24 نوفمبر، 2024 7:12 م
Search
Close this search box.

حوار مع الله، أسئلة ومناجاة

حوار مع الله، أسئلة ومناجاة

أن غالبية الناس على أختلاف مللهم ونحلهم وأديانهم ومعتقداتهم ومذاهبهم يحاورون الله بشكل يومي وبأستمرار وبلا أنقطاع!، ويتجلى ذلك الحوار بالدعاء الى الله ومناجاته وطلب الرزق منه أو طلب الشفاء أو أية طلب آخر لقضاء حاجة يريدها الشخص، فهذا الطلب والدعاء والمناجاة مع الله ، هي تعد حوارا مع الله. ومن منا نحن المسلمين تحديدا من لا يحاور الله صباحا أو مساء ظهرا أو عصرا، ومن لا يصبح ولا يمسي ألا وهو يقول ( اللهم أحفظنا ، أسترنا،اللهم لك الحمد والشكر وما الى ذلك من دعوات ومناجاة وطلبات). فهذه كلها تعتبر حوارات مع الله، ولكنها حوارات من طرف واحد!، لأن الله لا يكلم عباده ولا حتى رسله وأنبيائه أستثناء من نبي موسى الذي كلمه عندما كان (في الوادي المقدس طوى)، أما رسله وأنبيائه الآخرين فكان يكلمهم ويحاورهم ويطلب منهم ويوجههم عن طريق الوحي. كما أن الصلاة التي يؤديها الفرد، هي أصلا حوار مع الله يمارسها المسلم يوميا لخمس مرات ولكنها حوارات خاصة، تختلف عن حوارات الدعاء، من حيث أوقاتها وكما لها قدسيتها وأجوائها الخاصة المتمثلة بالسكون والهدوء وخاصة عندما تكون في أواخر الليل حيث تكون الحوارات أكثر رهبة وخشوعا وتضرعا،كما أن هذه الصلاة تعتمد على الفرد وكيفية أدائه للصلاة ، فهناك من يطيل في صلاته ومناجاته وحواراته مع الله، وهناك من يسرع في ذلك بأعتبارها شيء مفروض عليه ومفروغ منه، ويؤديها من باب أسقاط الفرض ليس ألا!. والحوار مع الله ، هو حوار الطالب والمطلوب، الطالب هو الأنسان والمطلوب منه هو الله عز وعلا، والشيء الجميل في حوار الأنسان مع الله، هو أن الله شجع على ذلك الحوار وطلب من عباده ذلك!، ويدعوهم الى طلب ما يريدون منه، ووعدهم بأنه يستجيب لدعواهم ،( أذا سألك عبادي عني فأني قريب أجيب دعوة الداع أذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون// سورة البقرة آية 186 ). ومن الطبيعي أن الحوار مع الله يختلف من أنسان الى آخر ومن شعب الى آخر!، فالمواطن في النمسا أو الدانمارك، أو السويد أو هولندة ، لا يحاور الله بقدر المواطن في العراق أو سوريا أو ليبيا أو اليمن أو في مصر!، فالشعوب التي تعاني من القهر والظلم والفقر والجهل والحرمان وغياب العدل، تكون أكثر الشعوب ألتصاقا بالله وأكثرها حوارا معه فحواراتها مفتوحة معه ليلا نهرا!، أذا ما قورنت بالشعوب التي تعيش في ظل حكومات وأنظمة تقيم الحق والعدل وتعتني بالأنسان وتعتبره هو فعلا راس مالها الحقيقي والأكثر من ذلك وبعيدا عن أية تفقه ديني فهي تعتبره بنيان الله فلا يجوز الأساءة أليه ومحاسبته ألا بالحق ووفقا للقانون. كما أن الحوار مع الله يخضع لمعادلة العرض والطلب!، فكلما شعر الأنسان بالخوف والظلم والقهر وغياب العدل وضياع القانون كلما أكثر حواره مع الله، على أمل الأستجابة بأعتبار أن الله هو المنقذ والمخلص لذلك والعكس صحيح!. ويعد الشعب العراقي من أكثر شعوب الأرض حوارا مع الله، فهو فتح أبواب الحوار مع الله على مصارعها منذ 40 عاما ولحد الآن!