23 ديسمبر، 2024 2:01 ص

حوار مع جندي متحير(حوار1)

حوار مع جندي متحير(حوار1)

حدث في عام 1995 أن اشتد الحصار على بعض المناطق التي يقطنها عدد من المعارضين للنظام ومنها مناطق كانت ليست بعيدة عن منطقة ارضنا التي كنت اختفي فيها في منطقة (الماضية) بالقرب من مرقد السيد احمد الرفاعي وبعد اخذ ورد اصدرت الحكومة عفوا وكنت في ذلك الوقت اريد ان التحق بالحوزة العلمية او اخرج الى الخارج وحصل الاتفاق ان البقاء مشروط بالالتحاق بالحوزة.

وفعلا ذهبت الى وحدتي التي كنت فيها قبل ترك الدوام فيها عندما بدا القصف على بعض المناطق الكردية وبعد ثلاث سنوات رجعت الى نفس المكان وبعد ان حصلت على وعد من قائد تلك الوحدة انه لن يتعامل معي كبقية الجنود تعرضت لوعكة صحية ذهبت بسببها الى الوحدة الصحية ولما كانت الوحدة بعيدة فقد اضطررت الى البقاء في مقر الفرقة وذهبت كما أخبروني الى خلفيات وحدتنا فوجدت فيها شخصان وتعرفت اليهما.

كان أحدهما يصلي والاخر لا يصلي ومن كان يصلي كان من السادة من المناطق الزراعية في مدينة الديوانية وكان الثاني شابا مهذبا من اهالي بغداد وفرح السيد كثيرا عندما تحدثت معه في الامور الشرعية لكنه كان يكثر من ذكر اسماء الخلفاء ويقول انهم سبب البلاء في الامة ويلعنهم وكان الشاب الثاني يسمع ولا يعلق ولما بقيت وحدي مع السيد قلت له انت تذكر الخلفاء بهذا الشكل الا تخاف ان يكون صاحبك غير شيعي ويخبر عنك رجال الاستخبارات وتذهب دون عودة؟

فقال لي: لا تخف انه صديقي وانا معه منذ فترة طويلة ولم يعترض يوما على ذلك.

فعرفت في نفسي ان السيد عنده سذاجة وبساطة وعندما ذهب السيد خارج المقر جاء هذا الشاب البغدادي وقال: هل تسمع ما يقوله السيد وهل يرضيك كلامه.

فقلت له: هذه عقيدته وليس من حقنا ان نجبره على تركها والشيعة تعتقد بذلك وهو ان الخلافة للإمام علي(ع) وقد اغتصبت.

فزاد انزعاجه وقال لي: هل تعرف ان هذا الكلام يحاسب عليه في القانون؟

قلت له: نعم ولكن انتما صديقان منذ مدة طويلة.

فقال لي: وهل يعرف هذا السيد أنى شيعي او سني؟

قلت له: من الواضح انه يعتقد أنك شيعي.

قال لي: اسمع انت ضيف وستغادر غدا ولكني سأعقد معك اتفاق إذا نجحت فيه سوف اترك القضية وان لم تقنعني فانا لن اضرك لكني سأخبر رجال الاستخبارات عن هذا السيد!!!

فقلت له: لا توجد مشكلة لكن بما أنى شخص محايد وضيف فانا اريد منك ان تصلي لأنك لا تصلي سواء كنت شيعي ام سني.

فوعدني بذلك وقال انا اريد ان أصلي لكن علي اولا ان احدد موقفي من كلام السيد ثم أصلي.

في تلك اللحظة كنت مريضا بالحمى وكنت احاول ان استحضر المعلومات التي اعرفها عن الامور التي كان هذا الشاب يريد الكلام فيها.

اخذ الشاب يوجه الاسئلة لمدة ساعات وانا اجيب وكنت اذكر له مع كل جواب المصادر الشيعية والسنية التي يستطيع مراجعتها … وبعد وقت طويل من الاخذ والرد اخذ الشاب يستجيب للكلام ويهدأ وبعد ان انتهى من كل اشكالاته قال: انا سالت بعض هذه الاسئلة لشيعة اخرين لكنهم لم يجيبوا بهذه الطريقة ولم اسمع مثل هذه الاجوبة في السابق وانت تذكر الجواب وتذكر المصدر فهل انت عالم شيعي ؟.

قلت له: انا شاب مثلك وعمري 25 عاما لكني كنت ولا زلت عاشقا للقراءة وعندي مكتبة في بيتنا ومنذ عمر 12 سنة وانا اقتني الكتب ولذلك تراني أحب ان اذكر مصدر كلامي حتى لا اخدع السامع ولا يخدعني المتكلم.

قال الشاب: الان سأقول لك الحقيقة:

اولا: انا شاب سني ولكني كنت احاول الوصول للحقيقة

وثانيا: كنت اريد في هذه الليلة الذهاب الى الاستخبارات وتبليغهم عن هذا السيد لكني لما رايتك تتكلم بأدلة قلت في نفسي اذا لم اقتنع بكلامك سأذهب غدا بعد ان تذهب واخبر الجماعة عن السيد اما الان فانا اريد منك ان تكتب لي اسماء الكتب التي استطيع مراجعتها عندما اعود الى اهلي حتى اطلع بنفسي على تلك المعلومات ثم احدد موقفي من الشيعة والسنة ولهذا كنت لا اصلي.

انا شكرت كثيرا على اخلاقه وادبه واخذت منه وعدا ان يتفهم وضع صاحبه السيد فهو انسان بسيط.

وعندما جاء السيد تحدثت معه بكل صراحة واخبرته كيف حصل الاتفاق وان هذا الشاب انما تنازل عن الشكوى بعد ان عجز عن رد الادلة.

هكذا كان الكثير من الناس فالإنسان المهذب محبوب دائما والانسان المتعلم محترم دائما والانسان العاطفي بسيط دائما وقد ذهب الكثير من الشباب المؤمن نتيجة بساطته الى المعتقلات والبعض لم يخرج حيا.