زمن محدد كان يتشبث به.. يعود إليه كلما داهمته أوجاع الحياة ومطباتها، فتنفتح من خلاله نافذة أمل، كان ينتظر خلو البيت بفارغ الصبر ليستعيد تلك المرحلة من عمره، يفترش الأرض ناثرا ألعاب احفاده، مضفيا عليها شيئا من صفات الناس الذين مروا في حياته، مطلقا عليهم تسميات مختلفة فهذا الأخرس وهذا المغفل.. وغيرها من الألقاب. يتخاصمون ويتصالحون، ويتغزلون بالدمى الأخرى . قد يختلق أحيانا معركة حامية فينشر جنوده ، بجدية بالغة يضع خططا للهجوم، مستفيدا من خبرة تلك الأعوام التي قضاها في جبهات القتال في إحدى الحروب العبثية التي خاض غمارها دون أن يدري لماذا. كل ما يعرفه أنه كان يهرب من موت محقق يجر على أسرته ويلات السلطة إلى موت أخف وطأة، إذ تنال أسرته بعدها بعض من الامتيازات لقاء حياته التي ضحى بها من أجل اللاشيء. كان يبحث عن دمية بعينها كان قد لمحها في يد إحدى حفيداته، بعينين زرقاوين وقد ممشوق، كان يهف قلبه كلما لحظها بيدها، بعد بحث دؤوب وجدها ، احتضنها بشوق ولثمها بحب، واجلسها قبالته، حدثها طويلا ، عن معاناته بعد رحيل الكثير ممن يعرفهم، عن معاملة من حوله له، حيث يتلوى بين امرين، الشفقة والعطف، أو السخرية والتهكم من أية حركة أو كلمة تصدر منه، يبوح لها عن هواجسه ، ومخاوفه ، حيث لم يبق في العمر متسع، للتكفير عن ذنوبه التي اقترفها في حياته وخوفه من السؤال هناك، أو تعذيبه حتى ، فقد كانت عقيدته تتأرجح بين الشك واليقين، حكى لها عن أحلامه وتمنياته، نزلت دموعه دون أن يشعر، خالها أنها قد حركت رموشها، غمزته بإحدى عينيها، اقنعته بالصعود فوق سطح الدار، أخبرته أن لا يقلق بشأن أي شيء، وأن هناك حياة افضل تنتظره.. كمن يمسك طوق نجاة.. سألها بلهفة عن كيفية الوصول إليها، أشارت بإصبعها حيث مكانهما على حافة السطح.. هناك في الأسفل.. نظر بعينين منبهرتين إلى الأنهار والسواقي التي تنتشر حوله، إلى تلك الحدائق والورود والأطيار التي تناديه باسمه ، نظر ممتنا إلى دميته التي غمزت مرة أخرى موحية له بالنزول حيث تلك الجنان. حين عاد ولده وأسرته من نزهتهم كان هناك جمهور غفير يتحلق حول جثة رجل عجوز يقبض بيده على دمية تغمز بعينها .

أحدث المقالات

أحدث المقالات