، بسبب الظروف القاسية وغير الطبيعية التي مر ويمر بها (الحرب العراقية الأيرانية وحرب الكويت والحصار ثم ظروف ما بعد الأحتلال الأمريكي له)، وما وصل أليه وما هو عليه الآن من يأس وقلق وضياع ،لا يدرون الى أين ستسير بهم الأقدار، حتى باتوا يشعرون وكأنهم غرباء عن هذا الوطن بسبب الخوف (الخوف في الوطن غربة والأمان في الغربة وطن)، لغياب أية سلطة للدولة والقانون وتفشي الجريمة المنظمة والعصابات والمافيات بشكل مرعب ورهيب وأنتشار الفساد الذي عصف بكل شيء. ولكن الشيء الملفت للأنتباه والمحزن، هو أن الله عز وعلا كأنه أقفل كل أبواب الحوار مع العراقيين منذ 40 عاما ولحد الآن!، فكل حواراتهم ومناشداتهم ودعواتهم أنتهت الى لا شيء!، وخاصة سنوات الجحيم التي عاشها ويعيشها العراقيين من بعد الأحتلال الأمريكي البغيض للعراق في 2003 ولحد الآن وكأن الله يقول لنا ( أن حواري لا يكون مع الشعوب الخانعة التي تقبل الذل والمهانة وهي تقبع تحت نير الظلم والباطل، وبالتالي أنتم لستم أهلا للحوار والأستماع، كما وأن أكثركم للحق كارهون، وأكثركم منافقين، فكيف لي أن أحاوركم وأسمعكم وأستجيب لكم؟). فالكثير من العراقيين آمن وصار على يقين تام بأن الله يرفض رفضا قاطعا كل حواراتنا ومناشداتنا، كما وأنهم وجدوا أنفسهم بأنهم أضعف من أن يتغيروا أو يقوموا بالتغيير!، فاستسلموا لليأس وبقاء أحوالهم كما هي عليه، لأنهم غير قادرين على التغيير الذي يطلبه الله منهم ، لكونه صعب، بسبب من آلة القهر والقوة والجاه والسلطة التي تتمتع بها قوى الشر والظلم!.أن نقطة الخلاف بيننا وبين الله نحن المسلمين والعراقيين تحديدا، هو أننا لا زلنا نصر على الأستمرار والمطالبة والدعاء والحوار مع الله، دون أن نغير من أحوالنا وأنفسنا أي شيء؟!، وهولا يسمع منا أي شيء، وكأنه يقول لنا (أصلحوا ما بأنفسكم أولا حتى أعينكم على ما أنتم عليه؟). أن الأنسان بطبيعته يجنح الى الحوار مع الله عندما يشعر بالضعف والعجز والخوف فيرمي بهمومه وضعفه على الله الذي لا مفر منه ولا ملجيء ألا أليه. أن رفض الله الحوار معنا جعلنا في حيرة من أمرنا ووضعنا أمام تساؤلات كثيرة مع أنفسنا؟ هل نحن على خطأ؟ وهل الخلل فينا فعلا؟ وماذا عسانا أن نفعل ونحن مستضعفون؟ فقوى الباطل والشر والظلم أكثر منا عدة وعددا وبيدها الحل والعقد وبيدنا كل شيء؟، ألم يعلم الله بضعفنا وفرقتنا وماذا جرى علينا؟ اليس هو العالم بكل شيء؟ ثم أليس هو من يسبب الأسباب والأقدار؟ ثم بتنا لا ندري ولا نعلم لماذا هو يطلب منا كل ذلك؟، وهو الذي خلقنا وقدر لنا حياتنا ومماتنا وسعادتنا وشقائنا؟ وأن كان الأمر كذلك، فهل نحن مسيرون أم مخيرون؟ كما أن جزء كبير من ضعفنا وترددنا ونفاذ صبرنا، وأهتزاز أيماننا!، هو لطول حلم الله على الفاسدين والمنافقين الذين دمروا البلاد وعاثوا بها خرابا ونشروا بها الفساد والجريمة وكل موبقات الدنيا!، ولم يمسسهم أي ضر وأي شيء!؟