تحية طيبة
استكمالا لحوارنا السابق حول لقاء سيادتكم المتلفز اقول اني لاحظت اهتمامكم بالدستور والقانون وفي الوقت نفسه شددتم على بقاء الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة بشكل قاطع رغم ان حل الهيئة شكل فقرة من البرنامج الحكومي لمرشح الاطار التنسيقي السيد السوداني ، ذلك البرنامج الذي نشرت فيه عدة مقالات اهتم بها د. اياد علاوي وقرر ارسالها للسيد السوداني ، ومما قلته فيها انه ليس المهم ان تحل الهيئة او تبقى بل المهم هو بقاء او الغاء القانون (الانتقالي) والذي لم ينتقل منذ عقدين ونيف بل هو بات مقدسا لدى البعض بحيث ان حتى الحديث عن حل الهيئة بات ضربا من ضروب الخيال ، وقال سيادتكم ان الطريقة التي تحل بها الهيئة ليس هكذا بل بعد ان تنهي اعمالها .. والسؤال هو: متى تنهي الهيئة اعمالها ؟؟؟ وهل هي ان انهت اعمالها ستقول بأنها انهت اعمالها؟؟؟ ليسمح لي سيادتكم بتوضيح بعض النقاط الهامة عن الدستور اولا ثم قوانين العدالة الانتقالية ثم الهيئة .
الدستور:
وجدت الدساتير كعقد اجتماعي بين القوي(السلطة) والضعيف(المواطن) – ولعل العراقي العظيم حمورابي ذكر في مسلته (( وضعت هذا القانون لأحمي به الضعفاء من الاقوياء)) نعم ان الدستور لم يوضع لحماية السلطة فهي محمية اصلا ، وعندما يكون هناك خللا بنيويا في المواطنة (المساواة) لا يوضع الدستور كما حصل لدى سلطة (الإحلال) الاسرائيلي فوضعت قوانين اساسية بديلة للدستور كونها ان وضعت الدستور ستحار بين مواطنة الفلسطيني صاحب الارض والإسرائيلي الذي جاء به وعد بلفور.
يعلم سيادتكم كم اثار دستورنا من جدل تلخص بسرعة وضعه ، وآلية وضعه (بالقمجي) حسب تصريح الدكتور اياد علاوي والسيد صولاغ الذي افاد ايضا ان ضباط امريكان سلموا المشاركين في وضعه مبلغ مائة وخمسون الف دولار لكل منهم ، فضلا عن ان احد المشاركين في لجنة المبادئ الاساسية – نسيت اسمه- صرح ب (نتفق على شيء ويصدر شيئا آخر)، ناهيك عن ان الدستور الذي صوتنا عليه اضيفت له مواد تتعلق بالإقليم عند صدوره ، فضلا عن مقتل عضوين من عرب سنة كركوك بعد خروجهم من احد اجتماعات الدستور ..أخيرا قال لي سياسي محنك قبل عامين ساهم في كتابة الدستور عندما كنت اطالب بعروبة العراق في الدستور (عن اية عروبة تتحدث؟؟ ظروف كتابة الدستور كانت صعبة، وبجهود مضنية تمكن الخيرون من عدم ادخال الجندر في الدستور).
هذا عن الآليات (المدخلات) اما المخرجات فكانت دستور غير قابل للتعديل الا بموافقة ثلثي ثلاثة محافظات .. لا يحتوي على ضمانات تضمن تنفيذه.. فعلى سبيل المثال لا الحصر لم يجر تعيين اي قائد فرقة صعودا بموافقة مجلس النواب لحد الآن ولو اني ضد هذه الفقرة ولكنه دستور ليس فيه نقاش ، فضلا عن اني نشرت سلسلة من عشرة مقالات عن خروق الدستور فوجدت اني وصلت المادة 30 من الدستور ..توقفت لأني وجدت ان الخروق اوسع مما كنت اتصور.
