يعيش فى كل المجتمعات البشريه اشخاص بصفات , مواهب وامكانيات مختلفه تقوم على الارث الجينى وعملية التنشئه الاجتماعيه التى يحصل عليها الفرد والتى تؤثر بقوه على بلورة شخصيته, تحدد نوعية السلوك والطموحات وامكانية واسلوب الوصول اليها. اننا نجد بيننا وحوالينا نوعيات معينه من الاشخاص الذين لا نرغب فى التعامل معهم, مثلا ان يكونوا كثيرى الكذب, او العنف والعدوانيه وميل للسرقه والجريمه, او بشكل عام منافقين ومتلونين حسب الموقف والحاجه. ان مثل هؤلاء يسببوا كثيرا من المتاعب ويخلقوا جوا من الشك والريبه كما ان الاضرار التى يسببوها تنحصر فى اطار محدود وان كانت بالنسبه للبعض تمثل خسائر فادحه. ان مثل هذه الشخصيات, المتطرفه العنيفه خاصة والتى اكتشفت حقل السياسه سبيلا مثمرا واعدا, تنمو لديهم هذه المكونات طرديا مع الفرص المتاحه, ومع الوقت بحيث يتم التجاوز على كل ماهو مألوف ومعترف به مجتمعيا وتصبح الطموحات والمصلحه الذاتيه فوق كل الاعتبارات ولم تعد الاساليب قضية يتوقف عندها طويلا., ويصبح كل شىء مباح. التاريخ القديم والحديث سجل عددا مثل هذه الشخصيات الى استلمت قياده الدوله سوى بالوراثه او بتصفيه المنافسين لهم بشتى الطرق, كما ان التاريح المعاصر ما زال يشهد مثل هذه الشخصيات التى تعتقد انها الافضل, الاجدر , الاكثر ذكاءا, الاكثر جمالا وجاذبيه… الخ من الادعاءات المضخمه من الذين اقتحموا السلطه ليعيثوا فى البلد فسادا وينقلوها من كارثة الى اخرى. ان مصالح الشعب والدوله التى يدعون حريصين عليها والتى يتشدقون بها , انما هى انعكاسات الطفوله المحرومه المعذبه ومركبات النقص والدونيه التى نشؤا عليها والتى مازالت تصاحبتهم وهم فى اعلى مناصب الدوله ولم يفلحوا فى معالجتها والتغلب عليها,.لذلك استمر الطغيان والعنف والارهاب واستباحة الدوله وثروات المجتمع. ان مثل هذه النماذج ما زالت اثاره قائمة فى المجتمعات والدوله التى سيطروا عليها امثال عيدى امين, رئيس الكونغو, القذافى فى ليبيا والخمير الحمر فى كومبوديا…. ولا ننسى نحن العراقيون القائد الضروره, العبقرى, حارس البوابه الشرقيه الذى استباح العراق دولة وشعبا وثروات, كان الكل بالكل وكان غضبه ومزاجه ينذر بالخطر الكبير وكانت عقوباته تبدأ وتنتهى بالاعدام والتصفيات. ماذا عن هتلر وترامب الذين وصلوا الى السلطه بالانتخابات الديمقراطيه, انهم فى حقيقة الامر مرضى ايضا لايختلفون عن الذين سبقوهم ولكن من خلفيات وتنشئه اجتماعيه اخرى مختلفه. لم يعانى هتلر من طفولة معذبه وحرمان مادى او نقص فى الرعايه والمشاعر, خاصة من جانب امه التى كانت ترعاه بحنان و تخصه برعاية كبيره وتغدق عليه بالطعام وخاصة النستله والحلويات. كان كسولا, لم يفكر بالمستقبل وعاش فى فضاء وتصورات احلام اليقظه معتقدا انه مؤهل لاعمال كبيره وخلق كفنان مرهف, هذا مازرعته فيه امه التى كانت مضطهده من الزوج. لم تكن عملية البلوغ موفقه والتحررالجنسى من الام ولم يكن الاب النموذج الذى يمكن ان يحتذى به , خاصة شعوره بالاخصاء من قبل الاب وشعور بالدونيه كرجل لانه كان ذو خصية واحده. ينسب اليه مختلف الممارسات الجنسيه المحرمه خاصة مع الام والاقارب والتى لم يتحرر منها ابدا. لقد فشل فى الانتساب