18 ديسمبر، 2024 11:19 م

حوار مع ابنة حفيد تولستوي

حوار مع ابنة حفيد تولستوي

تمّ نشر هذا الحوار عام 2018 في مجلة ( أغنيوك ) الاسبوعية الروسية بمناسبة احتفالات روسيا بالذكرى (190) لميلاد تولستوي , وقد اطلعت عليه صدفة قبل أيام ليس الا وتمتعت جدا بمضمونه الانساني و ( الانثوي !) الرشيق , اذ كان حديث ابنة حفيد تولستوي يصدر من القلب مباشرة وبعفوية حقيقية اصيلة وغير مصطنعة بتاتا وبعيدة جدا عن كل الكلمات ( الرنانة والطنانة !) , التي نراها عادة في مثل هذه الحوارات مع ابناء المشاهير وأقاربهم , واظن ان الحديث عن مضمون هذا الحوار سيكون ممتعا ايضا للقارئ العربي , خصوصا واني قد وجدت في ثنايا هذا الحوار نقاطا جديدة فعلا عن تولستوي , و رغم انها معلومات صغيرة ( اي نواعمّ كما نقول بعض الاحيان ونحن نبتسم !!!), الا ان هذه النواعم – في رأي الشخصي – تستحق الاطلاع عليها لانها طريفة فعلا, و تضيف شيئا جديدا لنا عن تولستوي الانسان وتولستوي الفنان ايضا , ولهذا قررت كتابة هذه السطور عن هذا الحوار الجميل .
اسم ابنة حفيد تولستوي – فيكلا تولستايا ( اسم الدلع لها – فيكا , ولقبها تحوّل من تولستوي المذكر الى تولستايا المؤنث حسب القواعد الصارمة للغّة الروسية ), و تولستايا – هي رئيسة قسم تطوير متحف تولستوي الحكومي , و مقدّمة برامج تلفزيونية معروفة في نفس الوقت. الحوار معها عن جدها الكبير تولستوي كان متشعّبا جدا , وبما انه كان بمناسبة الذكرى 190 لميلاد تولستوي , فقد ابتدأ هذا الحوار طبعا بالسؤال عن تقاليد العائلة التولستوية الكبيرة بالنسبة ليوم ميلاد هذا الكاتب الشهير . أشارت تولستايا الى ان يوم ميلاد تولستوي ( …جميل ومتميّز جدا , اذ هو يصادف يوم 28 / 8 / 1828 … حسب التقويم القديم الذي كان سائدا في الامبراطورية الروسية …) , ومن المعروف , ان ثورة اكتوبر 1917 قد ألغت هذا التقويم القديم ووحّدته مع التقويم العالمي , ولهذا اصبح يوم ميلاد تولستوي بالاتحاد السوفيتي في الشهر التاسع / ايلول بدلا من الشهر الثامن / آب , اي تغيّر تاريخ ميلاده , وفقد بالتالي هذا التناغم الرشيق المرتبط برقم 8 , اي 28/8 /28 , (كما ان الاحتفال السوفيتي بذكرى ثورة اكتوبر كان يجري بالاتحاد السوفيتي في شهر نوفمبر , وليس في شهر اكتوبر , رغم ان اسمها بقي و لحد الان كما كان سابقا , اي ثورة اكتوبر). لقد اختصرت تولستايا اجابتها عن هذا السؤال بالقول , انها تحتفل بذكرى ميلاد تولستوي مثل كل المواطنين الروس باعتباره كاتبا روسيّا عظيما , ولكنها قالت ايضا انهم لايزالون لحد الان يعملون (كيكة الليمون) في بيته بياسنايا بوليانا بمناسبة عيد ميلاده وحسب الوصفة القديمة لتحضيرها ويقدموها لكل الضيوف, وهو تقليد كانت تحرص على اقامته في ذلك اليوم زوجته صوفيا اندريفنا كل عام . وبمناسبة الاشارة الى زوجته , فقد ذكرت تولستايا بشكل غير مباشر , انها تحترم صوفيا اندريفنا , وان هذا الاحترام يزداد لديها عند معرفتها اكثر واكثر حولها , اي على عكس ما كتب الكثير من الباحثين حول علاقتها مع زوجها , وان تولستوي هرب في اواخر ايام حياته منها بالذات . وقد تذكّرت – عندما قرأت رأيها هذا – ما قالته لي مرة استاذتي والمشرفة على اطروحتي في جامعة باريس البروفيسورة صوفيا لافيت حول زوجة تولستوي , اذ انها ذكرت , ان زوجة تولستوي لو لم تكن منسجمة معه لما ولدت له ( 13) طفلا , ولما أعادت كتابة مسوّدة روايته الملحمية ( الحرب والسلم ) سبع مرات باكملها بعد كل تصليح كان تولستوي يجريه على روايته .
هناك نقاط طريفة اخرى في الحوار مع تولستايا , منها ( على سبيل المثال وليس الحصر ) , ما ذكرته عندما احتفل الاتحاد السوفيتي عام 1928 بالذكرى المئوية الاولى لميلاد تولستوي , اذ قالت ان الجلسة المركزية لتلك الاحتفالية جرت في البولشوي تياتر , وان الكلمة الاولى ألقاها الوزير السوفيتي لوناتشارسكي واستغرقت ساعة ونصف , وقد شارك في تلك الاحتفالية كل القادة السوفيت ومجموعة من كبار الضيوف الاجانب , منهم الكاتب الالماني ستيفان زفايج , وتحدثت تولستايا عن مناسبة اخرى جرت عام 1978 , عندما احتفل الاتحاد السوفيتي بالذكرى ( 150 ) على ميلاد تولستوي , وقالت تولستايا , ان الصورة المنشورة لهذه الاحتفالية ( والتي كانت ايضا في البولشوي تياتر ) , كانت كما يأتي – هناك صورة ضخمة لتولستوي في واجهة المسرح , وكان بريجنيف وبقية اعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي يجلسون على منصة المسرح وخلفهم تلك الصورة الضخمة لتولستوي , وقد أثارت هذه الصورة تعليقات أقارب تولستوي , اذ انهم أشاروا , لو ان تولستوي رأى هذه الصورة لشجبها , لانها تتعارض مع كل مفاهيمه الفكرية.
ومن النقاط الطريفة الاخرى في هذا الحوار , ما ذكرته تولستايا حول المؤلفات الكاملة لتولستوي في تسعين مجلدا , اذ تبين انها ابتدأت عام 1928 ليس الا وبمناسبة الاحتفال بالذكرى المئوية لميلاده , وان ابنته أشرفت على اصدار الجزء الاول , ولكنها اضطرت بعدئذ الى الهجرة من الاتحاد السوفيتي , اذ بدأ اخضاع تولستوي للمفاهيم التي كانت سائدة في الاتحاد السوفيتي في الثلاثينات بشكل صارم .
الحوار مع تولستايا يستحق الترجمة الكاملة الى العربية , لانه يتناول معلومات جديدة فعلا عن الكاتب العظيم للارض الروسية…