، بل هم يتنعمون برغيد العيش وذاقوا حلاوة الدنيا وما فيها وبكل مباهجها!. الغريب في ذلك وفي أمر هؤلاء، بأنهم متيقنين بأن الله سيعفوا عنهم وسيمحي ذنوبهم!! ، لأن الله يغفر كل الذنوب ألا الشرك به! ولأنهم لا يشركون بالله ويعتقدون به وبنبيه وبالأئمة والصحابة (رض) فأن الله سيغفر لهم كل ذنوبهم وسيئاتهم حتما؟! (أن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن يشرك بالله فقد أفترى أثما عظيما// سورة النساء آية 47). وقسم آخر يقول وهو في حيرة من أمره، ما جدوى الحوار مع الله ودعائه ومناجاته أذا كان الله قد كتب وقدر لي أن أخلق وأن أعيش وأحيا بالعراق وأن أرى وأتحمل كل ما جرى عليه من حوادث وخطوب كثيرة، ولم يخلقني في النمسا! على سبيل المثال، فأذن هو المقدر والمكتوب كما يقال!. فكم من مجتهد كافح وناظل وجاهد وأفنى حياته ملتزما بالمباديء والقيم السامية والنبيلة وبكل شرف ونزاهة، ولكن لم ينل نصيبه المفروض والطيب من الحياة وعاش في ظنك وعوز وحاجة الى أن توفاه الله؟! بالمقابل هناك الكثير من الجهلة والمنافقين وأنصاف المتعلمين والمتخلفين والمجرمين والفاسدين، يتنعمون بالدنيا وزينتها وفي كل شيء، لا لشيء، فقط لأن الدنيا ضحكت لهم ولأنهم أصحاب حظوظ عالية! فصار الزمن زمنهم ولهم وحدهم يلعبون به ما يشاؤون.( وما يلقاها ألا الذين صبروا وما يلقاها ألا ذو حظ عظيم// سورة فصلت، آية 34 )!. فأي محنة هذه التي نحن فيها يا ألهي، ولماذا أوصلتنا الى هكذا صراعات مع أنفسنا؟ فأين أنت من ملايين المظلومين في شرق الأرض وغربها؟، وأين أنت مما يجري على المسلمين في مينمار وفي الهند وفي الصين من أضطهاد وموت وقتل؟ وأين أنت مما جرى على مسلمي البوسنة على يد الصرب من جرائم وفضائح لم يتجرأ هولاكو على فعلها؟ وأين أنت مما جرى على الأيزيدين في العراق على يد مجرمي داعش أليسوا هؤلاء بشرا أنت خلقتهم وما ذنبهم حتى يقتلوا ويموتوا بكل هذه الوحشية وبكل قصص الموت المرعبة؟. ثم دعني أسألك يا ذي الجلال والأكرام والأسم الأعظم، لماذا الظالمين والفاسدين والمنافقين سالمين، ولماذا لا يحظى غالبية الناس الشرفاء والطيبين بما يحظى به المنافقين من رغيد العيش وهنائه؟. نعود ونسأل في حوارنا مع الله، أين أنت مما جرى ويجري بالعراق منذ 40 عاما ولحد الآن؟ ومتى تنصف المظلوم والمقهور؟ والى متى نظل ننتظر جولة الحق؟ والباطل يطيح بالحق وأتباعه يوميا ويحقق عليه النصر تلو النصر؟! أمام أعين العراقيين وأنينهم وآهاتهم وحسراتهم وهم يصرخون بأعلى أصواتهم ويناشدونك، بأسم الجياع والمحرومين والفقراء والمظلومين والشرفاء والمسحوقين وبصوت الأيتام والأمهات الثكلى وأصوات الأرامل، أين أنت يألهي من كل هذا؟ ومتى تنصفنا؟، ومتى ننعم ولو بشيء بسيط من خيرات هذا البلد، وكأنهم يرددون أحدى رباعيات الشاعر عمر الخيام ( ياربي هل يرضيك هذا الضمأ، والماء يجري من أمامي زلال؟). وأخيرا أقول لك يألهي يا عظيم يا جبار ياذي الجلال والاكرام والأسم الأعظم، أرحم ضعفنا وقلة حيلتنا ونفاذ صبرنا، فلا مهرب ألا أليك، فأرحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء يا أرحم الراحمين.

أحدث المقالات

أحدث المقالات