17 نوفمبر، 2024 1:49 م
Search
Close this search box.

حول سطوة التأثير الديني على النزاعات

حول سطوة التأثير الديني على النزاعات

أستهلال : لو بحثنا في سبب النزاعات والأحداث عامة / على شتى صورها ومختلف أنواعها وتعدد مضامينها ، لرأينا أن الدين أن لم يكن أحد مسبباتها الرئيسية ، فهو أحد دوافعها – بشكل مباشر أو غير مباشر .. هذا ما وددت بحثه في هذا المقال ، وذلك وفق وقائع سأسردها على سبيل المثال وليس الحصر .
الموضوع : الشعوب والحكومات والأديان والمذاهب في تطاحن مستمر ، بصور وطرق مختلفة ، منها الحروب / وبأشكالها المتعددة – العسكرية ، الدينية والمذهبية .. ، وأخرى تنطوي تحت مسمى الجدالات والسجالات الفكرية ، وأخرى تجري وفق السياقات والأختلافات والخلافات السياسية ، وضحايا كل هذه الحروب بالألاف بل بالملايين ! ، البعض يقتل البعض الأخر ، والجيوش أو الأتباع أو الأنصار كلها مغيبة الوعي ! ، تجهل لما حملت السيف ! ، ولم تقوم بقتل المخالف لها ! ، ولا تعرف أيضا من المحق ، هل هو القاتل أم المقتول ، وفي نهاية الوقائع ، رجال المنتصر هم الذين يكتبون التأريخ ، هكذا العالم يخطوا خطواته منذ القدم والى الأن .
1 . فالحروب الصليبية (1096 – 1291) م ، هي أحد الحروب المسيحية الأسلامية ، والتي تنضوي تحت الغطاء الديني و غايات أخرى ! ، وتعريفها وفق / معجم الحروب – د . فريدريك ، ” تنضوي تحت هذه التسمية الحملات العسكرية التي نظمتها الكنيسة الكاثوليكية بين القرن الحادي عشر والثالث عشر بغية تحرير الأرض المقدسة ، على حد تعبير قادتها في ذلك الوقت .. / نقل من موقع https://killinglove7.blogspot.com ” ، وكانت ضحايا هذه الحملات بعشرات الألاف ، أن السبب المهم والمشدد عليه في هذه الحروب ، أن المدينة المقدسة شهدت مولد المسيح ، ولا علاقة لمحمد بها / فلم يولد أو يحيا على أراضيها ، أي لا علاقة للمسلمين بها – خاصة بعد تحويل قبلة المسلمين الى البيت الحرام .
2 . ومن الخلافات المذهبية في العقيدة المسيحية ، والذي أدت الى تطور مذهبي مهم ، هو رفض المتنورين لصكوك الغفران ، وذلك على ” يد الراهب الألماني وأستاذ علم اللاهوت مارتن لوثر ، الذي رأى أن صكوك الغفران تُباع علنًا لمن يدفع مالا أكثر ، فما كان منه إلا أن أقدم في 31 أكتوبر عام 1517 على إصدار وثيقة مكونة من 95 بندا يرفض فيها مجملًا تصرفات الكنيسة ويطلب فيها من البابا أن يبني الكنيسة من ماله الخاص ، دون الاستحواذ على أموال الفقراء والمشردين / من مقال ل مصطفى السيد – من موقع SAS ” ، وفي العقود اللاحقة أدت هذه الخلافات المذهبية الى قتل مئات الألاف ، فقد جاء في موقع / اليوم السابع – بتأريخ 10.04.2015 التالي ( حرب الثلاثين عاماً : هى حرب قامت بين الكاثوليك والبروتستانت خلال القرن الـ17 فى ألمانيا ، وانتهت بأوبئة ومجاعات وتدمير شامل بكل النواحى عام 1648م .. بدأت الكنيسة الكاثوليكية بما يسمى الحرب الدينية المقدسة ضد البروتستانية ، حيث أبادت %40 من شعوب أوروبا الذين ينتمون للبروتستانت ، وما يقرب من نصف سكان ألمانيا تحديداً .. ) .
3 . في الجانب الأسلامي ، حصلت فتن مذهبية بين المذاهب السنية ذاتها ، قادت الى كوارث ! ، ومن مقال بعنوان ” الصراع بين المذاهب السنية .. دروس مستفادة – أ. عبد الوهاب حسن ، أنقل بأختصار أهم هذه الفتن / إن المتأمل في التاريخ المديد للفتن يجد أنه لم يتغير شيء كثيرا عما نراه اليوم ، وكأن الزمن يعيد نفسه ، ولكن مع اختلاف المسميات ، فالتضليل والتكفير والحروب واستباحة الدماء والأعراض والأموال مازالت قائمة بيننا ، ودروس التاريخ تبين لنا أن الخلاف بين الفرق والمذاهب ليس خلافًا يحض عليه الدين بقدر ما يشجعه حب الزعامة والرئاسة . فلم يكن الصراع بين المذاهب والفرق الإسلامية حكراً على السنة والشيعة كما يعتقد كثيرون ، فقد شهد التاريخ الإسلامي صراعًا داميًا وحروبًا دامية ، بين الفرق والمذاهب السنية كذلك ، على أساسين مختلفين ؛ فقهي وعقدي .. أما أهم الفتن فهي : الفتنة الأولى – كان ما حدث سنة 393 هجرية بين الشافعية والحنفية ببغداد . والفتنة الثانية – ما حدث بمدينة مرو ببلاد خُراسان بين الشافعية والحنفية . الفتنة الثالثة – ما حصل بين الحنابلة والشافعية ببغداد سنة 573 هجرية . الفتنة الرابعة الكبرى – حدثت بأصفهان ببلاد فارس سنة 560 هجرية ، بين عبد اللطيف الخُجنّدي الشافعي ، ضد مخالفيه من المذاهب الأخرى ، واستمر القتال بين الفريقين لمدة 8 أيام ، قُتل منهم خلق كثير ، وأُحرقت وخُرّبت منازل كثيرة . أما الفتنة الخامسة – فكانت بأصفهان أيضًا ، بين الشافعية والحنفية في سنة 582 هجرية ، وقع فيها كثير من القتل والنهب والدمار ، وكانت سادس الفتن – بين المذاهب الفقهية السنية ، ما وقع بين الشافعية والحنفية بمدينة مرو أيضًا ، زمن الوزير الخوارزمي مسعود بن علي ، فالوزير كان متعصبًا للشافعية ، فبنى لهم جامعًا بمرو مشرفًا على جامع للحنفية ، فغضب الحنفية وأحرقوا الجامع الجديد ، وذكر ياقوت الحموي (ت 626ه) أن مدينة أصفهان في زمانه عمها الخراب ؛ بسبب كثرة الفتن والتعصب بين الشافعية والحنفية .. ولي مقال بهذا الصدد ، منشور في موقع / الحوار المتمدن ، بعنوان ” أئمة الأسلام خلاف وفتن وحروب ” / يمكن الرجوع أليه للأستزادة .
4 . أما أذا تكلمنا عن عمليات القتل بناءا على أختلاف الدين والقومية ، فيتجلى لنا عملية الأبادة الجماعية للمسيحيين / الأرمن ، من قبل العثمانيين – وكان عدد الأرمن الكلي في الأمبراطورية العثمانية حوالي 1.5 مليون نسمة . و للأمبراطورية العثمانية 1299 – 1923 الباع الطويل في عمليات التصفيات العرقية ! ، فقد جاء في موسوعة الهولوكوست ، ما يلي ( .. وحول عدد ما قتل العثمانيين من الأرمن في سنة 1915 ، فأن الموسوعة تشير الى أن عدد الضحايا ما لا يقل عن 664.000 ، وربما يصل العدد إلى 1.2 مليون خلال الإبادة الجماعية للأرمن .. ).
5 . وقام العثمانيون أيضا بمذابح أخرى ضد الشعب المسيحي ، بناءا على الأختلاف الديني والأثني ، وهي ما يعرف ب ” مذابح سيفو ” ، وبدأت الأبادة في صيف 1915 ، وقد جاء في موقع / المعرفة ، بهذا الصدد مايلي ( وتعرف كذلك بالمذابح الآشورية أو مذابح السريان ، وتطلق على سلسلة من العمليات الحربية التي شنتها قوات نظامية تابعة للدولة العثمانية بمساعدة مجموعات مسلحة شبه نظامية كردية ، استهدفت مدنيين من ” الآشوريين ، السريان والكلدان ” أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى. أدت هذه العمليات إلى مقتل مئات الآلاف منهم كما نزح آخرون من مناطق سكناهم الأصلية بجنوب شرق تركيا الحالية وشمال غرب إيران ، وتقدر عدد الضحايا بين 250,000 إلى 500,000 شخص ) .
6 . ومن عمليات الأختلاف الفكري ، أسرد أغتيال المفكر د . فرج فودة ، الذي طالب بفصل الدين عن السياسة والدولة وليس عن المجتمع ، وأعلن من قام بأغتياله ، المدعو – عبد الشافي رمضان ، أنه قتل د . فودة بسبب فتوى د . عمر عبد الرحمن / مفتي الجماعة الإسلامية الذي أفتى بقتل المرتد في عام 1986. ولما سؤل القاتل من أي كتبه عرف أنه مرتد ، أجاب بأنه لا يقرأ ولا يكتب . وكانت للمناظرة الذي حضرها فودة مع محمد خلف الله ، حول ( مصر بين الدولة الإسلامية والدولة المدنية ) وبين الشيخ محمد الغزالي ومرشد الإخوان مأمون الهضيبي والمفكر المصري محمد عمارة . وذلك في معرض الكتاب 1992 ، كانت المطرقة التي دقت المسمار الأخير في نعش حريّة الرأي وقتها من قبل الذين لا يعرفون كيف يجابهون القلم إلا بالرصاص / نقل مع أضافات للكاتب من موقعي أراجيك و www.independentarabia.com .
