تتحدث القصة عن موظف يعطس اثناء عرض في المسرح, ويتطاير الرذاذ على قفا الشخص الجالس امامه,ويعرف انه موظف كبير, ويعتذر منه, ولكنه يظن انه لم يتقبل اعتذاره, فيعتذر منه مرة اخرى واخرى ويذهب اليه في اليوم التالي وهكذا يضطر الموظف الكبير هذا في نهاية المطاف الى طرده شر طردة, فيرجع الموظف البائس الى بيته ويموت.هذا هو مضمون
قصة تشيخوف القصيرة – ( موت موظف) التي تقع في صفحتين ونصف من القطع المتوسط وتتكون من 670 كلمة ليس الا, وقد كتبها عام 1883 عندما كان عمره 23 سنة وكان لا يزال طالبا في الكلية الطبية في جامعة موسكو, ونشرها في مجلة ( اسكولكي) ( الشظايا) ( 1883 العدد 27 في 2تموز/يوليو) وهي احدى المجلات الفكاهية من الدرجة الثانية ووقٌعها باسم مستعار هو – تشيخونتيه , ومع ذلك , ورغم ذلك , فان هذه القصة القصيرة التي ظهرت قبل 130 سنة لازالت تنشر ويعاد طبعها وتترجم الى لغات اجنبية عديدة , منها لغتنا العربية, وقد صدرت بالعربية تحت عناوين مختلفة وهي – موت موظف / وفاة موظف / موت الموظف ( وهي ترجمة غير دقيقة لانها تلغي صفة التعميم التي رسمها تشيخوف / واخيرا بعنوان الرجل الذي عطس , وهي ترجمة غير صحيحة ( رغم انها طريفة فعلا) وذلك لانها ترٌكز على الجانب الكوميدي للقصة متناسية انها تنتهي بموت بطلها نتيجة رعب الانسان الضئيل والمسحوق وخوفه الكامن في اعماقه من كل ما يحيطه بالحياة بسبب العبودية المتجٌذرة في روحه, وان تشيخوف منحها هذا العنوان تأكيدا على هذه الفكرة بالذات.
ان اساس هذه القصة يكمن في نكتة كانت تتردد في اوساط المسرحيين الروس آنذاك , وهي ان احدهم اراد ان يسخر من رجل متنفٌذ كان موجودا في احد المسارح فوطأ على قدمه وكأنما حدث هذا بشكل عفوي, واعتذر منه, واستمر بزيارته والاعتذار منه يوميا, وفي نهاية المطاف غضب هذا الرجل وفهم ان هذا العمل كان متعمدا للسخرية منه وطرد الفاعل شرٌ طردة. وهناك حادث آخر سمعه تشيخوف عندما كان في مدينته تاغنروغ ( حيث ولد وانهى المدرسة ثم انتقل للدراسة في جامعة موسكو), وخلاصة هذا الحادث هو انتحار موظف عندما احالوه الى المحكمة بتهمة ( خرق الانضباط) , اي الاساءة الى موظف اعلى منه , وقد حاول ذلك الموظف ان يعتذر – ولعدة مرات – ولكن دون جدوى, وهكذا وجدوه وقد شنق نفسه منتحرا .
حاول تشيخوف ان يوحٌد في قصته كل تلك الاجواء مع الحفاظ على جوهرها, وقد اضفى عليها مهارته الفنية بالطبع, وهكذا الغى تعمٌد الخطأ وجعل الموظف يعطس في المسرح ليس الا, وهي التفاتة دقيقة, اذ ان العطاس لا يمكن ان يكون مقصودا, وقد اشار تشيخوف الى ذلك في متن قصته بشكل كوميدي ( ولكنه كان من الواضح انه يريد بهذا ان يؤكٌد ذلك)وهكذا نقرأ في نص القصة الجملة الاتية – (.. وفجأة تقلص وجهه, وزاغ بصره, واحتبست انفاسه..وانحنى و… اتش!!! عطس كما ترون.والعطس ليس محظورا في اي مكان. اذ يعطس الفلاحون ورجال الشرطة وحتى احيانا المستشارون..) اي ان تشيخوف تخلٌص من الافتعال المصطنع في الحادثة الاولى, وتخلٌص تشيخوف ايضا من ارتباط الموظف بموظف اعلى منه في نفس دائرته كما في الحادثة الثانية , وهكذا نقرأ في النص ( انه ليس رئيسي, بل غريب,ولكن مع ذلك ينبغي ان اعتذر), وحافظ تشيخوف على الاجواء الاخرى من الاعتذار المتكرر المنسجم مع طبيعة بطله وتبريره المنطقي لهذا الاعتذار من وجهة نظره,وبالطبع حافظ تشيخوف على غضب الموظف الكبير من تكرار الاعتذار واعتبره سخرية منه وطرده شر طردة كما في الحادثة الاولى , وكذلك حافظ على النهاية التراجيدية للقصة بموت الموظف , متخلصا من عملية الانتحار كما في الحادثة الثانية ,وقد استطاع تشيخوف وبمهارة عالية وبضربة معلٌم ( كما يقال ) ان يحقق ذلك, اذ ان القارئ كان يتابع ديناميكية الاحداث المضحكة للقصة ولم يكن يتوقع بتاتا ان تنتهي بموت الموظف , ولهذا فان القارئ لم يستطع استيعاب تلك النهاية التراجيدية, ولكن تشيخوف انهى القصة بجملة صغيرة وحاسمة جدا وهي – ( دخل بيته بصورة آليٌة, ودون ان يخلع بدلته ارتمى على الاريكة و..مات..), مستخدما كلمة واحدة فقط لا غير تشير الى موته وهي كلمة – (مات), وهكذا تنتهي القصة. لقد تحدث تشيخوف في مسيرته الابداعية عن عنصر ( الاختصار) في الادب , وهناك قول له أصبح الآن مثلا وهو – ( الاختصار – شقيق العبقرية), وهناك حديث لتشيخوف مع مكسيم غوركي, ينتقد فية الاخير على اسلوبه التفصيلي بالوصف , وقد اجاب تشيخوف مرة عن سؤال حول اجمل وصف للبحر من وجهة نظره , فقال انه وجده في دفتر الانشاء لاحدى تلميذات مدرسة اذ انها كتبت هناك الجملة الاتية – ( كان البحر كبيرا..). ان نهاية تلك القصة تتطابق مع مفهوم تشيخوف الذي سيتبلور لاحقا , وهو الذى عبٌر مرة عنه بشكل هزلي قائلا ان على ادباء القصة ان يحذفوا نصف ما يكتبون في قصصهم قبل نشرها.