صدرت منذ عدة عقود, ومازالت تصدر عن مثقفين عراقيين وعرب مقولات وتوصيفات حول الشعب العراقى, وكما يبدو فان الشعب العراقى ينبوع يرتوى منه البعض ويصدر اراءا واحكاما يجلد بها الشعب العراقى كى يبدو فيها تفوقه, فرادته وتعاليه وبعضا من النرجسيه. من المقولات الشهيره, ما ينسب الى الامام على بن ابى طالب فى خطبه بعد معركة الجمل والنهروان. كما ما صدر من الحجاج بن يوسف الثقفى المثقل فى الشعر بالدونيه, والذى اراد ان يعوض عن كبرائه المجروح المهان بالقتل والارهاب والتعسف “…… يا اهل العراق اهل الشقاق والنفاق….الخ”, كما ان الدكتور الوردى احتل مكانا بارزا فى ,,مقولاته,, التى تحولت الى نظريات اشكاليه حول الشعب العراقى” ازدواجية الشخصيه العراقيه” و”التناشز الاجتماعى.” التى تحولت من “ظواهر اجتماعيه” الى امراض نفسيه وشتسفرونيا واصبحت احكام مسبقه ما زال تداولها قائما. يضاف الى ما سبق ميل العراقيين الى العنف والقسوه ورغبتهم بالعصيان والتى اصبحت سجيه من سجاياهم. ان ما يستنتج عن هذا مثير وعدائى بحق الشعب العراقى, انهم يؤكدوا ويبرروا ما استخدمه الطغاه من اضطهاد وعنف وقتل وتشريد مثل الحجاج وصدام حسين ويعتبروهم النموذج الواقعى والطريقه الناجعه فى حكم العراقيين, وليس هذا فحسب وانما, نحن صانعوا الطغاة والمتجبرين….الخ. فى تغريده لاحد كبار الروائيين العراقيين الاستاذ احمد الزهراوى يؤكد فيها على اننا نحمل صدام حسين فى دواخلنا وحينما تتاح الفرصه, ان يكون احدنا فى موقع السلطه, فسوف نحذوا حذو صدام وربما نتفوق عليه, نحن نحمل صدام فى دواخلنا ما يعنى باننا صداميون صغار, لم تأتى فرصتنا بعد او قد ضاعت علينا.!!ا وصفات اخرى, النفاق, التملق والانتهازيه التى يعتبرها البعض , ليست فقط عادة مستفحلة, وانما ظاهرة اجتماعيه عراقيه.!! فى الحقيقه ان سمات ووصفات اخرى تلصق بالشعب العراقى فى مختلف المناسبات, مثلا قضية الفرهود ضد اليهود على ائر حركة رشيد عالى الكيلانى, او تجاوز بعض منتسبى القوات العراقيه حينما دخلت فى البدايه الاراضى والمدن الايرانيه على ممتلكات الايرانيين الذين تركوا بيوتهم خوفا من تبعات الحرب, يضاف الى ذلك السرقات التى حصلت فى احتلاال الكويت.
ان جميع هذه التشخيصات , الاتهامات, تقوم على المراقبه, والمشاركه الذاتيه والخبره العمليه فى حالات ربما حصل حدوثها فى مناسبات معينه, الا انها لا تملك قوة التمثيل والتعميم, هذا بالاضافه انها تقتصر على عملية الرصد التى تتاثر كثيرا بموقف الراصد ووضعه النفسى والاجتماعى, والتى تقف عند السطح ولا تبحث عن الاسباب التاريخيه والقوى المتصارعه التى تفرز هذه ” الظاهره”. فى البحث عن الاسباب سوف يكون التعميم نسبيا, هذا يعنى اقتصاره على محدودية حالات المشاهده, ليس مطلقه وغير قابل للتعميم, بمعنى انه رأى شخصى له حدوده وابعاده ويحمل اشكاليته بنفس الوقت.