الى اكاديميه الفنون فى فيينا لقلة الموهبه وعدم حصوله على البكالوريا. وعاش مشردا بدون عمل وفى ضياع كامل وكان يقرأ الكثير مما كان سائدا انذاك من افكار محافظة جدا وكراهية لليهود والساميه والماركسيه والبلشفيه وقد انعكست لديه ارجحية الجنس الارى والتوسع ووتصفية يهود اوربا. مع اول بدايات الحرب العالميه الاولى قدم متطوعا للانتساب الى الجيش الالمانى هربا من الخدمه الالزاميه فى جيوش الامبراطوريه النمساويه الهنغاريه. كانت تجربة الحرب والحياة العسكريه ذو تأثير كبير عليه وكانت هزيمة المانيا ومعاهدة فرساى قد فتحت له الابواب مشرعه لنشاط سياسى وافكار متطرفه جدا وقد ساعدته موهبته الكبيره فى الخطابه والعرض المسرحى فى التأثير بالجماهير الى تقف امام دمار مدنها وخراب بيوتها واماكن عملها, يوعدهم بالخلاص والعمل والقوة والكرامه وهم الجنس الارى المؤهل للقياده والحكم.هذه الوعود المغريه , قوة الشخصيه والاراده الحديديه والتصور الواضح لدكتاتوريه القياده وسحر الخطابه التى كانت له تعويضا عن العملية الجنسيه, بالاضافه على قدرته الكبيره فى كسب ولاء وثقة الجماهير الالمانيه. لم يشهد التاريح من قبل بلوع شخصية لم تعرف العمل المنظم ولم تحصل على تعليم اكثر من الاولي ان يتولى حكم دوله كبيرة متقدمه وشعب متحضر ويقودها بهوس الحرب وجنون التفوق العرقى والتوسع الجغرافى وكراهية وتصفية يهود اوربا فى نهاية الامر الى حروب مدمره كلفت الشعوب حوالى 60 مليون انسان ومئات الملياردات. ان كل هذه التضحيات كانت فى حقيقة الامر انعكاس لشخصية مشوهة ورجولته لم تكتمل كانت احد اهم عذاباته الاساسيه ولم تحضى على تعليم راقى يخفف من حدة المعانات الشخصيه .
ان الرئيس الامريكى دونالد ترامب هو ايضا احد هذه الشخصيات الغريبه المريضه المصابة بمرض النرجسية المزمن العضال, ولد فى عائلة مرفهه وتولى شركة والده بعد وفاته وكان مقاولا ناجحا وشيد عدد من فنادق الدرجه الاولى فى امريكا وخارج امريكا التى تحمل اسمه غالبا. لقد كان يحاول دائما ان يكون المركز والمرجع وموضع الانظار ووحديث المجتمع وكانت ينشر مغامراته العاطفيه فى كثير من المبالغه وغالبا ما كانت النساء مؤجورات وبنات هوى, فى امل وطموح ان ينظر اليه ليس الناجح والمليونير وانما ايضا الفحل الذى يقتحم حتى الجدران, ولتعزيز هذه السمه كان يحيط نفسه بالجميلات من عارضات الازياء والموديلات وملكات جمال. كانت مشكلته مع والده الذى كان يفضل اخاه عليه, كان يحاول دائما ان يثبت انه الاجدر. كان رجل اعمال ناجح وله عدة مؤلفات فى ادارة الاعمال, كما كان يقدم برنامجا تلفزيونيا من احد محطات التلفزه المعروفه تحت عنوان ” مرفوض- – Fired ” وكان شديد الميل فى استخدام المصطلحات المضخمه القويه والعنيفه التى تعكس بعدا مهما من بنيته الشخصيه التى ترهب الاخرين وتحاول ان تضعه فىى موضع الرجل القوى المتمكن والمسيطر على الامور دائما. كان ومازال الرئيس دونالد ترامب مشعولا بذاته دائما وكان فى واقع الامر لا يجد الراحه ولكنه يشعر بالنشوه والقوه فى التحكم بالاخرين والتعبير عن ضالتهم امامه. كان دونالد ترامب فى حملته الانتخابيه للرئاسه قد عهد امريكا باستعادة قوتها عالميا ثانيه, وان تكون امريكا