23 ديسمبر، 2024 12:53 ص

حياتنا بين الثريدوف والكنتاكي… اختلفت المسميات والجوع واحد…

حياتنا بين الثريدوف والكنتاكي… اختلفت المسميات والجوع واحد…

كنا نعيش قبل خمسة عقود من الزمن في قرية نائية تقع في منطقة جنوب الموصل وكانت هذه القرية يعتبر سكانها عائلة واحدة من حيث التراحم والتواصل الاجتماعي فعندما تدخل الفرحة الى احد بيوت القرية فإنها سوف تدخل الى قلوب جميع سكانها….
كانت الألفة والمحبة بينهم شيء مميز يتفاخرون به ويعتبرونه اساس لبقاء مكونهم ضمن هذه القرية وما ان دخلت الحياة المدنية الى عالم الارياف واصبح ابن القرية الريفية موظف في احد دوائر الدولة سواء في المسلك العسكري او المدني حتى اصبح ابناء القرى يميلون في توجهاتهم الى الحياة المدنية ولابد من الوصول اليها لأسباب عديدة اولها البحث عن حياة حضرية تتوفر فيها وسائل الراحة وثانيا الاهتمام بمستقبل الجيل الجديد من ناحية التحصيل الدراسي لأبنائهم والحصول على الشهادات الأكاديمية ولكن لم يكن يعرف ابن القرية ان كل هذه الافكار المدنية سوف تصل الى مناطق سكناهم تلقائيا مع تطور الحضارة المدنية وبدون الذهاب الى المدينة وهذا ما اثبتته الايام التي نعيشها اليوم فاغلب القرى قد تحولت الى مدن صغيرة واصبحت تتوفر فيها الحياة العصرية بكل مفرداتها ومشاريعها الحيوية والخدمات العامة واصبحت البصمة العلميه كبيرة لأبناء القرى والارياف واصبحنا نحتفل يوميا بحصول احد ابناء هذه القرى على شهادة علمية مرموقة وهذا كله بفضل التطور التكنولوجي الذي وصل الى ابعد نقطة في الريف العراقي…….
وعودة الى الماضي القريب وعن مفردات بعض التقاليد والعادات التي كنا نعيشها في ذلك الزمن الجميل وربما نطلق عنه جميل لأسباب عدة منها جمالية قلوب الناس الذين كانوا يعيشون هناك وجمالية التعامل والصفات الحميدة الموروثة الاخرى كالكرم ومعرفة الانساب والجود بما تملكه النفس للضيف وللمحتاج…. كنا نعيش كأصدقاء او اقارب ابناء قرية واحده نجتمع يوميا وفي اغلب اوقاتنا في مكان واحد ربما يكون اقرب مرتفع الى القرية ويسمى التلة او العلو او الرسم ونتكلم عن حياتنا البسيطة واحيانا نتطرق الى الاكلات الشعبية الموجودة في عالمنا وواقعنا هناك…
كان سيد الموقف والاكلات في الريف العراقي هو اكلة الثريد الذي تطورت اسمائه واصبح يسمى في يومنا هذا التشريب بلونيه الابيض والاحمر وكانت الاكلات الاخرى المرادفة له اكلات بسيطة ومتعارف عليها لدى كل ابناء الريف اليوم…
وبعد ان غزتنا الحياة المدنية واستقر بنا المطاف في المدن الكبيرة نذهب مع بعض الاصدقاء احيانا الى المطاعم الموجودة في مدينتنا مدينة الموصل والتي استقربنا مطاف السكن منذ عدة عقود وما ان يأتي عامل المطعم حتى يقدم لنا قائمة المأكولات الموجودة لديهم ومع الاسف الشديد وربما اجد ان اغلب اسماء المأكولات قد تحولت الى اسماء اجنبية كالكنتاكي والاسكالوب وغيرها من المأكولات التي كنا نسميها بأسماء ثابتة وتتبع مصادر لحومها الى صنفين البيضاء منها والحمراء وكل مسمياتها باللغة العربية ومفهومة لدينا اما اليوم وتعظيما مني لكلمة الثريد فإنني اجد ان مصطلحات مأكولاتنا الشعبية بين الثريدوف والكنتاكي ورغم اختلاف تلك المسميات الا ان الطعم واحد عند الجوع الشديد….