19 ديسمبر، 2024 4:40 ص

حياة منقوصة

حياة منقوصة

رغم انه دخل الى المعتقل بسبب وشاية واحد من اقرب اصدقائه اليه ، الا انه حين خرج من المعتقل بعد سنوات طويلة قضاها بين الظلمة وادوات التعذيب ، حاول البحث عن اصدقاء عمره الآخرين فقيل له ان بعضهم دخل سجونا ولم يخرج منها كغيرهم ، وبعض آخر وجد اسمه على شواهد قبور منسية ..عندها فقط حمل مخطوطته التي ضمنها عذاباته واخفاها طويلا عن اعين السجانين ورماها في النهر طالما لن يقرأها من كتبها لهم ليعيشوا معه ذكرياته المريرة ..

عراقي آخر غادر العراق مرغما بعد ان تلقى تهديدا صريحا من احدى الميليشيات بقتله او اختطاف زوجته او ابنته .. قضى سنوات في الغربة محاولا اقناع نفسه وعائلته بان الحضارة والتقدم والامان وتوفرالكهرباء افضل بكثير من عراق خال من الخدمات والراحة والامان ، لكنه سارع بالعودة ماان لمح اول طيف للأمان والاستقرار..عاد ليعيش المعاناة العراقية متلذذا بوجوده بين اهله واصدقائه …وبعد سنوات ، اكتشف انه وجد نفس الوجوه التي عاد من اجلها لكن اغلبها تغيرت ملامحها وماعادت تمنحه نفس الدفق من الحنان الذي ينشده ..وجد قدميه تغوصان في ارض موحلة ومجدبة لاسبيل الى التحررمنها الا بمعاودة السفر دون عودة وهذه المرة سيحاول ان يضع حجارة ثقيلة على قلبه لكي لاينبض بسرعة حين تتناهى الى مسامعه كلمة (عراق) وان يعود عينيه على النظر بحيادية ودون انفعالات وعواطف عراقية حين يمر امامه شريط اخباري عراقي يبلغه نبأ مقتل عشرات ومئات احيانا من اهل بلده …

امرأة عراقية ايضا اسعدها كثيرا ان تجد صديقتها الحميمة خلال سنوات الدراسة الجامعية على صفحات التواصل الاجتماعي…كان اللقاء عاصفا تخللته الدموع وصيحات الفرح وتدفق الاخبار لكلا الطرفين في حديث استمر عدة ساعات لم تكن كافية بالنسبة لهما لتبادل كل اخبارهما بالتفاصيل طوال فترة افتراقهما يضاف لها اخبار زملائهما ومعارفهما المشتركين ..

لكن تلك المحادثة لم تتكررالا بعد اسابيع طويلة ولم تدم اكثر من ساعة ثم مرت شهور وتذكرت احدى الصديقتين ان تهنيء صديقتها بالعيد فردت عليها الاخرى التهنئة دون تفاصيل كثيرة وبالتدريج عادت كل منهما الى حياتها الحاضرة وظلت صداقتهما ذكرى لذيذة لكن مشاغل الحياة تقف عائقا في سبيل استمرارها بنفس القوة والعاطفة ..

قدرالعراقيين ان يحصلوا على نزر يسير من الفرح وان يعيشوا حياة منقوصة وبعضهم لايفكر اصلا في الحصول على الفرح بل يبحث عن لقمة العيش فقط ..انهم يتجاهلون حتى المتع الصغيرة احيانا ليدوروا في دوامة الحياة ولكي يتاكدوا يوميا من انهم مازالوا على قيد الحياة فليس عليهم الاتصال بصديق اثير او الاستمتاع بنهار جميل وآمن في حضن الوطن ..عليهم فقط ان يتاكدوا ان اعضائهم مازالت سليمة ليواصلوا الدوران من جديد في دوامة الحياة !!

أحدث المقالات

أحدث المقالات