22 ديسمبر، 2024 8:15 م

حوار في قضية الحسين

حوار في قضية الحسين

سنسلط الضوء على هذه القضية التي جرى فيها جدل وكلام كثير ، وفي ذلك نرجوا أن نكون موضوعيين غير منحازين وغير متعاطفيين لكي نحكم بروح إيجابية صحيحة وصادقة على تلك المرحلة من التاريخ الإسلامي .
في قضية الحسين هناك جانبين سياسي وإنساني يحاول البعض إدماجهما معاً مستغلين الجهل تارةً ومستغلين العاطفة تارةً أخرى ، و المزج بينهما وعلى النحو الذي نعيشه الآن هو خطيئة أضرت وتضر بوحدة الأمة ووحدة قيمها ، لهذا يجب أن نكون موضوعيين ودالين على ما نريد من غير حاجة إلى هذا المزج الدعائي وإلى هذا المزج الديني ..
ففي الجانب السياسي : تتبدى لنا صورة الحسين من خلال حركته الموضوعية المستندة إلى رأي الشعب الذي دعاه لتولي الخلافة ، أي إن حركته وتحركه لم يكن بوحي من قربه للرسول محمد أو من كونه وريثاً للبيت المحمدي ، فهذه القرابة لاتؤسس لمبدأ الحاكمية والحكم ، ذلك لأن الحسين يؤمن بأن الحكم في الإسلام إنما يقوم فقط وفقط على أساس الشورى أو الإنتخاب الشعبي ، وهذا ما عبر عنه الحسين بقوله – لم أخرج أشراً ولا بطرا إنما خرجت لطلب الإصلاح – ، يعني هذا إن خروجه لم يكن من أجل عودة الحكم إلى أهل البيت كما قد يتوهم البعض ، إنما خرج وفق السياقات الطبيعية والشروط الموضوعية ، والتي أعني بها إرادة الشعب في إنتخاب الحاكم المناسب وهكذا – كان الشعب يريد الحسين – ، كان يريده ليعود من خلاله لنظام الحكم الطبيعي والمنطقي نظام الشورى والإختيار الشعبي ، وكان يريد من خلاله كذلك نقض المفهوم الذي شرعهُ وسنهُ معاوية تحت بند – ولاية العهد – الذي خالف فيه منطق الشرع وإرادته ورغبته ، فمعاوية من خلال توليته أبنه يزيد حاكماً وخليفة أنتهك في ذلك القانون الشرعي والدستوري للإسلام وهذا ما أشار إليه أبن خلدون في مقدمته تحت مفهوم – المُلك العضوض – .
فولاية العهد أو الوصية هي الشكل المخالف للقانون وللشريعة ، وهي سلوك غير حضاري يخالف معنى ومفهوم الشورى الذي أسسه الله في قوله تعالى – وأمرهم شورى بينهم – كأساس للحكم ، فالإسلام في الكتاب المجيد يرفض كل أنواع القهر والظلم وإحتكار السلطة وتوجيه الناس وفق رغبة معينة ، كما يرفض الإسلام التنصيب القهري للحاكم وإكراه الناس على شرعة معينة ، لهذا أسس للشورى كقاعدة حكم في إختيار الحاكم أو الوالي أو الرئيس ، وهذه القاعدة تحرك وفقها ومن خلالها الإمام الحسين ، من خلال إستجابته المشروطة لدعوة أهل الكوفة له ، أستجاب لهم وفق شروط موضوعية أهمها إجتماع كلمتهم ورأيهم في طبيعة الحكم وطبيعة الحاكم ، وقد عبر أهل الكوفة عن ذلك من خلال تلك المراسيل والكتب التي جاءته منهم ، ولتوكيد صحة هذه المراسيل والكتب والخطابات بعث إليهم مستشاره وثقته من أهل بيته – مسلم بن عقيل – ليطلع له عن قرب صحة وصدق توجهات الناس فيها ، فكان جوابه – إن الرائد لايكذب أهله فإقدم – ، على هذا الأساس تحرك الحسين وعلى هذا الأساس خرج ، وللإشارة والتنبيه لم يكن هذا رأي أهل الكوفة وحدهم بل كان هو رأي الناس في مصر واليمن والبحرين ومكة والبصرة ، هو رأي كان يمثل الغالبية من الجمهور الرافض لمبدأ ولاية العهد في الحكم .
