24 أبريل، 2024 5:07 م
Search
Close this search box.

حواسم …الأمس ,وحواسم …(اليوم)

Facebook
Twitter
LinkedIn

 كنت أتمنى عندما سقط النظام الدكتاتوري في زلزال 2003,ان تسقط معه ثقافة العبودية والاستعباد التي خلفها بعد رحيله ,فأوراقي المتناثرة هنا وهناك لا تعني أنني مبعثر الأفكار ’لكنني انتظر استراحة المحارب لأعيد لملمت ماسقط من أوراقي في فوضى زحام الطغاة ,وانطلق منها نحو هدف محدد يقودني لبر الأمان .
لقد هرعت نسبة كبيرة من الشعب لسرقة وزارات الدولة مؤسسات بدافع الانتقام من النظام الشمولي الذي جثم على ارض العراق لأكثر من (4) عقود حكماً بالسوط والحديد والنار فماذا يخلف وينتج ؟ سوى أحقاد ضغينة والآلام ومعاناة وهدر لكرامة الإنسان الذي جردوه من إنسانيته بحجج وذرائع كثيرة أولها الدفاع عن البلد من دنس الأعداء وصون حدوده ,بعد ذلك كانت اكبر أكذوبة في تاريخ البشرية ,فعمت الفوضى والانهيار الأمني والغلبة لمن هو الأقوى في الساحة فكانت ساحة اللصوص بلا منازع لصوص نهبوا اي شيء يجدونه أمامهم وهم لايعرفون بأي مجال يعمل ,سرقوا التبريد (المكيف) واقتلعوه من الشباك ,وأثاث المكاتب ,والحاسبات التي كانوا يعتقدون انها تلفاز متطور,وسيشاهدون مالم يرونه في حياتهم ,وسرائر المستشفيات ووضعوا عليها أجهزة تخطيط القلب والسونار وقياس الضغط وكل ما موجود في داخل غرفة العمليات بعد أن القوا بالمريض وصرعوه ارضاً,حتى ان البعض من الذين لم يجدوا ما يسرقونه عمدوا لسرقة أغلفت الجدران (الكاشي المرمر) والصحيات, وهنالك من توجه لسرقة ملاين الأموال من المصارف وقتل من قتل فيها ,وهنالك أيادي خفية من وراء الكواليس حرقت الوزارات والمؤسسات ,حتى قالوا الشعب يحرق بيته وأي شعب هذا ؟,وعمليات سرقة للأسلحة المتواجدة في الثكنات العسكرية ومخازن تدريب القوات انتقلت بيد العصابات وقاطعي الطرق ,ناهيك عن سرقة المتحف ومافيه من أثار ولقى ونفائس تاريخية تحكي قصة نضال بلد صارع الطغاة بمختلف أشكالهم لسبعة ألاف سنة ,وخلال مدة قصيرة وصلت الآثار لدول العالم ,انها عملية منظمة ومدبرة تقودها مافيات عالمية ,وأعلام إقليمي ودولي ممنهج صور الواقع ان العراقيين سراق من الدرجة الأولى فلم يعد شيء لم ينهبوه ,وغيرها من الممارسات التي نبذتها كل الأديان السماوية والشرائع والسنن ,ووصفتها عمل مشين وحقير ينتقص من قيمة المرء ويذهب بماء وجه ,انهم كما وصفوهم (حواسم …الأمس) تسمية أطلقت عليهم حتى أصبحت وسم يشار الى اللصوص .