ان كل هذه السمات التى تلصق بالشعب العراقى يمكن مشاهدتها فى كل المجتمعات البشريه. ان الفرهود الذى حصل على املاك اليهود فى بعض الفترات ليس ظاهرة عراقيه فقد حصلت وتحصل فى مجتمعات اخرى حينما تتوفر العوامل المساعده, خاصة الاحكام المسبقه وايديولوجية الدوله واهدافها. فى المانيا النازيه لم يقتصر الموقف على العداء للساميه وانما اعتبر اليهود اعداءا للشعب الالمانى ويحاولو تقويض الدوله الالمانيه من خلال سيطرتهم على الراسماليه العالميه والافكار الاشتراكيه والبلشقيه وقد وضع الحل النهانى لليهود فى اوربا كما حصل ذلك فى معسكرات الاعتقال والمحرقه. وخلال سنين الحكم النازى 1933- 1945 انتهكت حقوقهم واصبحوا صيدا للجميع, ومنعوا من التوظيف ورفع شعار” لاتتسوقوا فى المحلات اليهوديه. كما ان ممتلكاتهم العينيه والنقديه وحتى الانجازات الفنيه تم الاستيلاء عليها. فى فترة انقلاب رشيد عالى الكيلانى المؤيد للنازيه كانت شروط مشابهه ولكنها اقل حديه, ومع ذلك كانت كافيه فى تجاوز حقوق اقليه عراقيه مقيمه فى بلاد وادى الرافدين منذ بضعة قرون. اما احدات سرقة المحلات التجاريه التى حصلت مؤخرا فى امريكا على اثر مقتل الافريقى الامريكى جورج فلويد فبل شهرين من قبل احد افراد الشرطه, فهو نوع من السلوك الجمعى المثقل تاريخيا بالعنصريه والانتقام والعوز والحاجه. مثل هذا الفرهود يحدت كثيرا حينما تتوفر شروط اوليه بسيطه. كم حصل ويحصل فى بريطانيا وفرنسا وفى دول اخرى. ان الفرهود يعتبر ايضا ضمن فوضى السلوك الجمعى المثقل سياسيا واجتماعيا وعليه فانه ليس ظاهرة عراقيه ولايمكن ان يصلب بها الشعب العراقى.
لم يكن احتلال الكويت غلطة كبيره اقترفها القائد الضروره والذى ادركها بعد سنين عديده, بعد فوات الاوان, وانما جريمة تاريخيه بحق الشعب العراقى وكانت تبعاتها كارثيه وما زالت فاعلة لحد اليوم. لم يكن سلوك بعض افراد القوات العراقيه المسلحه نموذجيا وربما كان عدد الذين شاركوا فى السرقات كبيرا, كما ان احتلال الكويت لم يحصل بين يوم وليله, وانما سبقته خلافات ومناوشات فى وسائل الاتصال واتهام الكويت والامارات بالتأمر على الاقتصاد العراقى من خلال غرق سوق النفط الدوليه بالنفط الخام الذى ادى الى تحجيم امكانيات العراق لمواردها النفطيه التى هو بأمس الحاجه اليها. اما بالنسبه للموقف مع ايران فان الضحايا البشريه والماديه التى فرضت اتفاقية الجزائر وبالتالى التنازل لنصف شط العرب لايران . ان التنازل عن حدود عراقيه لايران ليست بهذه البساطه ان تمر دون تبعات, وصدام حسين الذى يعتبرنفسه زعيما ثوريا, ولاحقا حارس البوابه الشرقيه والعربى الذى لاينسى الثأئر, اخذ الاستعداد بجديه عاليه لاعادة شط العرب, وربما ” “عربستان” الى اصولها العربيه. ولاشك قد اخذت تعد وترسم منهجيا صورة قبيحه لايران, خاصة مع “ثورة الخمينى” التى اعتبرت من قبل صدام حسين خطرا عظيما يهدد سلامة وامن العراق.
لم يكن احتلال الكويت سفره سياحيه للاخوه العرب, الذين كانوا دائما اشداء على العراقيين, وكان دخول قواتنا المسلحه صوره حداثيه لغزوات القبائل العربيه بعضها لبعض ما قبل الاسلام وفى عصر الفتوحات وكانت الغنائم تمثل احد الاهداف الرئيسيه من عمليات الغزو والفتوحات. ان غزوة الكويت لم تقتصر على ما حمله واستولى عليه افراد القوات والتى تمت برضى وموافقة السلطات العراقيه, وحينما اعلنت الكويت كاحد محافظات العراق اخذت الحكومه ورجالاتها والدول ومؤسساتها رسميا بعملية السرقه والفرهود, وشاركت كذلك قطاعات معينه بشكل احترافى فى عمليات الفرهود, وشاركت ايضا جاليات عربيه فى السرقات التى جمعها قد لصقت بالعراقيين. لم يحضى الشعب العراقى الا نادرا بحكام ذو اصول اجتماعية رصينه, مثقفين ويتمتعون باعداد علمى او مهنى ويضعوا خارطة الطريق بكل حقولها الاجتماعية والاقتصاديه التى تساعد على بناء جسور الثقه بين الحاكم والشعب والتى سوف تفرز اخلاقيات وسلوكيات تراكميه يمكن ان تتفاعل مع العالم المتحضر الحديث, بعيدا عن الشعارات الثوريه والانتصارات ومحاربة الاستعمار!!. كما يسهر ويبذل الوالدان الجهود لتربيةالاولاد والبنات وبمساهمة المجتمع , تحتاج الشعوب الى من يقرب ويقدم لها الاصول والمبادىء الصحيحه, مثل احترام الاخر , شرف العمل , المسؤليه الشخصيه والوطنيه, الالتزام والواجب والعمل التطوعى…. ببساطه اخلاقيات مجتمعيه تقدمها الدوله والحكومه حينما تمتلك مثل هذه المقومات.