إذن الشعب أراد من خلال تلك الدعوة العودة لنظام الإنتخاب وإختيار الحاكم ، وكلنا يعلم مدى الجرائم والمفاسد الإدارية والمالية التي أرتكبت أبان الحكم الأموي زمن معاوية ، فالناس كانت تبحث عن طريق لمنهج في الحكم يؤسس للعدالة والحرية والسلام ، والخلاص من سلطة القبيلة وهيمنة الحزب الواحد ، ولم يجد الناس من هو أهلٌ وكفاءة وقدرة على تولي هذا الأمر غير الحسين لهذا كان رأيهم ببيعته في الحكم والخلافة ، وكما قلت إن هذا السلوك منهم ومنه إنما تم وفق شروط موضوعية وليس لأحقية القرابة والصلة برسول الله ، فهذه لاتؤسس لحكم ولا لقيادة ..
وبعد خروج الحسين ونزوله أرض كربلاء مجبراً مكرهاً ، وجد إن القوة قد تمكنت من رقاب الناس واجبرتهم عن التخلي عن دعوتهم له من خلال القهر والدعاية المضللة وإستمالة ضعاف النفوس ، رأى من الحكمة إن الخروج من هذا المأزق السياسي يتطلب المزيد من الجهد والمزيد من التنازلات ، ولهذا بدأ في حوار مفتوح طالباً العودة من حيث أتى وموافقاً على مبايعة يزيد وهذا ما قاله علماء المذهب الشيعي وأساطينه – كالشيخ المفيد والشيخ الطوسي والسيد المرتضى – ولمن أراد عليه بمراجعة كتاب إشكالية الخطاب لوقعة كربلاء – للشيخ الركابي – ، فالحسين قد رأى تبدل موازين القوى ورأى إن الشروط الموضوعية التي خرج على أساسها قد أنتفت وتبدلت ، لهذا وجد أن لاضير من البيعة إن كان في ذلك حفظاً للدماء والأعراض ، وهو يعلم في ذلك إن بيعته ليزيد هي كبيعته لمعاوية وهي لاتعني صحة حكم معاوية أو يزيد بل تعني إحترام رأي الغالبية وإحترام الشروط الموضوعية القاهرة ، وهو يعلم إن يزيد ليس سوى سوءة من سواءات معاوية ، لكن ثلاثي الجريمة والعدوان أعني – يزيد وعبيدالله والشمر – رفضوا مقترحاته هذه و اصروا على أن يتنازل لهم من دون قيد أوشرط ، ثم بعد ذلك يُترك الخيار لهم ليروا فيه رأيهم إن شاءوا عفوا وإن شاءوا قتلوه !! .
في هذه الحالة وجد الحسين نفسه محاطاً بجيش كبير همه قتله وإذلاله وإنتهاك كرامته وإرادته ، تحدى الموت وتمسك بمقولته الرائعة – هيهات منا الذلة – معلماً الناس معنى الكرامة والصبر والتحدي ، إلى هنا يكون الجانب السياسي قد أنتهى في رحلة الحسين وأبتدأ الجانب الإنساني أو المأساوي من القضية ، والذي تمثل بهذا القتل الفظيع له ولأصحابه ولأهل بيته من قبل عصابة الشر والجريمة ، العصابة التي تحالفت على الظلم وتعاونت على الجريمة ، العصابة التي ولدت لنا جيشاً لها في أعصارنا من التكفيريين والحاقدين والإرهابيين والقتلة من المجرمين والسفاحين الذين لاهم لهم إلاّ القتل وإنتهاك الحرمات ، فهم يقتلون على الهوية وعلى الأسم وعلى المنطقة ، وجدنا هذا في عراقنا بعد سقوط بغداد ، حين تناثرت الجثث وتقطعت الرقاب بدعوى طائفي ومناطقي وديني ، هي سُنة سنها جناة التاريخ في إنتهاك القيم وعدم الإحتكام للعقل ورأي الناس ، في الجانب المأساوي سنظل نتذكر الحسين ونتذكر معه كل مظلوم بالحق ، في الجانب المأساوي لا يجب ان نعمم الطريقية والكيفية ، بل لابد أن نعتبر ماحدث جريمة من أناس معينيين ولايجب تعميم هذا الجرم ليشمل كل الناس في كل المراحل ، الجريمة لها وضعها القانوني والأخلاقي والدستوري ، وليعلم الجميع إن هدفنا من ذلك كله وحدة الأمة وتلاحم كلمتها على الحق والخير والعدل والحرية والسلام …
السلام على الحسين ثائراً ضد الظلم
ورحم الله الحسين شهيدا