العدالة الانتقالية :
ظهر هذا المفهوم منتصف القرن الماضي واختفى وتشدقنا به كثيرا وتخيل البعض ان ما قمنا به في الالفية الثالثة ينطبق على مجريات التطور الديمقراطي في الالفية الثانية ،وطبقنا كتاب صدر للسيد باقر ياسين (عضو القيادة القومية/سوريا) بعنوان (الاجتثاث في العراق من الألف الثالث قبل الميلاد حتى الألف الثالث بعد الميلاد) ، وكلما قلنا ان تلك القوانين غير دستورية عدا حظر البعث قالوا لقد طبقت ضد النازية وفي افريقيا .. طيب ما الذي جرى ضد النازية؟؟ هل تم اصدار قوانين عدالة انتقالية؟؟ .. هل تم تشكيل هيئة مساءلة ؟؟ ..هل تم تشكيل محكمة خاصة ؟؟ كلا فالذي جرى هو احالة المتهمين بجرائم حرب (( الى القضاء)) – القضاء الذي اختصاصه توجيه التهمة واثبات الفعل الاجرامي ان وجد وله صلاحية انزال القصاص – وعددهم كان بحدود الخمسين,, حكم 12 منهم بالإعدام والباقين بالسجن او البراءة .. مع العرض انه كان للصهيونية دورا في المحاكمات على اساس الهولوكوست المزعوم والمهول .. اما جنوب افريقيا فقد صادق مانديلا جلاديه وانتهى الأمر.، ويذكرني ذلك ببحث عن القضية الكردية في العراق اشرفت عليه قبل ثلاثة عقود ونيف .. فيه مبحث مقارنة بين القضية في العراق مع تعامل سوريا وتركيا وايران مع القضية .. رئيس لجنة المناقشة كان العالم الجليل العراقي الكردي الاصيل كمال مظهر احمد قال ( لماذا نقارن تجربتنا بالتجارب الفاشلة ؟؟ سوف لن نستفد شيئا من ذلك .. الافضل ان نقارنها بتجارب ناجحة كتجربة سويسرا مثلا حين حلت موضوع التعدد القومي من خلال (المواطنة) التي خلقت شعبا سويسريا واحدا والقوميتين الرئيسيتين هم المان وايطاليين.. المانيا وايطاليا اكلتا بعضهما في الحرب العالمية وحاولتا استمالة مواطنيهما في سويسرا فأجاب الطرفان : نحن سويسريون ولسنا المان او ايطاليين) نعم .. انها المواطنة .. انها اساس الدساتير والقوانين وأساس الدول المدنية والتقدم
طرحت القول اعلاه لأبين ان هناك اكثر من 15 حالة عدالة انتقالية في العالم حصلت لم يتم الاشارة اليها كونها لا تتقارب مع عدالتنا الانتقالية ومنها بل وأفضلها تجربة اهلنا الكرد في العراق الذين .. حتى لم نسمع منهم ولو همسة عن عدالة انتقالية او مساءلة او مصالحة او مؤتمر مصالحة .. كونهم وضعوا المستقبل امامهم ورموا الماضي خلفهم ، ونحن عضضنا على الماضي ورمينا المستقبل خلفنا
ان كان هناك شيء اسمه عدالة انتقالية فليتأكد سيادتكم ان ( قوانين) العدالة لم تخلق بعد الا في عراق 2003 ولم تكن موجودة لا ضد النازية ولا غيرها .. انها ابتكار خارج عن الدساتير برمتها – عدا حظر البعث – الدستوري المتناقض مع روح الدستور والنظام القانوني العراقي وحقوق الانسان ، والقانون الدولي الانساني.. ولعل أحدثها تجربة سوريا الشرع حين فعلت كما فعل بريمر في مجال حل الجيش والحزب والأجهزة الامنية وحددت فترة عدالة انتقالية لأربع سنوات لكن الشرع اكد على عدم سن قوانين استثنائية كما فعلنا .
