مسرحية تشيخوف الكوميدية – ( الدب ) هي سادس مسرحية لهذا الاديب المسرحي الروسي الشهير حسب التسلسل الزمني لمسرحياته, وقد كتبها في شباط / فبراير عام 1888 ونشرها في جريدة ( نوفويه فريميا) ( الزمان الجديد ) في 30 آب / اوغسطس عام 1888 ولم تظهر باسمه الصريح, بل تم نشرها بتوقيع أ. ب. وهما الحرف الاول من اسمه ( انطون ) والحرف الاول من اسم الاب ( بافلوفيتش), رغم ان تشيخوف في تلك الفترة كان اديبا معروفا, وقد ترك الاسماء المستعارة والتي كثيرا ما استخدمها اثناء مسيرة حياته الادبية منذ ان ابتدأ بالنشر عام 1880 , وربما يعني هذا ان تشيخوف اراد عدم الاعلان عن تلك المسرحية الكوميدية ذات الفصل الواحد,والتي عاد مرة اخرى لكتابتها بعد مسرحية ( ايفانوف )المتعددة الفصول , وهي المسرحية الخامسة حسب التسلسل الزمني لمسرحياته , ومما يؤيد رأينا هذا, ان تشيخوف نفسه كتب بتاريخ 22 شباط / فبراير عام 1888 الى صديقه بولونسكي( اي في نفس الوقت الذي كتب فيه مسرحيته تلك ) ما يأتي – ( لقد كتبت فودوفيل فرنسي صغير وتافه بعنوان الدب لاني لا اقدر ان اعمل اي شئ , اذ استهلكت كل طاقتي عندما كتبت قصة السهب, بحيث اني لن استطيع – ولفترة طويلة – ان ابدأ بشئ – ما جدٌي…ما العمل اذا كانت ( يدي تحكني) وارغب بكتابة (ترللا ),وانا لا اقدر – مهما حاولت – ان اكون جديٌا , وتختلط عندي دائما وابدا الجدية مع التفاهة. يبدو ان ذلك هو قدري) ( مداخلة – كلمة فودوفيل التي استخدمها تشيخوف اعلاه تعني مسرحية هزلية ذات فصل واحد وهي كلمة فرنسية الاصل وقد دخلت الى اللغة الروسية بهذا المعنى في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ), وفي ايلول/ سبتمبر من نفس العام وافقت رقابة المسرحيات بصعوبة كبيرة على السماح لهذه المسرحية بالعرض, بل كادوا يمنعونها,اذ كتب الرقيب عنها قائلا – (تثير هذه المسرحية انطباعا سيئا, وموضوعها اكثر من غريب, وتسودها الفظاظة, والاجواء فيها غير طيبة..), وكذلك كان الموقف تجاهها شبه سلبي من قبل الادارة العامة لشؤون المطبوعات , والتي اشارت الى تفاهتها, ولكنهم سمحوا بنشرها لانها لا تتضمن ( الاساءة الى احد).
