المقارنات اداة من ادوات قياس الانجاز وكذلك لتقدير واقع الحال الراهن للأشخاص او الاشياء او المجتمعات.
بعض الامور لايجوز قياسها مقارنة بغيرها لكي نستنتج ان الأمر الاول افضل من الثاني او العكس.
لقياس المستوى الاخلاقي لشخص ما ، مثلاً، لايجوز القول انه افضل من فلان لأن فلان قتل عشرين شخصاً في حين انه قتل شخصين فقط ، لأن كليهما قاتل ومجرم.
ولايجوز القول ان فلان اكثر نزاهة من الآخر لأنه سرق مليون في حين أن الآخر سرق مئة مليون ، لأن كليهما لص وفاسد.
هذه الامور تحكمها قيم مطلقة وخطوط حمراء لايجوز تجاوزها بأي شكل وبأي مقدار.
في نفس الوقت هناك أمور لاتحكمها خطوط مطلقة بل تستخدم اساليب القياس المقارن ، مثل القول ان راتب فلان اعلى من فلان فهو افضل منه مالياً ، او انه يمتلك سيارة والآخر لايمتلك سيارة فهو افضل منه من حيث سهولة التنقل.
ومن الناحية الاقتصادية وفي دراسات الرفاه ومستوى المعيشة، تستخدم صيغ متعددة لقياس مستوى الفقر او درجة الرفاه بين الافراد في المجتمع،
بعضها نسبي وبعضها مطلق.
فهنالك مقياس الفقر المدقع (abject)
والذي يترجم عن الانكليزية بكونه الفقر المذل ايضاً، حيث يشعر الانسان بالمذلة والاهانة لشدة فقره..
وقياسه يتم عن طريق قدرة الفرد على الحصول على مايبقيه حياً من السعرات الحرارية.. اي ان المصاب به يتضور من الجوع.
ومعالجة اوضاع هؤلاء تحتل الاولوية المطلقة لأي جهود اغاثة او معونة.
يأتي بعده مقياس الفقر المطلق ( absolute )ويتم قياسه عن طريق اختيار سلة من السلع والخدمات الاساسية التي تؤمن للفرد حياة لائقة ويجري احتساب كلفتها نقدياً عن طريق مراجعة اسعار النوعية المتوسطة من تلك المفردات في السوق .
وبتجميع تكاليف الحصول على مايحتاجه الفرد منها جميعا، نحصل على الحد الادنى من الدخل الفردي الذي يضمن الحد الأدنى من الحياة اللائقة . وهذا مايسمى بخط الفقر المطلق absolute poverty line
ويتم الحصول على ماهو اساسي للفرد من سلع وخدمات من خلال بيانات مسوحات نفقات ودخل الأسرة الدورية التي تجريها معظم دول العالم.
حيث يمكن استخراج مرونات المفردات الاستهلاكية المختلفة وبالتالي تقرير ماهو اساسي للفرد وماهو غير اساسي والتي عبّر عنها الفرد من خلال قراراته الانفاقية.
ويُستخدم خط الفقر المطلق في معظم دول العالم لتحديد الحد الادنى للدخل وحدود الاعفاء الضريبي ومبالغ الضمان الاجتماعي.
وفي معظم الدول المتقدمة ونظرا لعدم وجود فقر مطلق ( باعتبار ان برامج الضمان الاجتماعي تؤمن الحد الادنى اللائق للحياة) ، يُستخدم اسلوب آخر يسمى خط الفقر النسبي
relative poverty line
وهو يَعتبر كل من لايحصل على دخل يساوي مثلاً ، خمسين بالمئة من متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي ، يعتبره فقيراً.
والنسبة تعتمد على الوضع المالي والاقتصادي للبلد حيث ان بعضها يعتمد نسبة ٤٠٪ وأخرى تعتمد ٥٠٪ وهكذا.
مقياس الفقر النسبي يعنى بالعدالة الاجتماعية وتوزيع الدخل اكثر من اهتمامه بالبحث عن افراد جياع.
ولهذا قد تنشر وسائل الاعلام نسب الفقر في بلد متقدم ، ويتخذها البعض وسيلة للشماتة والسخرية من تلك الدول معتقداً انها نفس مقاييس فقر بلداننا النامية.
ختاما لموضوع الفقر وقياساته النسبية والمطلقة، أشير الى مقياس ازداد الاهتمام به خلال السنوات الاخيرة وهو الفقر متعدد الابعاد :
multidimensional poverty
ويتكون من ثلاثة ابعاد رئيسية هي الصحة والتعليم ومستوى المعيشة.
ويتكون البعد الصحي من فقرتين هما وفيات الاطفال وسوء التغذية.
اما البعد التعليمي فيتكون من فقرتين ايضاً وهما: السنوات التي قضاها الفرد في التعليم ( لمن هم خارج عمر الدراسة) والسنوات التي يتوقع ان يقضيها الافراد في التعليم (لمن هم في عمر الدراسة).
اما بُعد مستوى المعيشة فانه يتضمن :
وقود الطبخ المستخدم والصرف الصحي ومياه الشرب والكهرباء والسكن وامتلاك الاصول ( الموجودات) ويقصد بالأصول المقتنيا المعمرة ( كالأدوات الكهربائية والسيارة مثلاً) .
وبذلك نجد ان مقياس الفقر متعدد الابعاد يرتقي باسلوب قياس الحياة اللائقة ويبتعد عن اتخاذ الدخل لوحده كمعيار يحدد رفاه الانسان ويبعده عن الفقر.
قد يمتلك الانسان دخلاً عالياً لكنه يعيش في بيئة ملوثة ويشرب مياه ملوثة ويموت اولاده لغياب الرعاية الصحية ولايحصلون على تعليم جيد ، لذلك فهو يعتبر فقير بغض النظر عن مقدار دخله النقدي.
في ختام هذه المقالة اود الأشارة الى تطبيقات وفوائد هذه المؤشرات . حيث تستخدم في صياغة البرامج التنموية وتوجيه الموارد نحو مصادر الفقر وتبني السياسات التي تحد من تفشي الفقر.
سياسياً ، يستخدمها السياسيون الجادون لتطوير برامجهم السياسية ويستخدمها البرلمانيون لمحاسبة الحكومة وتستخدمها المعارضة ومنظمات المجتمع المدني لصياغة مطالبات اجتماعية ناضجة ومسؤولة.