18 ديسمبر، 2024 6:52 م

حول حاضر المجلات الطبية العراقية

حول حاضر المجلات الطبية العراقية

يعتبر النشر العلمي من واجبات رجل العلم وفي مختلف الأختصاصات. فلا تطور دون بحث ومراجعة لمتطلبات خدمة مما يقتضي تمحيصا في مصادر العلم المعاصر وأجراء الأختبارات والتجارب، فتتهيأ مادة علمية تكون على شكل يسمح للباحث من نشرها وتعميم نتائجها على الملأ. وهذا كله بالتأكيد له علاقته بأهمية توفر المعلومات العلمية للباحثين وسهولة الحصول عليها، مما يسهّل أمر أنتاج العلم ومعلوماته من خلال أستمرارية البحث العلمي.
ويصح هذا الأمر تفصيلا على الأطباء والباحثين منهم في شؤون الطب وأختصاصاته المختلفة من علوم أساسية أو سريرية، باطنية أو جراحية،والى غير ذلك من أختصاصات الطب وشؤونه. واذا كان الطبيب مشغولا بعمله الطبي السريري وفي توفير الخدمات الطبية لمرضاه، فلا يعني هذا عدم توفر الوقت اللازم لأنتاج العلم، بمعنى القيام بعملية البحث العلمي وأضافة المعلومة. وفي الحقيقة فأن تقييم الأطباء اليوم في دول العالم المتقدم أنما يعتمد في جزء منه على مقدار ما يقومون به من دراسات تقييمية في أختصاصاتهم أضافة الى ما ينتجونه وينشرونه من بحوث، قد يكون قسم منها متميزا من الناحية الأكاديمية البحتة. ولا يعني ذلك أن كل بحث أو  دراسة تقييمية يجب أن تكون متميزة نوعيا، وأنما يجب أن تكون هناك معايير خاصة لتقييم البحث وهكذا.
ومن هنا يتعين علينا معرفة الدور الكبير والمهم الذي تقوم به المجلات الطبية العامة أو المتخصصة في مجال نشر البحوث والدراسات الطبية. فالمجلة الطبية التي تنشر بحوثا يرصدها الآخرون ويستندون أليها في كتاباتهم ومراجعاتهم أنما تعتبر ميزان التطور السليم للمركز الأكاديمي أو الخدمي الذي تصدر عنه هذه المجلة. فقد تقوم مراكز خدمية وليست أكاديمية فقط بأصدار المجلات الطبية وذلك بالتعاون مع الجامعات مثلا وذلك لأعطاء المجال لكوادرها العلمية من نشر أعمالهم وبحوثهم تعميما للفائدة.
وقد عانى النشر العلمي في العراق ما عاناه، وخاصة منه النشر الطبي نتيجة لظروف مرّ ويمرّ بها العراق ومراكز العلم فيه. فأذا ركزّنا أهتمامنا على ما يدور حاليا في عملية النشر الطبي وجدنا أن أغلب الكليات الطبية العراقية أنما يصدر عنها مجلة طبية دورية أو غير دورية (اي بمعنى عدم صدورها بشكل منتظم) أضافة الى المجلة الطبية الصادرة عن وزارة الصحة في العراق. وكل هذا أدى الى تزايد النوع الجيد من البحوث المنشورة في مثل هذه المجلات. وها هي الأحصائيات الموثقة تقول بأن عام 2010 مثلا قد شهد فهرسة 22 بحثا فقط لها علاقة بجامعة بغداد، في حين كان عدد البحوث المفهرسة لمؤلفين في الجامعة نفسها في عام 2012 يبلغ 63 بحثا. وما هذه الفهرسة الاّ فهرسة في الفهرس العالمي للبحوث الطبية المعترف بها ذات القيمة العلمية والذي يعرف ب “البابميد” أو بالأنكليزية :
‘PUBMED’
وتجدر الأشارة الى أن عددا من المجلات الطبية العراقية أنما لها مواقعها وروابطها على شبكة الأنترنت مما يتيح للقاريء التوصل الى المقالة المنشورة بسهولة. وكما نلاحظ من خلال ما ذكرنا فأن عدد البحوث الطبية العراقية المفهرسة يبقى قليلا بالمقارنة مع عدد الكليات والجامعات والمراكز الصحية العراقية.كما أن من الضروري القول  بحقيقة عدم اعتراف المكتبة الوطنية الأميركية للطب بأية مجلة طبية عراقية، حيث لم تقم المكتبة بفهرسة أية مجلة في هذا المجال.
 ومن نافلة القول أن نشير الى أن أي تقدم في النظام الصحي في أي بلد أنما له علاقة متينة بأدلة وبراهين على صحة خطط هذا النظام ودقة الحسابات. فهذا وحده يضمن في واقع الحال التوصل الى النتائج المستهدفة من أية عملية تطوير تخص معالجة الأمراض أو الوقاية منها. فالطب الأكاديمي أذا صح القول له دوره الكبير في معالجة الأمراض غير الأنتقالية المزمنة في المجتمع وعلى جميع المستويات في المراكز الصحية الأولية وغيرها ولن يكون ذلك دون بحث طبي يأتي من عمل يستحق النشر في مجلة طبية لها قيمتها في الوسط الطبي العالمي وليس المحلي فقط.
لقد سعت الجمعية الطبية العراقية العالمية ومقرّها في المملكة المتحدة للمساهمة في النشر الطبي العراقي، وذلك من خلال أصدارها للمجلة الطبية العراقية العالمية، كما أن المعلومات جاءت مؤخرا عن نية الدكتور الجرّاح العراقي عبد الهادي الخليلي وهو الملحق الثقافي في أميركا في أصدار مجلة طبية عراقية ألكترونية، دعي للكتابة فيها والنشر كل الأطباء والأكاديميين العراقيين.
أن هناك مادة علمية غزيرة في العراق تنبع من عظم المشاكل الصحية التي يعاني منها المجتمع. وعليه فأننا هنا ندعو لتشكيل فريق عمل يتبع وزارتي الصحة والتعليم العالي ليقوم بتنظيم عملية نشر البحوث الطبية في العراق، ودراسة نوعية مثل هذه البحوث المنشورة ودعم الجيد منها، وأقامة المسابقات الدورية لتشجيع عملية البحث الطبي، ومنع جعلها عملية روتينية يقوم بها الطبيب أو الأكاديمي لغرض الترفيع الوظيفي، ففي ذلك الخطر على عملية البحث الطبي نفسها، ومن ذلك تنشأ مشاكل التزوير والسرقات العلمية، ولنا في ذلك تفصيل في مقالة أخرى.