تم العرض الاول لهذه المسرحية في 28 تشرين الاول / اكتوبر عام 1888 في مسرح كورش بموسكو, وقد كتب تشيخوف عن ذلك العرض قائلا – ( كانت القهقهة سائدة ومتواصلة اثناء العرض, وقوطعت بعض المشاهد بالتصفيق, وبعد انتهاء العرض صفق الجمهور لها وطلب ظهور الممثلين مع المؤلف وصفقوا لهم ايضا), اما شقيق تشيخوف, ميخائيل فقد كتب الى شقيقه بعد فترة من الزمن رسالة اخبره فيها ان هذه المسرحية يجري عرضها في المسارح البيتية لبعض الشخصيات الرسمية الروسية مثل وزير المالية ووزير الخارجية , وان افراد المجتمع الراقي هذا من المعجبين بها وانهم يقهقهون وهم يشاهدونها في تلك العروض, كذلك تحدث شقيق تشيخوف عن عرض هذه المسرحية في مسرح الدراما في موسكو والمسرح الامبراطوري, وكتبت زوجة تشيخوف الممثلة المسرحية اولغا كنيبر مرة , ان الكاتب الروسي الكبير ليف تولستوي قد شاهد هذه المسرحية عام 1900 في جمعية الفن والادب واعجب جدا بها , وانه كان ( يقهقه ويضحك اثناء العرض ). ومن الوقائع المهمة حول هذه المسرحية انها ترجمت الى 8 لغات اثناء حياة تشيخوف نفسه , وهذه اللغات هي – البلغارية والهنغارية والالمانية والبولونية والرومانية والصربية والجيكية والسلوفاكية. اما بالنسبة للغتنا العربية فقد تم ترجمتها عن لغتين وسيطيتن وهما الانكليزية والفرنسية , وترجمها عن اللغة الروسية فيما بعد المترجم المصري المعروف الدكتور ابو بكر يوسف ( الحائز على ميدالية بوشكين لنشر الادب الروسي في العالم العربي) وصدرت ضمن الجزء الرابع من مؤلفات تشيخوف المختارة والتي نشرتها دار النشر السوفيتية المعروفة ( التقدم) في بداية ثمانينات القرن الماضي باربعة اجزاء,و التي تعد افضل ترجمات تشيخوف الى العربية , وقد قرأت قبل فترة خبرا جاء في احدى الاصدارات عن ترجمة لعدة مسرحيات لتشيخوف قام بها المترجم العراقي تحسين عبد الجبار اسماعيل وصدرت عن دائرة الثقافة والاعلام بالشارقة, ومن ضمنها مسرحية ( الدب ) هذه , ولكني لم اطلع – مع الاسف – على هذه الترجمة.وهكذا تحولت هذه المسرحية الكوميدية التي اطلق عليها تشيخوف نفسه صفة (ترللا )الى مسرحية تطوف العالم بمختلف لغاته, بل من الطريف ان نشير الى انها تحولت الى فيلم سينمائي انتجته ا لسينما السوفيتية عام 1938 وكررته عام 1984 وعام 1988, وتحولت المسرحية كذلك الى اوبرا كتب موسيقاها كبار المؤلفين الموسيقين وانها لازالت تعرض لحد الان , وآخر عرض لها تم بجهود مشتركة من فناني مدينتي بطرسبورغ وكراسنادار.
مضمون هذه المسرحية بسيط جدا رغم انه غير اعتيادي فعلا , فهناك ارملة لا زالت حزينة على وفاة زوجها وتقف في الصالة تناجي صورته ,ويتوسل اليها خادمها ان تتفاعل مع الحياة وان تنسى المصاب الاليم هذا, والذي مرٌت عليه فترة طويلة, ولكنها ترفض باصرار, وتؤكد انها ستبقى محافظة على ذكراه الى الابد , وفي هذه الاثناء يأتي جارها في الضيعة المجاورة ويطالب بايفاء دين لزوجها الان لانه بحاجة ماسة للنقود, وتطلب منه الارملة ان يمر بعد ايام عندما يعود الشخص المسؤول عن شؤونها المالية , ويتطور النقاش بينهما ويتشعب, وبعد كلام حاد بينهما يقرران اجراء مبارزة بالمسدسات لحسم هذا الاختلاف, ويندهش هذا الجار لشجاعة هذه الارملة وتصميمها على المبارزة رغم انها لا تعرف حتى كيفية اطلاق الرصاص من المسدس, ويبدا بالاعجاب بها , بل يقع في حبها, وتنتهي هذه المسرحية بقبلة بين الاثنين وسط دهشة الخدم والفلاحين الذين اسرعوا وهم يحملون كافة ادواتهم المنزلية لحماية سيدتهم الحزينة من هجوم هذا الجار الفظ والشرس.