أين موقع قانون المساءلة من الدستور؟؟ وأين موقع قانون حجز ومصادرة الاموال ؟؟ وأين موقعهما من ثوابت احكام الإسلام والنظام القانوني العراقي ومن الاعلان العالمي لحقوق الانسان ومن وثيقة العهد الدولي ؟؟ اسمح لي بالإجابة انها ليست بلا غطاء دستوري فقط بل هي تنسف الدستور وغيره مما ذكرت في اعلاه ، واسمح لي بتوضيح هذه النقطة وكالآتي:-
أ.من هم رموز حزب الدعوة؟؟ هل هم الاجهزة الامنية الحالية أم الجيش الحالي؟؟ كلا بالتأكيد فهم رموز حزب الدعوة ، القياديين في حزب الدعوة ، وهكذا البعث ورموزه كما نص الدستور بالتالي فأن الشمول في القانون كان غير دستوري حيث انه اعد العريف من فدائيي صدام رمزا من رموز البعث ، وشمل العضو في حزب البعث ( حزب المليون عضو) ولعل في ذلك خلل دستوري خطير
ب. اعضاء الفروع صعودا هم رموز البعث.. هل همس الدستور ولو همسة صغيرة بأن يجري حرمانهم من حقوقهم التقاعدية التي تخيل السادة النواب حينها انه مكرمة من الدولة فقطعوها ؟؟اكيد انهم لو عرفوا انها من اماناتهم التي امنوها لدى الدولة (صندوق التقاعد) لعشرات السنين ، وأن السادة عندما شرعوا القانون قد شرعوا للدولة بأن تخون الأمانة .. فضلا عن انهم قاموا بفعل سابقة غريبة وهي انهم شرعوا عقوبة تجويع جماعي على اساس الصفة (عضو فرع او فدائي صدام) والدستور يقول (( العقوبة شخصية)) لأن اي عقوبة على الصفة هي تختزل مبدأي المساواة والعدالة التي لأجلها وضعت الدساتير، ناهيكم عن ان عقوبة قطع الراتب ومصادرة الاموال هي عقوبات تبعية تحصل بسبب عقوبة اصلية هي غير موجودة اصلا بسبب غياب تهمة شخصية ..
ج. لنفترض جدلا ان الجهة الكاشفة (هيئة المساءلة) – وليس الادعاء العام مثل كل دول العالم بلا استثناء – كشفت ان الرمز الفلاني ارتكب جريمة مثل تجفيف الاهوار او الانفال .. هل تصدقون ان الدعوى لا تحرك ضده بموجب الدستور.. الذي لم اضعه انا بل النظام السياسي القائم والذي يقول بمادته/19 (( لا عقوبة ولا جريمة الا بنص، ولا عقوبة الا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة …)) والأنفال لم تكن جريمة وقت اقترافها بل كانت الجريمة في رفض المشاركة فيها ،ولعل اي من رموز النظام القائم لو كان ضابطا او منتسبا في الجيش كان سينفذ الأوامر حينها ان كان في الانفال او غيرها ، فهذه المادة الذهبية لم توضع في الدستور عن فراغ … والظريف في الأمر ان هذه المادة موجودة حرفيا في قانون العقوبات العراقي التليد (النافذ) الذي سمي بالبغدادي لأنه صدر عندما كانت بغداد ولاية ولا زال يثرى حتى يومنا هذا وهذه المادة تشكل المادة/1 في القانون اعلاه فضلا عن انها موجودة نصا في الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، هذا فضلا عن ان القانون خرق ثوابت احكام الاسلام والنظام القانوني العراقي القائم (( اذا حكم على الموظف بالإعدام يؤول راتبه الى خلفه)) فلا يوجد قانون سماوي او ارضي في الكون يحرم جنينا كان في بطن امه في العام 2003 من حقوقه التقاعدية لأن ابوه كان كذا وكذا والقرآن الكريم امرنا بأن لا نزر وازرة وزر اخرى.. وللحديث بقية عن (الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة)