذّي يمنحنا القوّة لنحتملها فله حدوده ، لكن سُرعان ما يتحوّل فيما بعد إلى نقطة ضعف تجعل من الإنسان غير قادرٍ على التحرّر داخلياً، فيصبح أسيراً للأحداث التي تمر في حياته ، فلا يتمكن أن يكوَن ذاته. ما بين الصّبر الّذي يشكّل قوّة والصّبر الذي يتحوّل إلى عامل ضعف، والسوآل هنا … كيف يستطيع الإنسان أن يستخدم طاقته ليبقى محافظاً على أتزانه وعلى رؤيته الواضحة للأهداف كي تعود عليه تصرّفاته وسلوكيّاته بالكثير من الإيجابيّة؟ من المؤكّد أن الصّبر ميزة تمنح الإنسان قوّة، ولكنّه قد يُشكل في حالات معيّنة نقطة ضعف، لذا من المهم أن نكوّن فكرة توضح لنا متى يكون الصّبر عامل قوّة ومتى يكون عامل ضعف ؟. هل الصبر قوة ثابتة في الإنسان أم هو قوة متغيرة متنامية بنمو الإنسان؟ إنّ الصّبر الذي يتحلّى به الإنسان ليس فطرياً ، فنرى الطفل في مراحله الأولى لجوجاً ولا يتمتّع بالصّبر، ويريد أن تلبّى طلباته سريعاً وهذا طبيعيّ. بالمقابل نرى أنّ الأهل يواجهون هذا السّلوك الطّفوليّ بالكثير من الصّبر فيقبلون طفلهم كما هو بانتظار أن ينمّي في داخله قوّة الصّبر الّتي تحوّله إلى إنسان قادر على ترويض ميوله ورغباته ومتطلباته. وبالتالي كل المجهود التربوي يقوم على هذه النقطة بالذات، فالإنسان إذا ما ترك نفسه إلى ميوله وغرائزه لن يتمكّن لاحقاً من ضبط ذاته أمام أية متطلّبات. إنّما التربية تُعلّمنا أن نقبل الانتظار كي نحصل على ما نريد وما نرغب به. وهكذا مع مرور الأيّام والسّنين، يتكوّن شخص راشد، تكمُن قيمة رشده ونضجه في أنّه تخلّى عن سلوكيّات الطفل اللجوج وغير الصّبور الذي يحصل على كل ما يشاء وفي الوقت الذي يشاء. لذلك نرى الكثير من الراشدين مجبولين بطينة الطفولة وقوّتها الّتي ينمّونها في كل العلاقات الإنسانيّة في حياتهم. بالمقابل نرى راشدين سيطروا عليها ويظهر ذلك في سلوكهم اليومي في الحالات والأحداث التي تتطلّب منهم الصّبر والانتظار والمواجهات التي تستلزم شئ من الصبر . فقليلاً ما نرى أشخاصاً يتمتّعون بالهدوء ليتخطّوا أزمة ما  يمرّون بها ولكي نتحلّى بالصّبر، علينا أن نبذل مجهوداً يساعدنا على السّيطرة على أفكارنا وعلى رغباتنا. وهذا المجهود يكبر بقدر ما تتشعّب تفاصيل حياتنا وجزئياتها. إنّما غالباً ما نستخدم الصّبر في حال لم تتوافق فيه مطالبنا مع مطالب الآخر، بمعنى الرضوخ للآخر لتجنّب مشكلة معيّنة. إذاً، الصّبر ليس بالفطرة، إنّما هو فعل تربويّ ينمو مع مراحل الطفولة وبمساعدة الأهل الذين يدرّبون الطّفل على السيطرة على ميوله ورغباته، ويعلّمونه كيفية الانتظار لينال ما يرغب به. كما يساعدونه في تدريب طاقته الداخليّة ليتمكّن من ترويض مبتغاه، فيختار الوقت المناسب لتنفيذه بما يتوافق مع المتطلّبات الاجتماعيّة والمدنيّة والأخلاقيّة. كيف نتحلّى بالصّبر في عالم يصارع الوقت؟ في عالم تكثر فيه الميول والغرائز، وأصبح فيه إشباع المتطلّبات هو العامل الأهمّ، وفي عالم يسابق الوقت، تزداد المتطلّبات أكثر فأكثر ونشعر أن الإنسان بات بحاجة إلى تحقيق رغباته ومتطلّباته دون أن ينتظر. لكن المتروّون قليلون، لأنه من الصّعب أن ننتظر ونصبر على قطف ثمار الجهود قبل أن تنضج خوفاً من أن يسبقنا آخر الى ذلك. وبقدر ما نسارع في نيل ما نريد، نشعر أنّنا لم نُشبع حقيقة متطلّباتنا، لأننّا لم ننتظر بما يكفي كي تتحقّق في الوقت المناسب. من هنا فالصّبر فضيلة يجب أن نتحلّى بها ، كما أنّه ميزة تعلّمنا كيفيّة الانتظار حتّى النّهاية لننال ما نريد.
ويقوّي فينا الطّاقة الّتي تساعدنا على تطويع الأحداث الّتي تمرّ في حياتنا، فنواجهها بالقليل من الارتباك والقلق والاضطراب. والأهمّ أنّ الصّبر يسمح للوقت أن يأخذ مجراه الطّبيعي، وقد يمتدّ بين فترة طويلة أو قصيرة. ومن خلال هذا المجرى الطّبيعي للوقت، يكمل الإنسان عمله الّذي بدأ به والّذي يؤدّي إلى تحقيق أهدافه. بدون الصّبر، سنثور كثيراً ونناضل في سبيل أمور لا نقبلها، وسنمحو الكثير من الأهداف النّبيلة. أمّا مع الصّبر فسيحقّق الإنسان الكثير ممّا يرجوه شرط ألّا يتحوّل الصّبر إلى نقطة ضعف إذا امتدّ بشكل مبالغ فيه وتحوّل إلى عامل خوف ورهبة، فيعطّل القدرة على التّفكير. لذا يجب أن نتعلّم كيفيّة استخدام الصّبر، تلك القوّة الداخليّة التي تمنحنا الكثير من الأمل والوعد بمستقبل أفضل. فلا يكون الصبر انتظاراً لمجرّد الانتظار فيحجّم الإنسان ويحدّده ويمحي مصيره. لأنه بحاجة مستمرة الى قوة تجعلهُ يتخطّى الصّعوبات وأن يكون مدفوعاً برغبة حقيقية تساعده على عدم قبول تراكم الأحداث غير المقبولة في حياته، فلا يرضخ لها بشكل أستسلاميَ. وما بين الصّبر وعدم الصّبر، وحده الإنسان قادر على أن يحكّم طاقته ويوظّف الصّبر بإيجابيته وسلبيّته، فيمتلك القدرة والقوّة على التّأقلم في حياته، وأتخاذ القرارات السليمة. فالفرق بين الإنسان الصّبور وغير الصّبور هو أن الأول قادر على فعل المعجزات، وعلى حمل الجبال ومسك النجوم وتحويل ذاته إلى إنسان واع وناضج. أمّا الثّاني فهو ثائر باستمرار لأنّه لا يملك القدرة على تحمّل ما يجري من حوله، وبالتّالي فأن ثورته المستمرّة ستعطل قدرته على احداث أي تغيير في نمط حياته.