وردتني رسالة من صديق عزيز معترضاً على ما ورد في مقالتي التي نشرتها قبل ايام بخصوص ملامح المشروع السنّي في العراق وجاء فيها أن كلامي عن الإقليم هو سعي لتقسيم العراقي وترك المناطق السنّية تذبح بيد داعش والميليشيات ، وإن الإقليم سيكون لأقل من نصف السنة .. الخ ، كما وردت تعليقات واستفسارات من آخرين تحمل أفكار ورؤى مختلفة حول الموضوع .
فلهم جميعاً .. أحببت أن أقول :
ابتداء … لا مجال لاتهام المطالبين بالإقليم بأنهم يسعون إلى تقسيم العراق ( وهي اللافتة المتعارف عليها اليوم ) فهذا نمط من الإرهاب الفكري يمارس على أصحاب هذا الرأي ، وهو قول لا يستند إلى أي دليل ويرده على الأقل أمور عدة ، ومنها :
الأول : ما ورد ذكره إن نصف السنّة لن يكونوا في هذا الإقليم ، وهذا يجعل دعاة الإقليم لا يفكرون إطلاقاً بالإنفصال لأن مصلحتهم بعكس ذلك إطلاقاً .
الثاني : إن دعاة الإقليم كانوا وما زالوا اشد الناس دفاعاً عن مشروع وطني يجتمع عليه العراقيون ويقوم على لا مركزية إدارية ومؤسسات دولة تقوم على أساس المواطنة قبل أي اعتبار آخر ، وشهد لهم سلوكهم عندما تولوا المواقع المهمة في الدولة الحيادية والمساواة بين جميع العراقيين بل كانوا من المعترضين على تكوين الإقليم في البداية لولا إن السلوك الذي تم التعامل معهم به غير من توجهاتهم وإن المطالبة بالإقليم بدأت تلقى رواجاً عندما فشل سعيهم إلى دولة المواطنة رغم كل جهودهم وتضحياتهم .
إن داعش وغيرها ما كان لها أن يستفحل أمرها لو كان للسنة كيان كما للكرد كيان ، فان استفحال داعش إنما هو بالإهمال الذي تعاملت به الدولة مع مقدمات نموها بل أحياناً بتشجيعها بهدف إضعاف الموقف السني العام إلى أن انقلب السحر على الساحر .
ثالثا : إن الإقليم يعطي المجال لتوازن السلطة والذي هو أساس في استقرار الدولة .
رابعا : علينا أن ننظر إلى الأمور بواقعية ، إن الاعتراض على الإقليم هو الذي سيؤدي إلى التقسيم وخاصة إذا اتخذ الاعتراض مساراً غير دستوري ومورس القهر السياسي ضده وإلا ما الذي جعل داعش تحقق هذا النجاح لولا ما تكوّن من ردود فعل داخل المجتمع ؟
إن داعش تطرح مشروعا بديلا يلقى هوى عند قطاع من الناس وقد يتزايد وهو الدولة الواحدة التي تشمل مساحة كبيرة من سوريا والعراق تمهيدا لما هو أكثر وهو مشروع يدغدغ حلم الوحدة التي فشل القوميون في تحقيقها ، و لولا إن داعش تنفر الناس عنها بفكرها المتطرف لكان لدعوتها صدى أوسع فكيف يكون البديل ؟
خامسا : إن رفض الدعوة إلى الإقليم لا تكون بنقاشات عقلية أو عاطفية ولكن من خلال مشروع المواطنة وهو المشروع البديل لمشروع الإقليم فهل هناك من يستطيع تحقيقه ويضمن استمراره.
إن الصعوبات التي في مشروع المواطنة انه يستند في تحقيقه إلى النوايا الصادقة عند القادة والسلوك الذاتي لهم ولأنصارهم وهذا ما لم يتحقق وليس في الأفق ما يشير إلى إمكانية تحقيقه بعد أن استفحلت المشاعر والسلوكيات الطائفية وللأسف ، فكيف يتحقق هذا المشروع ومن سوف يحققه القضية ليست في طروحات مجردة بل في واقع صرنا إليه رغم أنوفنا .
وأنا هنا أدعو أصحاب المشروع الوطني ومشروع دولة المواطنة أن يستمروا بجهدهم وأتمنى لهم التوفيق ولكن لا يمكن الانتظار إلى أن ينجحوا في إيجاد ثقافة جديدة عند الجمهور وعند النخب فذلك لن يتحقق إلا بعد خراب البصرة وبغداد فان تحقق ذلك ووجدنا إن الإقليم نظام فاشل فليس هناك دستوريا أسهل من إحداث تغيير يعطي الحكومة المركزية أو الاتحادية سلطات اكبر .
سادسا : وهو الأهم علينا أن ننطلق من الاحترام للإنسان العراقي وإرادته وان نقنعه بمشروعنا فلا نتحجج بالمصير لنحرمه من حقه في تقرير مصيره نحن نحترم من ينادي بالإقليم ونحترم على قدم المساواة من يرفضه والحكم في ذلك للشعب واختياره .
قد يكون جيل السياسيين الحالي فشل في أن يجعل المشروع الوطني هو المشروع الذي تبنى عليه الدولة فلينبري غيرهم ويستطيع النجاح في تكوين تيار بفكر جديد غير هذا الذي رأيناه .
أنا أقدس حق العراقي في الاختيار وليس لنا معه إلا الحوار والإقناع ولا اقر أي وصاية أو فرض أمر عليه بأي حجة كانت ، وإذا كان الذي في السلطة يرفض الإقليم فعليه أن يقنع الشعب بإجراءاته وسياساته بترك فكرة الإقليم لا أن يمارس السلطة الغاشمة في هذا المنع.
ثم نأتي إلى من يقول ماذا هو مصير بغداد أو ديالى أو البصرة أو سامراء فاختصر فأقول :
هل نحن أمام دولة ظالمة مستبدة أم دولة تسير وفق الدستور فان كان الثاني فلا خوف على هؤلاء الدستور يحميهم أما إذا كنا أمام دولة مستبدة فلا حاجة لان اذكر بكيفية التعامل مع مثل هكذا دولة ومصيرها.
إن الإقليم يهدف إلى تعزيز قوة المكون وقدرته على التفاوض واستخلاص الحقوق ومن موقع قوة لذلك فهؤلاء الذين قد لا يكونون ضمن الإقليم قوتهم بوجود إقليم يهتم بحقوقهم أما دونه فان الظلم يعم عليهم وعلى غيرهم .
ألا نرى إن الموقف الكردي التفاوضي هو أقوى بكثير من الموقف السني العربي أليس ذلك بسبب استنادهم إلى الإقليم ؟
قد يقول قائل لم تفترض أن الأمر سيستمر ، ألا ترى التغيير الذي حصل ؟ فأقول : نعم قد اخذ من حكم العراق عبرة وإننا أمام نهج جديد ولكن هل من ضمان لنرى التغيير أولاً ؟