اصدرت محكمة تركية حكماً بالغاء قرار رئيس الحكومة التركية – الذي صدر في ثلاثينيات القرن الماضي – بتحويل مسجد اثري كان كنيسة في الماضي البيزنطي “ايا صوفيا”الي متحف.. ليعود كمسجد ثانيةً، مع بقاءه كمزار سياحي في نفس الوقت!
هذا الحكم من الناحية القانونية و القضائية يمثل معضلة، اذ يثور تساؤل بشأن المبدأ و القاعدة التي استند عليها حكم القاضي ليلغي قرار حكومي – اداري صدر قبل نحو تسعين سنة ؟!
فباعتبار قرار الرئيس كمال اتاتورك قرار اداري فان للطعن في القرارات الادارية قواعد و ضوابط عدة من بينها التقادم (فترة زمنية يحددها القانون المعني في أي بلد تحديد دقيق و يبدأ احتسابها من وقت العلم بالقرار) و اتباع قواعد التظلم الاداري قبل اللجوء للقضاء الاداري..
و إن اعتبرت المحكمة ان سنوات حكم اتاتورك و من خلفوه من الرؤساء الاتراك لا تحتسب لأنهم لا يسمحون بالتظلم أو تقديم الدعوي الادارية فان فترات حكم اردوغان الطويلة (وصل للسلطة في 2002م) تعتبر كافية لاحتساب التقادم و عدم قبول الدعوة علي اساسه، كما يمكن رفض الدعوي لعدم اتباعها نهج التظلم المشار إليه..
أما ان قيل بأن القانون الاداري التركي لا يعتبر التقادم و لا التظلم اسباب مسقطة للدعوي فان هذا يعني ان كل قرارات رؤساء تركيا السابقون و الرئيس الحالي نفسه عرضة للطعن فيها في أي وقت و لأي سبب! و من الممكن ان يتم قبول الدعاوي بعد انتهاء حكم الرئيس الحالي و الغاء القرارات التي اتخذها و هذا يجعل القرار الاداري عديم النفع و الجدوي و يهدم الاستقرار الذي تستهدفه نظريات الادارة العامة!
من الواضح ان هذه الدعوي لا اساس قانوني و اجرائي لها و ان موضوعها هو مسألة سياسية بامتياز و إن الرئيس لا يريد ان يتحمل مسؤوليته السياسية و يتحمل مسؤولية قراره! و يريد ان ينفذ قرارات سياسته الشعبوية عبر وسيط! أو اراد تحصين سياسته الشعبوية من نقد خصومه (العلمانيين) و الذين يستندون علي دستور و ارث تركيا العلمانية لذا سعي لأن يعطي لقراره (مسحة قضائية) و هذا يعني ان القضاء نفسه غير مستقل انما مسيس و خاضع لهيمنة الرئيس و تحت طلبه ليقدم خدماته عند الحاجة.
ان محكمة استنبول و بهذا الحكم قد ارست للممارسة خطيرة للغاية و هدمت اركان الادارة و اركان القضاء معاً بضربة واحدة.
ان هذا القرار لا يهدد علمانية تركيا و دستورها فقط انما تهديد لاستقلالية القضاء و حياده و هذا يمثل تقويض لاحد اركان الديمقراطية.