نشأة وتطورت فى ارض وادى الرافدين على امتداد 6000 سنه مجموعه من حضارات التىتعتبر مهد الحضاره البشريه, ولا شك فأ توفر خيرات كثيره ومناخ ملائم وخصوصية الارض, بالاضافه الى الموقع الجغرافى قد كان هدفا للطامعين والغزاة من بلدان الجوار والمغامرين ايضا. ما الذى جاء بالاسكندر المقدونى الى بلاد وادى الرافدين وما علاقته بها اصلا؟, هل كان يتوقع ان يفرش له سكان البلاد له الارض بالولاود ويقيموا له الولائم ويحيون له الليالى تيمنا بقدومه المبارك؟ انه مستاء ويتذمر لان اساليبه وحيله لم تنطلى عليهم وذلك لانهم من الفطنه والذكاء يكتشفوا نواياه ويعملوا على الالتفاف عليه واحتوائها وافشالها. والحقيقه فأن ما قام به السكان انما يحسب لهم وليس عليهم, لانهم قد قاوموا المحتل وعملوا على افشال مشاريعه. انها المقاومه وان كانت فى مراحلها الاوليه, وهى تعبر عن وعى ومسؤليه والاستعداد للعمل الجماعى والتنظيم. لم يكن فتح العراق مقتصرا على نشر الدين الاسلامى, وانما ايضاخيراته الكثيره, خاصة بما كان يعرف بـ ” ارض السواد” التى كان سكان الجزيره العربيه يحلمون بها ويتمنوا العيش فيها والتمتع بخيراتها. تاريخ العراق الاسلامى لايشير الى انه كان يعيش فيه المسيحيين واليهود مما يقارب التصور عن ارض فارغه لا اهل لها. لذلك كان الولاة الذين يرسلهم الخليفه الى الكوفه والبصره من القبائل العربيه, قريش, المضريه, .. الخ. لقد اختلف الولاة فيما بينهم بسبب العصبيه القبليه التى لم يستطيع الدين الاسلامى من تخفيف حدته كما اوضاع السكان لم تحضى اهتماما بقدر ما كان يجبى من الضرائب. ان اوضاع السكان فى العراق قد ساءت مع الخلافة الامويه, حيث فى واقع الامر تمثل استمرارا لسياسة الخليفة عثمان فى رعايتة لبنى اميه ماليا واداريا. ان الخلافه الاميهليس لها علاقه بالدين بقدرما ساعده فى الوصل الى الملك وتاسيس دولتهم وملكههم, وتقوم نظريتهم فى الحكم على اساس العصبيه القبليه ومبدأ ” تلاقفوها فيما بينكم”, هذا يعنى استخدام كل الوسائل والاساليب لادامة واستمرار الحكم. ابدى معاويه وهو على فراش الموت نصيحة لابنه يزيد ان يغير الولاة فى العراق كلما طلب اهلها ذلك, هذا افضل من تشرع ضده الالاف السيوف. معاوية احد كبار دهاة العرب, السياسى المؤسس كان يعلم قسوة الولاة واستكبارهم على السكان, وهو يعلم بنوعية العلاقة القائمه بين الامويين وسكان العراق كعلاقة الحاكم والمحكوم, كانوا غرباء ودخلاء, وكانت العلاقه بما توصف اليوم بين المستعمر والمستعمر, الحاكم والمحكوم. كان معاويه يدرك بحق اهل العراق بالمقاومه ومجابهتهم للظلم, وكان يعلم ايضا بأن العراقيين لم يكونوا متقلبى المزاج ولا تقودهم العواطف والمشاعر , وانما حقهم فى الحياة فى ارضهم ووطنهم ولا تنقصهم لذلك الخبره والقدره والذكاء. حينما سئل الخليفه عبد الملك بن مروان, الحجاج بن يوسف الثقفى المرشح لولايه العراق عن المقومات والسمات الشخصيه التى تؤهله لهذا المنصب الخطير, قال اننى لئيم خبيث حسودا حقودا. كان قبيح الوجه صغير الجسد عنيدا مقداما على سقك الدماء. ان جملة هذه الصفات تجعل منه, ذاتيا, انسانا غير سوى, هذا بالاضافه الى ومظهره المرافق له دائما والذى يدعو على السخريه وهو ايضا المثقل بالدونيه منذ طفولته, يحمل خزينا كبيرا من الحقد والانتقام والذى مع الزمن اخذ صورا وابعادا جنونيه مخيفه فى الطرق والاساليب التىينتقم بها لكبريائه المهان. هذا المريض العصابى اصبح واليا على العراق ولعشرين سنهو فى يده مصير مصير وحياة مواطنين لا يرتبط معهم بعلاقة مواطنه وانما علاقة الحاكم والمحكوم. الحاكم المشبع بالاحكام المسبقه, الذى يلهث نحو النجاح والتفوق واثبات قدرته للخليفة والوحش الداخلى الذى يتحكم به ليجد الراحه والامان. لقدكان منطقيا بحكم بنيته النفسيه والاجتماعية ان يكون طاغيا, مستبدا مولعا بسفك الدماء واذلال كل الذين يجدوا مكانة اجتماعية وقبولا من الاخرين. ان الحطاج يمثل ماكنة قتل متحركه ولغة عنيفه تحمل التهدد والوعيد والرعب, و خطبه التى اصبحت من طقوس الحكم المستبد واقاله التى تعبر عن منهجية الحكم ” من تكلم قتلناه ومن سكت مات بدائه غما”. اليست جريمه كبيره ان يتولى مثل الحجاج امور العراق لعيون بنى اميه. هذه الدوله العشائريه لم تترك لها اثرا حضاريا فى العراق خلال 90 سنه من مرحلة حكمها. هل يلام وينتقد المواطنون حينما ابدوا مختلف اشكال المقاومه والتمرد على تعسفات الحجاج وظلمه وتلصق بهم تهمة العنف والتمرد والمزاجيه. حكم صدام حسين العراق فى الفتره 1968- 2003 باجهزه امنيه ومخابراته متعددة ومدربه وكانت هذه الاجهزه القوة الفاعلة فى دولة صدام. صدام حسين, فى السياق التاريخى لحكم الطغاة يمثل صورة عصريه حداثيه للحجاج بن يوسف الثقفى, ولا تقتصر اوجه الشبه والتماثل فى نزوعهم نحو قتل المعارضين وهوسهم بالدماء, وانما ايضا ضد كل اولئك الذين لهم خلفية اجتماعية وثقافيه وعلاقات اسريه وقرابيه مشرفه. ان معاناه صدام ترتبط بالام وما يحوم حولها من مقولات والاب الذى لايعرفه ولم يراه وولادته لم تكن كما هو معروف وملزم, خاصة فى الاوساط العشائريه عن علاقة غير شرعيه, من ناحية اخرى حالة الفقر والعوز والارض غير المعطاء وتخلف الريف العراقى وبشكل خاص قرية العوجه موطن صدام حسين. ان قسوة الطبيعه والتنشئه الاجتماعيه الريفيه – البدويه عملت فى خصوصية صدام حسين فى النزوع نحو العنف واستخدام القوه, وكان هذا الاستعداد ضروريا للدفاع عن النفس وفرض الوجود الذاتى. الا ان صدام لم يكتفى برد الفعل للدفاع عن النفس وانما فى الهجوم كافضل طريقه للدفاع. مازال صبيا وتم تكليفه باغتيال احد الرجال, انتقل الى بغداد وتم تسجيله فى ثانوية الكرخ, الا ان سمعته قد وصلت الى حزب البعث الذى كان يخطط لاغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم وقد وقع الاختيار عليه ضمن الفريق الذى سوف ينفذ عملية الاغتيال. من هنا تبدأ مرحلة جديده فى مسيرة صدام حسين.