فى عهده فى الدرجه الاولى وكأن الرؤساء السابقين كانوا عكس ذلك. دخل ترامب عالم السياسه كرجل اعمال, يفهم كثيرا بالربح والخساره واستطاع ببساطه ابتزاز بعض حكومات ا لخليح بما لاثقل عن 800 مليار دولا ثمنا لحمايتهم. قاموا بالدفع دون ان ينبسوا كلمة واحده, ولا شك فانه فرض تصورات اسرائيل وزوج احد بناته وجماعات الضغط اليهوديه على القاده الفلسطنيين. وكما يشير الخبراء انه لم يتصرف بحكمه تجاه الصين, كوريا الشماليه وايران, هذا بالاضافه الى فشل سياسته السخيفه تجاه فاجعة الكورونا. اما علاقته بالوزراء فلم تكن الافضل وعزل الذين امتنعوا الاستجابه له والاخرين قدموا استقالتهم. كانت التغريدات التى ينشرها فى منصات التواصل الاجتماعى المتعدده فى اليوم الواحد تعبيرا عن جنونه بالعظمه ومداوات النرجسيه وان يكون محط الانظار, حتى انها كانت احد الاساليب التى مارسها فى اداره الحكم. نجح الرئيس ترامب فى وضع حد فاصل بين الامريكان, الذين يحترموا الدوله والقانون, من الديمقراطيين والليبراليين والاخرين الذين يعرفون ” بالاكثريه الصامت” التى تحولت منذ بضعة سنين نخو اليمين والعنصريه وضد الشرقيين والمسلمين. الا ان هؤلا ء الذين صوتوا لولاية ثانية لرئاسة الرئيس ترامب يبلغ عددهم 70 مليون امريكى, انها كتله ضخمه من المجتمع الامريكى التى تشعر بانها لم تحصل على فرصتها فى التقدم والرفاهيه وفرص التعليم والرعايه الصحيه ويعيشون فى قلق مستمر فى فقدان امكان عملهم, انهم فى حقيقة الامر يدينون النظام الامريكى خاصة فى مرحلة رأسماليته المتوحشه, ولكنهم مغيبون مغرر بهم فى الاعتماد على الرئيس الذى يستخدمهم ولايعير اهتماما الا لاصواتهم الانتخابيه. هذه الحاله ليست جديده على امريكا. ان عدم اعتراف الرئيس ترامب بنتائج الانتخابات الرئاسيه واتهام الديمقراطيين بالتزوير يمثل حالة جديده وغريبه تاريخيا فى ممارسات الرئاسات الامريكيه تاريخيا , كما ان هذا الاتهام خطير بالقدر الذى يمثل تجاوزا على القوانين والاعراف الديمقراطيه المتراكمه. اما عن المطالبه باعادة العد والفرز التى تطورت فى مناشدة ناخبيه بالاعتراض والاحتجاج والمظاهرات التى تكللت بالمسيرة الى العاصمه واشنطون واقتحام الكابتول عملية تدينه اشد الادانه وتضعه فى موضع الذى لايعرف المنافسه الشريفه والذى لا يتحمل الخساره. ولايعترف بالقوانين. ان دونالد ترامب الذى مثقل بنرجسيه مزمنه تجعله يشعر بأهليته وشعوره بالتفوق على الاخرين وهو بذلك لا يمكن ان يكون فاشلا امام رجلا مريضا لا يستحق ان يكون رئيسا لامريكا. ان نجاحه فى الرئاسة الاولى وتغريداته المستمره فى منصات التواصل الاجتماعى وغروره المتعالى يمثل الهوس الجنونى بشخصه المفتون به والذى بحاجه مستمره لاطعامه وتغذيته كى يجد التوازن فى العمل والحركه, انه كالادمان على المخدرات التى تلزم وتفرض على المدمن تناول جرعاته كى تستطيع اجهزته المريضه على العمل.
ان امريكا ومستقبلها لم تكن ما يشغل دونالد ترامب بالقدر الذى تؤكد على فرادته, نجاحه وعبقريته, وكذلك بالنسبه لهتلر لم تكن معاناة المانيا شغله الشاعل, وكذلك زعماء العالم الثالث المرضى العصابين الذين كان خبثهم وجهلم بامور الدوله والمجتمع ما يخجل منه بسطاء الناس.