7 . ولو تفحصنا الأزمنة الحالية ، لرأينا أن الحروب والنزاعات تأخذ شكلا سياعسكريا ، ولكن السبب الرئيسي لنشوب هذه الحروب يرجع بالحقيقة الى الأختلافات المذهبية ، فالحرب في اليمن كانت بين الشيعة / الحوثيين ، وبين مجموعة من الدول السنية – هي حرب مذهبية بالأنابة بين محوري المذهب : السعودية الوهابي ، المدعومين من قبل الأمارات والبحرين ، وبين أيران الشيعية . وتتحرك أيران ، من جانب أخر ، في محاور أخرى أيضا ، وفق ثقلها المذهبي ” وهذا يتمثل بتدخلها في العراق وسوريا ولبنان . وكذلك تركيا / السنية ، وزعيمها الأخونجي أردوغان ، تمد أذرعها التخريبية في سوريا وليبيا والعراق .. مدعومة بشكل رئيسي من قبل قطر .
القراءة : أن الدين ورجاله يجب أن يبقوا في ركنهم المعد لهم ، وهو تقديم الوعظ الأيماني للمجتمع ، بعيدا عن التدخلات في معترك السياسة ، فيجب ترك الدولة ومؤسساتها لرجالها ، كما يجب فصل الدين عن الدولة ، فهذا التشابك أن حصل ، سيفقد للدين دوره الروحاني والعقائدي ، وبنفس الوقت سيعرقل دور الدولة المكرس لخدمة الشعب ، وما رأينا في الطرح أعلاه ، هو كان نتيجة للتدخلات الدينية ، بشكل مباشر أو غير مباشر ، في هياكل الدولة ، فالدين يجب أن يمارس في المعبد وليس في أروقة الدول والحكومات ! . فأن حصل عكس ذلك سقطت الدولة والدين معا ! وشواهد التأريخ تدلل على ذلك ! . أولا – بنيت العقيدة المسيحية على الخلاص ، وهذا الخلاص يتأتى من الأيمان بالمسيح ، ولم ياتي نتيجة الجهاد ضد الاخرين ، ففي ” رومية 10: 9, 10, 13 تنص على : لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ خَلَصْتَ . لأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ . لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَخْلُصُ ” ، فلا قتل ولا تكفير ، لأن الأيمان بالمسيح هو الخلاص ! ، وفي نفس السياق يقول المسيح في أنجيل يوحنا ( 11 : 25 ” قَالَ لَهَا يَسُوعُ : أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ . مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا ” ) ، فليس من وعود لنيل ملكوت السماوات ، عن طريق تصفية المخالفين . والكنيسة بعد مخاض كبير أبتعدت عن السياسة ، والعصور المظلمة التي كانت للكنيسة الكلمة العليا بها ، انتهى زمانها ، ففي موقع arknowledge.net يقول د. سمعان مجيد إلياس ( كان للكنيسة قوة في العصور الوسطى وسلطة على الناس ، وقد تم تخصيص الملوك لحماية الدين والكنيسة الكاثوليكيه الرومانية ، وقد قدم الناس مساهمات كبيرة للكنائس ، وكانت الكنيسة ترغم الناس على دفع حوالي 10% من أرباحهم . حتى أصبحت الكنيسة هي المؤسسة الاكثر نفوذا في العالم ) .. أما في العصر الراهن ، فأن الكنيسة ، أصبحت واجهة للدين وللحياة المجتمعية وليس من دور سياسي لها . وأصبح الخطاب الكنسي يتمحور على المسيح وتعاليمه بعيدا عن معترك السياسة ، وفقد رجال الكنيسة الثقل الدولي وأصبحت قيمتهم رمزية ، وانعكس كل هذا على خطابهم الديني المكرس لنهج المسيح في الخلاص والمحية . ثانيا – أما بالنسبة للأسلام ، فلم يتطور خطابهم ، وظل في غياهب الماضي ، فالاسلام تراثه لا يقبله العقل ، لأنه خارج متطلبات العصر ، ونصوصه دموية ، كالنص التالي ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ / 29 سورة التوبة ) ، ونصوصا أخرى تلغي باقي الاديان ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ / 19 سورة آل عمران ) ، أن هذا التراث المتحجر جعل من الأسلام ورجاله في عزلة تامة ، ومن جانب أخر ، تدخل رجال الأسلام في مفاصل الدولة – بشؤونها وقراراتها ، مما أدى الى خراب الدين والدولة معا ، أضافة الى تدخلاتهم الأخرى المذهبية والفكرية ، والمتفحص للدولة الدينية ، كأيران ، أو الدول التي يتحكم بها الدين كالعراق والسعودية والسودان .. ، يلاحظ أن الدين قد عطل العجلة المؤسساتية للدولة ، وما حدث من نزاعات وحروب كالحرب العراقية الأيرانية 1980 – 1988 أكبر دليل على ذلك .. ” فعندما يتحكم الدين بالقرار السياسي ، يصبح الدين لعبة وتكتيك ، بينما هو عقيدة وأيمان ” .

أحدث المقالات