ان عملية التغيير التي حصلت هي ليست بالمعنى الذي نتصوره بأنه تغيير كما حصل في الدول العربية ,بل هو انهيار تام لأغلب مرافق الدولة لان رمز الدكتاتور ربط مصير الدولة بوجوده فلا وجود للمؤسسة العسكرية والأمنية التي تحفظ الأمن واستقراره ,فالاستقرار الاقتصادي مرتبط ارتباط وثيق بالاستقرار الأمني,فكانت ساحة بلا منازع (للحواسم) الذين تفاخروا بسرقة المواد الغذائية ومبردة وتكيف وتلفاز وسرائر وأثاث متنوع ,ظنوا انها حصتهم من الدولة وعلى وجه الخصوص الحكومة التي لم تتردد في ان تستبيح لنفسها ما لذ وطاب وتترك شعبها تأكله المآسي والآلام وتنهشه الذئاب التي عودة نفسها دائماً على لباس الزيتوني ,بأن لا تتردد في الكتابة على أية شخصية وبما يسمى (التقرير السري ) للحفاظ على مكتسبات الحزب والثورة ,ثورة روضة المجتمع لثقافة العسكرة ,وغرست مفاهيم الرشوة ,ورملت النساء وأمهات ثكلى ,ثورة لم تتردد في ان انتهاك حرمة دول الجوار واحتلالها ,ثورة كانت أيضا(ثورة الحواسم) لبلد مليء بالمقدرات والأموال يختزل بشخص القائد الضرورة وحاشيته,ان همجية الأنظمة المتوارثة على حكم العراق عمدت لقتل الروح المدنية والانسانية في نفس المواطن عندما سلبت حقوقه وأرادت منه واجبات فقط ,دون النظرلأبسط الحقوق وهي احترام آدميته , فقد نشأ لدينا دون ان لا نشعر بأن لدينا مواطن يمتلك الروح العدائية في تخريب ممتلكات الدولة من وزارات ومؤسسات والسبب في ذلك كله غيبت تماماً المرتكزات التي تعتمد عليها الموطنة في ظل وجود النظام الديمقراطي وهي :
1. الحقوق المدنية :
وهي مجموعة من الحقوق تتمثل في حق المواطن في الحياة والاحتفاظ بإنسانيته وعدم إخضاعه للتعذيب ولا للمعاملة القاسية اللاإنسانية أو تجريده من كرامته ,وعدم أجراء أية تجربة طبية او علمية على اي مواطن دون رضاه ,وعدم استرقاق احد والاعتراف بحرية كل مواطن طالما لا تخالف القوانين ولا تتعارض مع حرية اخرين ,وحق كل مواطن في الأمان على شخصه وعدم اعتقاله تعسفياً ,وحق كل مواطن في الملكية الخاصة ,وحقه في حرية التنقل واختيار مكان أقامته داخل حدود الدولة ومغادرتها والعودة اليها ,وحق كل مواطن في المساواة أمام القانون ,وحق في ان يعترف له بالشخصية القانونية وعدم التدخل في خصوصية المواطن او في شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته وحق كل مواطن في حماية القانون له ,وحقه في حرية الفكر ,والوجدان والدين واعتناق الآراء وحرية التعبير وفق النظام والقانون ,وحق كل طفل في اكتساب جنسيته .
2. الحقوق السياسية :
وتتمثل بحق الانتخاب في السلطة التشريعية والمحلية والبلدية والترشيح لها ,وحق كل مواطن بالعضوية في اي حزي يجده يتماشا مع أفكاره وتطلعاته ,وتنظيم حركات وجمعيات ,والتجمع السلمي في التظاهر بعد اخذ الموافقات القانونية بذلك للتأثير على القرار السياسي من خلال قوة الراي العام لتعديله بما ينسجم مع توجه المجتمع ,وحق الحصول على المعلومة ضمن القانون ,الحق في تقلد الوظائف العامة في الدولة .
3. الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية :
وتتمثل الحقوق الاقتصادية اساساً بحق كل مواطن في العمل والحق في العمل ظروف منصفة دون المساومة على رغيف خبزه وإملاء أراء وأفكار لا يعتقد بقناعتها والإيمان بها, وتتثمل الحقوق الاجتماعية بحق كل مواطن بحد مناسب ومقبول من الرفاه الاجتماعي والاقتصادي وتوفير الحماية الاجتماعية والحق في الرعاية الصحية ,والحق في الغداء الكافي والحق في التأمين الاجتماعي والحق في المسكن والحق في المساعدة والحق في التنمية والحق في بيئة نظيفة والحق في الخدمات الكافية لكل مواطن ,وتتمثل الحقوق الثقافية بحق كل مواطن بالتعليم والثقافة .
 لقد خلق النظام بسبب دكتاتوريته وبطشه والتفكير بمنازلات القتال الحربي وسفك الدماء وتجييرعائدات البلد وثرواته لصالح للمعسكر الحربي الذي خاضه مع الجارة إيران والكويت ,هوة كبيرة جداً لا يستطيع ترقيعها بأي شيء ,فعندما تهان كرامة المرء وتسلب حريته لا نتوقع منه سوى مواطن مهيأ للانفجار لينتقم لما تقبى من كرامته وعمره الذي ذهب سدا بين مطرقة الطغيان وسندان الدكتاتور, مواطن ينتظر بفارغ الصبر مثل هذه اللحظة الحاسمة والتاريخية وهو يرى اعتى الطغاة قد تلاشى بين ليلة وضحاها وانهارت أمامه أسطورة قائد الأمة العربية وفارس الفرسان ورجل امن المنطقة واستخرج من حفرة كانت هي الدليل والموجز على ارتكابه الإعمال الوحشية بحق مجتمعه والعالم بأسره ,كان يريد من الفرد العراقي مجموعة واجبات وهي :
1. ان يحترم القانون والدستور وهو يجد من هو فوق القانون ولا يحاسب ,يجد فئة معينة تلبس الدشداشة وتضع حول نفسها شريط من الأسلحة, والمسدسات الحديثة والبنادق بيدها لا تكترث ولا يردعها اي احد ,اي قانون هذا المطالبين باحترامه .
2. وان يدافع عن البلد ضد اي اعتداء وتدخل خارجي يمس وحدته وكرامته ويساق للجبهة وللسواتر الأمامية ,وهناك من يسرح ويمرح ويتنعم بالاستقرار في بغداد,ويجد نفسه هو من يضحي ويعطي دمه ,بينما الآخر يمكث في السواتر الخلفية ( أصحاب العلاقات والولاء للسلطة ) فالمهاتما غاندي يقول (أنا على استعداد للموت من اجل قضية ….ولكن ليس هناك داعي لأكون مستعدً للموت في سبيل أي قضية )
3. ان يدفع الضريبة المترتبة عليه وهنالك من يشتهي الاستحواذ على قطع الأراضي والمساكن الفخمة والعمارات وينفي أهلها بحجة أنهم تبعية ويرمي بهم على الحدود دون أكل وملبس ,اي ضريبة هذه التي تسلب المواطن ماله وحقوقه .
ان الانتقال المفاجئ من سلطة البوليس والأمن والمخابرات القمعية والنظام الشمولي لسلطة الحرية المطلقة أنتج فوضى بكل ما تعنيه الكلمة فلأكثر من (14) قرن من الزمن لم تكن هنالك ديمقراطية تسود المنطقة والمجتمع العراقي تحديداً ,لأن الديمقراطية هي ان يكون الشعب صاحب الكلمة الأولى في اختيار نوع السلطة ومن يمثله ,وان تسمح يمثله لمن يريد ان يقول كلمته دون خوف وتردد ,فانعدام الحقوق دفع بالشارع نحو هاوية الخراب والتدمير ,كما ان الفوضى التي حدث كان مخطط لها مسبقاً قبل السقوط بأشهر عندما أطلق النظام البائد سراح السجناء الذين كانوا محكومين لقضايا أخلاقية وجنائية وسرقات متنوعة بقرار (العفو العام) واعدم أصحاب الفكر والفضيلة والذين يختلفون معه تحت شعار (خونة الوطن والثورة) وأية مفارقة هذه التي يموت فيها أشراف القوم ,وتبقي بأقزامهم على قيد الحياة ؟
 لقد نعتنا(حواسم … الأمس )هم سراق المواد التي لا يتجاوز سعرها سوى ثمن قليل فرحين بما سرقوه,وأصبحنا ننتقص منهم ومن أفعالهم لأنهم سرقوا حق كل مواطن عراقي ,فماذا نقول (لحواسم …اليوم) الذين يسرقون وينهبون المال العام تحت مسميات عديدة وأعذار صور لهم أنها مقبولة ,ويرتضون ويقبلون بأن تذهب أموال البلد شمالاً ويمينا ,وهناك من يبحث عن رغيف الخبز بين ركام القمامات ؟
(حواسم …اليوم) هم من أسسوا لثقافة الفساد الذي نبذته جميع الأديان السماوية وحقرت من قيمة مرتكبيه ,ليتحول لثقافة مجتمعية ومنهج يعمل به ضعاف النفوس .
(حواسم …اليوم) هم من أصحاب الأجندات الخفية والغرف المظلمة التي تريد تخريب المشروع الديمقراطي وتأتي بالسيارات المفخخة وتصدر للشعب على المنابر خطاب القتل والتمثيل بالمقتول وانتهاك حرمته بأسم (حماية الدين ).
(حواسم … اليوم) هم المسؤولين الذين تسنموا مناصب لصنع القرار,وهم لا يعرفون اي شيء عن أدارة صنع القرار تركوا البلد يغرق بين ظاهرة البيروقراطية والروتين القاتل لتتأخر المشاريع الخدمية وحركة الأعمار ليبقى يعيش الحياة البدائية.
(حواسم…اليوم) هم الذين يروجون للإرهاب والعنف ويعتبرونه السلاح المناسب لكسب حقوقهم وغنائمهم , دون النظر للقيم الإنسانية التي تربط السني بالشيعي والصابئي بالمسيحي والكردي مع العربي وهكذا ضمن الخط الإنساني الذي يذوب فيه كل التنوعات المذهبية والاثنية.
(حواسم …اليوم) هم الذين لا يمتلكون الضمير الذي يحكم أخلاقياتهم في الخفاء ويفعلون اي سلوك منحرف يضر بهيبة الدولة ويسرقون ممتلكاتها وأموالها ,يتآمرون على الشعب ويخلقون الأزمات تلو الأزمات .
(حواسم …اليوم) هم ضعاف النفوس من الأطباء والمهندسين بمختلف اختصاصاتهم الذين يسامون الناس على أرواح حياتهم لقاء مبالغ مالية لا يستطيع الدفع ويتنازل عن شرف المهنة لأجل المال وهو يرى مريضاً صريع الفراش يستغيث به للعلاج دون ان يحرك ساكن ,ومهندس يتلاعب بجداول العمل وكميات المواد المطلوبة فيه لايهمه أن سقطت العمارة على رؤوس شاغليها ,وان تعطل مشروع ,أوجسر أنهار بسبب مواصفاته الرديئة ,لأن الولاء هو ليس للوطن أنما للمال . 
(حواسم …اليوم ) هم الذين باعوا مبادئهم وتنازلوا عن قيمهم من رجال الدين والفنانين وإعلاميين وصحفيين وأدباء وكتاب ومثقفين ,ليهادنوا الباطل ويسوقوه على انه حق وعلى الآخرين أتباعه ,فهم ضمير الأمة النابض .
(حواسم …اليوم) رفقن بنا لم يعد لدينا ما تسرقونه سوى أحلامنا البريئة وانتم تريدون منازعتنا عليها ,سأرتضي (بحواسم …الأمس ) سرقة لا تتعدى قوة يومه ويذهب بعدها ليعود أدراجه من حيث أتى .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب